تداعيات الأزمة: مسارات موجات اللجوء الأوكراني على أوروبا | مركز سمت للدراسات

تداعيات الأزمة: مسارات موجات اللجوء الأوكراني على أوروبا

التاريخ والوقت : الأحد, 27 مارس 2022

مصطفى صلاح

 

بعدما اندلعت الأزمة الروسية الأوكرانية ظهرت مجموعة من الانعكاسات على مختلف المستويات الداخلية والخارجية ذات صلة مباشرة وغير مباشرة بالأزمة، ولعل من أهمها أزمة تدفق اللاجئين إلى دول الجوار الأوكراني بالإضافة إلى دول أخرى مثل إسرائيل التي تتأهب لاستقبال مئة ألف لاجئ أوكراني معظمهم من اليهود.

وضمن السياق ذاته، قدّرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عدد الفارين من أوكرانيا منذ بدء العملية الروسية في 14 فبراير 2022 بنحو 1.5 مليون شخص، متوقعةً أن يصل العدد إلى 4 ملايين لاجئ إذا استمرت الأزمة لمدة طويلة. وهو ما دفع إلى ظهور تقارير دولية تحذر من تفاقم الوضع الإنساني الخاص باللاجئين الأوكرانيين في الدول الأوروبية، خاصة أن التدفقات سريعة جدًا وعشوائية، ما وصفته الأمم المتحدة بأنها أسرع أزمة متنامية للاجئين في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. وهو الأمر الذي دعا مجلس الأمن إلى عقد جلسة لبحث تداعيات الأزمة على الوضع الإنساني في أوكرانيا، وتحدث فيها مفوض شؤون اللاجئين. وبحسب المفوضية، فرّ أكثر من 280 ألف شخص إلى بولندا. و94,000 إلى هنغاريا، وحوالي 40,000 إلى مولدوفا، و34,000 إلى رومانيا، و30,000 إلى سلوفاكيا، وكذلك عشرات الآلاف إلى البلدان الأوروبية الأخرى.

خريطة الانتشار

تعددت الوجهات التي اعتمدها الأوكرانيين في حركة تدفقهم بسبب الأزمة مع روسيا وأفرزت معها تحديات كبيرة حول ما يمكن أن تتسبب فيه هذه الموجات في تهديد الأمن الإقليمي الأوروبي، وفيما يلي إحصائية بأهم الدول التي شهدت هذه الموجات:

1. بولندا استقبلت مليون و27603 من اللاجئين.

2. المجر 180 ألفا و 163 لاجئا.

3. مولدوفا 82 ألفا و 762 لاجئا.

4. سلوفاكيا 128 ألفا و169 لاجئا.

5. رومانيا 78 ألفا و 977 لاجئا.

6. روسيا 53 ألفا و 300 لاجيء.

7. بيلاروسيا 406 لاجئين.

وتقول الأمم المتحدة إن ما يزيد على 183 ألف شخص غادروا من هذه الدول إلى دول أخرى في أوروبا.

دعم أوروبي

اختلفت مصادر الدعم التي تخصصها الدول الأوروبية لمواجهة هذه الحركة الكبيرة في التدفقات، على سبيل المثال، تقدم بولندا والدول الأخرى المجاورة لأوكرانيا مجموعة من الامتيازات؛ حيث يستطيع اللاجئون البقاء في مراكز استقبال إذا لم يكن لديهم أصدقاء أو أقارب يقيمون معهم، ويحصلون في هذه المراكز على الطعام والرعاية الطبية.

وتقدم المجر ورومانيا علاوات نقدية لشراء الطعام والملابس، مع إتاحة أماكن للأطفال في المدارس المحلية. وتسمح جمهورية التشيك للاجئين بتقديم طلب للحصول على نوع خاص من التأشيرة من أجل البقاء. وطلبت بولندا وسلوفاكيا من الاتحاد الأوروبي مساعدات للاجئين، وبناء عليه ترسل اليونان وألمانيا الخيام والأغطية والأقنعة إلى سلوفاكيا، بينما ترسل فرنسا الأدوية وغيرها من المعدات الطبية إلى بولندا.

ويستعد الاتحاد الأوروبي منح الأوكرانيين، الذين فروا من الحرب، حقًا شاملًا في الإقامة والعمل في جميع أنحاء الدول السبع والعشرين لمدة تصل إلى ثلاث سنوات. كما سيحصل اللاجئون على الرعاية الاجتماعية وإمكانية الحصول على السكن والعلاج الطبي والتعليم للأطفال.

وضمن السياق ذاته، أعلن رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، إن المملكة المتحدة يمكن أن تستقبل 200 ألف لاجئ أوكراني. وسيكون بإمكان الشركات تبني أي أوكراني ماليًا وإحضاره إلى البلاد. كما يمكن للأوكرانيين التقدم بطلب الحصول على تأشيرة هجرة عائلية إذا كان أحد أفراد الأسرة المباشرين مواطنًا بريطانيًا يعيش عادة في أوكرانيا.

الجدير بالذكر هنا أن ‎ الأوكرانيون لا يحتاجون لتأشيرة دخول (فيزا) للسفر إلى دول الاتحاد الأوروبي ومن بينها ألمانيا، وبالتالي يمكن للنازحين الأوكرانيين السفر ودخول جميع دول الاتحاد الأوروبي والإقامة فيها لمدة 90 يومًا دون فيزا، بشرط أن يحمل المسافر جواز سفر بيومتري، ونظرًا للوضع الحالي والحرب في أوكرانيا، يُسمح للنازحين بعبور الحدود من دون جوازات سفر أيضًا.

تداعيات مختلفة

يرى المراقبون أن الدول الأوروبية كانت مضطرة في اتخاذ إجراءات سريعة تتعلق باللاجئين الأوكرانيين مع بداية الأزمة وتفاقمها بشكل متسارع، لكنهم يعتقدون أيضًا أن الدول الأوروبية ستعاني صعوبات وأزمات فيما يتعلق بتنظيم التواجد وإدارة شؤون اللاجئين مستقبلًا، خاصةً أن أوروبا تعاني منذ سنوات من تدفقات الهجرة التي زادت لحد غير مسبوق منذ عام 2011، خاصة وأن موجة الهجرة من أوكرانيا ستتجاوز أضعاف المهاجرين إلى أوروبا على مدار السنوات الماضية، وهو ما يعني أن الأمر سيكون له تداعيات سلبية مستقبلًا.

وضمن هذا السياق، لا يمتلك الاتحاد الأوروبي أي استراتيجية في التعامل مع أوضاع اللاجئين، وظل منقسمًا على نفسه لسنوات مضت بخصوص هذا الملف، وما تشهده الأزمة من تفاقم كبير منذ عام 2015؛ حيث لا تزال قائمة حتى اليوم فيما يتعلق بإدارة شؤون اللاجئين وتوزيعهم.

وقد اتجه الاتحاد الأوروبي إلى تفعيل مبدأ الحماية المؤقتة في الاتحاد لتأمين المأوى لمن سيصلون للاتحاد الأوروبي. هذا وفي 2001، كان هذا المبدأ أساس استجابة التكتل لتدفق جماعي هائل للنازحين واللاجئين خلال الحرب في يوغوسلافيا والصراع في كوسوفو، وبموجب قواعده يتم منح المشردين من دول ليست ضمن التكتل حماية فورية مؤقتة.

وعلى الرغم من ذلك، فإن الشيء الواضح أن عدد اللاجئين سيفوق عدد اللاجئين الذي دخلوا أوروبا في صيف عام 2015. في ذلك الوقت دخل أكثر من مليون لاجئ هاربين من الحرب السورية إلى وسط أوروبا قادمين من تركيا عبر اليونان، واتجه أغلبهم إلى ألمانيا. ولم تتمكن دول الاتحاد الأوروبي من إيجاد آلية توزيع عادلة ومتضامنة فيما بينها، رغم أن القانون يقول إن المسؤول الأول عن دراسة طلب اللجوء هي دولة الدخول، إلا أن الوضع هذه المرة مختلف، فالأوكرانيون يهربون إلى دول مجاورة بسبب حرب لم تكن أوروبا تتوقعها. وأغلب اللاجئين يلجؤون إلى أقارب لهم أو يسكنون كضيوف عند مواطنين من هنغاريا أو رومانيا أو سلوفاكيا أو بولندا.

في الختام: يقع على عاتق دول الاتحاد الأوروبي عبء كبير في التعامل مع مشكلة اللجوء خاصة وأن موجات التدفق لدول الاتحاد لم تتوقف منذ عام 2011، وأن الاتفاق الذي توصلت إليه مع تركيا في عام 2015 هش وتستثمره تركيا في الضغط على أوروبا في تحقيق مصالحها، ومن ثم ستشهد الفترة القادمة نشاط متزايد في سياسات الاتحاد للوصول إلى تسوية مقبولة للأزمة الروسية الأوكرانية، بالإضافة إلى تنظيم السياسات الأوروبية فيما يتعلق بسياسات الهجرة واللجوء لما لها من تأثيرات سلبية على تهديد الأمن الأوروبي.

المصدر: المركز العربي للبحوث والدراسات

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر