تركيا لا يمكنها تحمُّل مزيد من أزمة عملتها | مركز سمت للدراسات

تركيا لا يمكنها تحمُّل مزيد من أزمة عملتها

التاريخ والوقت : الخميس, 23 ديسمبر 2021

Mohamed A. El-Erian

 

تُعتبر أزمة العملة سيئة بما يكفي لتركيا. لكن الدخول في أزمة اقتصادية كاملة سيكون أمراً أكثر سوءاً. فقد بدت البلاد أكثر قرباً من الأزمة يوم الجمعة. لكن ما زال بإمكانها تفادي السيناريو الأكثر سوءاً إذا تحركت بسرعة للسيطرة على حالة عدم الاستقرار المالي المتفشية وحماية إمكانياتها الاقتصادية الضخمة. كما أن هناك مصلحة لبقية الدول الناشئة في ذلك.

يُعتبر يوم الجمعة الماضي يوماً صعباً على النظام المالي في تركيا بصفة خاصة. فقد شهد تقلبات أكثر في سعر صرف العملة، حيث تداول المستثمرون الليرة التركية في نطاق نسبته 10%، وترافق مع المزيد من الانخفاض في قيمتها وأفقدها 4% في يوم. فيما تراجعت سوق الأسهم 8% خلال جلسة تداول ساخنة، ما أدى إلى وقف التداول مرتين.

أسفر اتساع نطاق حالة عدم الاستقرار في القطاع المالي إلى تعزيز المخاوف إزاء حدوث تداعيات سلبية في مناطق أخرى من الاقتصاد، بداية من تفاقم التضخم، الذي فاق فعلياً 20%، بالإضافة إلى تآكل القوة الشرائية وقيمة مدخرات الأسر، وصولا ً إلى شركات التنصيع التي حذرت من الأضرار التي أصابت عمليات الإنتاج والاستثمارات.

سقوط التحوّط

يُعَدّ السبب البديهي لحالة الاضطراب المالي آخر عملية لخفض سعر الفائدة الأساسي من قِبل البنك المركزي يوم الخميس الماضي. ساهم هذا الخفض، الذي جاء بمقدار 100 نقطة أساس إلى 14%، في زيادة إجمالي خفض الفائدة المتراكم إلى 500 نقطة أساس منذ شهر سبتمبر الماضي. يأتي هذا فيما ترفع البنوك المركزية الأخرى الفائدة، خصوصاً في الدول الناشئة، أو تقلّص برامج التحفيز النقدي من خلال الحد من مشتريات الأصول، كما يفعل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.

حتى الأسبوع الماضي كان الأمر يبدو وكأن الليرة وحدها هي التي تتحمل عبء السياسة النقدية غير التقليدية، في حين خسرت نصف قيمتها خلال السنة الحالية، رغم التدخل من قِبل البنك المركزي في سوق الصرف. قياساً بالعملة المحلية، سجلت سوق الأسهم أداءً جيداً إلى حد ما، خصوصاً مع اعتبار كثيرين أنها الوسيلة الأفضل للتحوط في مواجهة التضخم على الصعيد المحلي. بيد أن يوم الجمعة شهد سقوط ذلك “التحوط” ضحية للإدراك المتنامي لمخاطر الأضرار الجسيمة والمتصاعدة التي تصيب اقتصاداً يتمتع بخواص قوية في ظروف أخرى.

كلما طالت الفترة الزمنية لاستمرار التحركات المضطربة بشأن العملة – التي طالت بالفعل– ارتفعت المخاطر المتعلقة بكل من المُضَخِّمات الداخلية والخارجية.

على الصعيد الداخلي، تتعرض الأُسر والشركات لضغوط تدفعها للإسراع لاستخدام الدولار أو العملات “الصعبة” الأخرى، في محاولة للتصدي للتدهور المتسارع في قيمة ميزانياتهم. ومن السهل زيادة التأثير على الاقتصاد من خلال تدفقات رأس المال الخارجة حيث يسحب الأجانب الأموال. في هذه الأثناء تتراجع الثقة بقدرة البنك المركزي على تحقيق الاستقرار للعملة المحلية مع كل تدخُّل فاشل يسفر أيضاً عن تآكل في الاحتياطي من النقد الأجنبي لدى البلاد.

تفادي المخاطر

على جميع المقاييس نظرياً، كان رد فعل الليرة مفرطاً فعلاً، أو كان نشاطها زائداً بطريقة هائلة تجاه سياسة البنك المركزي، خصوصاً مع الأخذ في الاعتبار خصائص البلاد الاقتصادية، التي تتضمن في الوقت الحالي فائضاً في ميزان الحساب الجاري مستمراً في الاتساع. بيد أن ذلك لا يعني عدم وجود إمكانية لحدوث مزيد من الحركة المفرطة لليرة. ومن الناحية الواقعية، يزخر تاريخ أزمات العملات في الأسواق الناشئة بأمثلة من البلدان غير القادرة على احتواء وقلب النشاط الزائد للعملة قبل حدوث ضرر أكثر.

كلما كانت فترة اضطراب العملة في تركيا أطول، تحولت عملية قلب سياسة سعر الفائدة الأساسية لدى البنك المركزي من مسألة ضرورية وكافية إلى ضرورية فقط. قد تكون تركيا فعلاً وصلت إلى النقطة التي باتت عندها في حاجة، ليس فقط إلى مجموعة من التعديلات في السياسة المحلية تكون أكثر شمولية، ولكن أيضاً إلى نوع من المرتكز الخارجي الإضافي. وفي حين تتوجه الأنظار بالتأكيد نحو فرض ضوابط على رأس المال، فإنّ جاذبيتها تتراجع جراء الأضرار الهيكلية التي ستنجم عنها والسمعة السيئة المحتملة التي ستصيب دولة حققت ازدهارها من خلال الانفتاح على التجارة والاستثمار على المستوى العالمي. كما أنها ستحدّ من حماس المستثمرين المهتمين الذين لديهم -في ظروف أخرى- رغبة في أن يكونوا جزءاً من التعافي المالي من مستويات متراجعة على هذا المنوال.

لغاية الآن، تمكنت العديد من نقاط القوة الاقتصادية الكبيرة في تركيا من تفادي الأضرار المترتبة على حالة عدم الاستقرار في سعر صرف العملة، وبالتالي الإبقاء على وجود إمكانية لحدوث تعافٍ سريع وازدهار اقتصادي. وكلما كانت فترة انتظار السلطات لتحقيق الاستقرار بطريقة حاسمة للعملة المحلية أطول، ارتفع مستوى التهديد للاقتصاد وزادت المخاطر من أن ما هو شأن محلي خالص حالياً قد ينقل عدم الاستقرار إلى أسواق ناشئة أخرى.

المصدر: صحيفة الشرق “بلومبيرغ”

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر