سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
صالح الخليف
هدأت العاصفة وانقشع غبارها.. مرت وراءها عذابات تجري من تحتها الدماء والدموع والآهات والأحزان.. بعيدًا عن كل ما فعلت وما غيَّرت وما بدَّلت، إلا أنها قدَّمت برهانًا جديدًا على أن تلك الديمقراطية التي تلوكها الألسن بلا معنى، رداء لا يستر سوأة العربي في ظلمة الليل..
ماذا فعلت بكم ثوراتكم أيها العرب؟ أي شتاء قارس وصيف لهَّاب عايشتموهما بعد ربيعكم الذي لم ينبت سوى الألم والموت والظلام؟..
قبل ألف وأربعمئة عام تقريبًا، وضع الملك العربي التاريخي معاوية بن أبي سفيان منهجًا إداريًّا يتناسق ويتفق مع طبيعة العربان.. جاء بالنظام الملكي، وهذه الخطوة الأهم التي ثبَّتت قواعد دولة بني أمية وأسسها وأركانها.. كان معاوية واحدًا من رموز الذكاء والدهاء والخبرة والفطنة، وتشخيص الواقع وقراءة المستقبل في أيام العرب.. والكلام عن رجاحة عقله يحتاج إلى سرد تفاصيل وحكايات طويلة ومملة.. يكفي هنا أن نقول إن معاوية الذي كتب آية الكرسي بيمينه؛ بصفته أحد كتاب الوحي عندما كان يتنزل القرآن على رسولنا الحبيب عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
رسم بهدوء المنهج الملكي، وها هي الأزمنة تتسارع، وها هي الأمكنة تتمايز، ولا تقدم سوى تأكيدات متجددة، على أن ذاك النظام الملكي إنما هو دستور لا يصلح أن يحتكم العرب، ومن هم على شاكلتهم ومن يمشون في سياقهم بنظام سواه، وقيادة غيره..
كل ما حدث في الأعوام الستة الأخيرة، اختصاره إن كنا بحاجة إلى اختصار لدول دمرت؛ لأنها افتقدت الحكمة.. فقدت الحكمة، ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا.
ظل ربيعهم ورصاص ثوراتهم عن طريق الملكيين ومرابعهم.. عاشت ونعمت دول الخليج والمغرب والأردن بالاستقرار.. وكأن شيئًا لم يحدث… الناس فيها تحولوا إلى مراقبين للأحداث والتحولات المثيرة والمتسارعة.. طبيعة الإنسان العربي وتركيبته النفسية والاجتماعية ترتكز على التعامل والتعاطي مع الكبار سنًا وقدرًا ومكانة بشيء من الإجلال.. هذه سلوكيات نابعة من عمق الثقافة العربية.
العرب لا يرفعون حتى أصواتهم في مجلس يحضره رجال بالغون من العمر عتيًا.. الرأي والمشورة والقرار في البيت العربي للأب.. يعتبر العرب وطنهم بيتًا كبيرًا، ورئيسه وزعيمه وقائده إنما هو الأب.. وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته..
هي تركيبة الحاكم والمحكوم في مضارب بني العرب.. الديمقراطية صالحة لبلد مفتوح الطباع والطبائع والعادات والتقاليد كفرنسا مثلًا… هناك لا يملك الآباء القرار الحاسم في حياة أبنائهم وتوجهاتهم.. حياة صالحة لهم وحدهم… سيأخذ الكلام عن عدم مطابقة الديمقراطية الأوروبية الغربية الوقت والجهد والمساحة… يمكن التوقف والقول دون الغرق في التفاصيل، ديمقراطيتهم لهم وملكيتنا لنا.. هناك شعوب متعلمة واعية قد يُمكِّنها صندوق الانتخابات من اختيار الأنسب لحياتهم وأمور دنياهم.. في عالم العرب تتغلب القبلية والمصالح الضيقة والتحزب وراء وجوه توزع الأكاذيب في حفلة انتخابية بائسة.. كل هذه تتغلب وتنتصر عندما يتحدث العرب عن الانتخابات.. وفي نهاية المطاف يُحكِم العسكر قبضتهم على مقاليد الحكم… وتنتهي قصة الحرية والديمقراطية عند الأصوات الصادمة في سماء الفضائيات وأخبار جفت على مطابع الكتب والصحف والمجلات.. هذا شيء يسير من شيء لا يسر!!
كل هذا إنما هو نزر نقدمه نريد من بعده وقبله القول بأن الأنظمة الملكية الأصلح والأنفع لكم أيها العرب.. هذا جزء أول… وهذه أدلته وبراهينه.
الجزء الثاني هو الآخر ليس بحاجة إلى أدلة؛ فالمملكة العربية السعودية هي أهم دولة عربية إسلامية.. هي الوجهة والواجهة.. لماذا اختارها الرئيس ترمب كأول أرض تطؤها قدماه؟
يريد رسم خارطة طريق واضحة المعالم.. يعرف أن العالم يغلي بأزمات ومشاكل وحروب وصراعات، ويعرف أن الشرق الأوسط هو المكان الأكثر التهابًا.. ويعرف أكثر وأكثر ماذا يعني التحالف مع الدولة الأكثر رسوخًا وقوة واستقرارًا، وقبل هذا وذاك عقلانية وحكمة.. منذ الأزل والسعوديون لا يتعاملون مع نظرائهم إلا بالوعي والحكمة والتعقل، ولو كانوا غير ذلك لتحولت الجزيرة العربية إلى مكان يُرمى بشرٍّ – لا ينطفئ – .. يتجاوزون صغار الأمور وسفاسفها… من صدام إلى القذافي إلى علي عبدالله صالح، كان السعوديون دومًا ذاك الشيخ الوقور الذي لا يأبه ولا يلتفت إلى الضغائن العابرة.. ظلوا ملكًا بعد آخر كما هم.. حكمة يتوارثونها كما يتوارث الأبناء أسماء آبائهم… زيارة ترمب لم تكن سوى دليل صغير… لم يكن بالإمكان رؤيته بالعين المجردة.. لولا الصخب العالمي الكبير الذي يتناثر فوق قارات العالم جمعاء، اهتمامًا بالزيارة وترتيباتها وفحواها…
يعرف الكثيرون وعلى رأسهم القابضون على زمام السيطرة والمبادرة في البيت البيضاوي، رئيسًا بعد آخر، قدرة السعوديين وتمكنهم من ضبط التوازنات، والتعاطي مع الملفات الشائكة برؤية واعية.
يحط ترمب رحاله في الرياض العاصمة التي ظلت قبلة لكل مسؤول عربي ومسلم، لم يجد لمشاكله حلًا ناجعًا، فالرياض كانت هي المكان الأنسب لتجاوز العقد بسيطها وصعبها منذ عشرات السنين.. اليوم لم يتغير الحال كثيرًا؛ فيأتي ترمب بحثًا عن حكمة سترمي أقنعة أطال أوباما بقاءها على وجوه قذرة.
الأسد والحوثي وإيران وميليشياتها.. حكاية طويلة سيعرف الرئيس الأشقر حتمًا دهاليزها الموحشة.. ترمب أيها القادم بحثًا عن العقل العربي الراجح.. اخترت المكان الصحيح.
كاتب وصحافي سعودي*
@S_ALKhalif
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر