سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
عبدالرحمن الشاطري
عندما أعلنت الدول الداعية لمكافحة الإرهاب، مقاطعة قطر في الـ5 يونيو 2017، نتيجة احتضان جماعات إرهابية وطائفية متعددة تستهدف ضرب الاستقرار في المنطقة، منها جماعة (الإخوان المسلمين) و(داعش) و(القاعدة)، والترويج لأدبيات ومخططات هذه الجماعات عبر وسائل إعلامها بشكل دائم، انحازت تركيا أيديولوجيًا إلى الجهة القطرية في الأزمة الخليجية، تاركة مسافة للعودة من باب الوساطة الكويتية، إذ تفاعل وزير الخارجية، مولود تشاويش أوغلو، في الساعات الأولى من الأزمة معربًا عن أسفه لما حدث من قطعٍ في العلاقات بين الدوحة وجيرانها، بيد أن أنقرة التي بدت محافظة على سياسة الموازنة بين المصالح وخريطة التحالفات في التعاطي مع الظرفية الخليجية، ما لبثت أن خرجت عن هذا السياق بالمصادقة على اتفاقية تقضي بتأسيس قاعدة عسكرية تركية دائمة في قطر، تتسع لثلاثة آلاف جندي، بدأ إيفاد بضع مئات منهم لقاعدة (العُديد) في بداية الأزمة لحين الانتهاء من القاعدة الجديدة، الأمر الذي عكس حالة الارتباك السياسي للخارجية التركية.
ليس هذا فحسب، فقد قال أردوغان خلال مقابلة مع قناة “RTP” البرتغالية، تمَّ نشرها من قبل وكالة “الأناضول” التركية الرسمية، “إنه تحدث عن مبادرة إنشاء قاعدة عسكرية خلال لقائه العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز في إطار زيارته إلى السعودية فبراير مطلع عام 2017”.
هذا المقترح المثير للاستفزاز، حاولت الرياض تجاوزه حينها بالنظر إلى نطاق توافق البلدين في المنطقة المكتظة بالأزمات، غير أن إعادة التذكير به لاحقًا لإيجاد صيغة منطقية إزاء الوجود العسكري في قطر، استوجب ردًا رافضًا لم تفوّت الرياض فرصة تفطين الرئيس التركي بالطائرات السعودية المقاتلة في قاعدة (إنجيرليك) ضمن التحالف الدولي لمحاربة “داعش” في سوريا والعراق.
ما سبق يضعنا أمام جيواستراتيجية أردوغانية طرأت لتزعّم العالمين العربي والإسلامي، وهي تنظر من ثقب الخلافات العربية مدخلاً لتأسيس نواة عسكرية في المنطقة، توافق ذلك في الشطر الإفريقي مع طموح الرئيس السوداني الذي أعلن في وقت سابق، عدم ترشّحه لفترة رئاسية قادمة ضمن حزمة إصلاحات قال إنها تهدف إلى إرساء دعائم الديموقراطية في البلاد. هي ليست الأولى التي يعلن فيها ذلك، إلا أنه يمكن قراءتها داخل إطار المساعي الحثيثة لتقديم نفسه كرئيس مقبول شعبيًا، وهو يخوض معركة نزاع حدودي حول مثلث حلايب وشلاتين، موضع الخلاف مع القاهرة، التي ترى الحوار سبيلاً في حل الأزمة التاريخية بين البلدين، وهي لم ترقَ مع تحولات العقود الماضية إلى حد التوترات والاستفزازات بينهما، لكن دخول أنقرة والدوحة على خط الأزمة، ينبئ بتفجّر صراع حدودي عسكري اقتصادي ثقافي محتمل، خاصة أن الرئيس السوداني بدأ يغمز من جهة إفساح المجال لنشاط عسكري معادي بالقرب منها، تجسّد في اجتماع ثلاثي جمع رئيس الأركان المشتركة السوداني عماد الدين مصطفى عدوي، مع نظيريه خلوصي أكار، والقطري غانم بن شاهين الغانم، على هامش الزيارة الرسمية التي كشفت ترتيبات إقليمية تظهر اهتمامًا تركيًا لم تخفهِ في استدعاء الإرث العثماني لشبه جزيرة سواكن من خريطة الجغرافيا العثمانية، حيث لفت أردوغان إلى أن الأتراك الذين يريدون الذهاب إلى العمرة سيتوجهون من الجزيرة إلى ميناء جدة السعودي “في سياحة مبرمجة”.
الرياض التقطت الإشارة بوضوح تام، وهي تقييم الظاهرة الجديدة، فاختارت التعامل معها بدبلوماسية رفيعة، وقد استنسخت من الدور التركي أبعاده الاحترافية وأرسلت رسالة ناعمة تكوّنت في استقبال رئيس قبرص كأول زيارة تاريخية يقوم بها رئيس من الجزيرة المتنازع عليها بين القبارصة الأتراك والقبارصة اليونانيين إلى السعودية، مستبعدة ورقة تصعيدية متاحة في هذا الاتجاه تتمثل في نقل سفارة المملكة من أثينا إلى نيقوسيا.
كاتب وصحفي سعودي*
@3bdulr2hmn
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر