سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
بينوي كامبارك
نادرًا ما ينخرط السياسيون الأستراليون والموظفون القنصليون في البلاد في موضوع خاص بحماية مواطنيهم. وفي عدد من الحالات سيئة السمعة، أظهرت السلطات الأسترالية، ليس فقط حالة من اللامبالاة، لكن أيضًا تبنَّت نهجًا ضد المواطنين الموجودين خارج البلاد.
ممدوح أحمد حبيب، وهو مواطن أسترالي مصري، تمَّ احتجازه في باكستان بتاريخ أكتوبر 2001، وأُرسل بعد ذلك إلى معتقل جوانتنامو. وكان قد اُعتقل قبل ذلك في عام 2005 في إطار الحرب العالمية على الإرهاب، حيث تمَّ اعتقاله بطريقة وحشية بدون تهمة. وفي أبريل 2002، وصلت الاستخبارات الأمنية الأسترالية لقناعة بأن “حبيب” لم يشارك في التخطيط لهجمات إرهابية في المستقبل، وهي النقطة التي اعتبرت غير كافية لإطلاق سراحه في وقت سابق. وعندما أُطلق سراحه، بدأت إجراءات المحكمة الفيدرالية ضد الحكومة الأسترالية بسبب التواطؤ في هذه المسألة، إلى أن تمت تسوية القضية في عام 2010.
هذه القضية الصعبة لا تساوي شيئًا بالنسبة للتواطؤ الواضح للمسؤولين الأستراليين فيما يتعلق بالاعتقال المستمر لـ”حبيب”. فقد تمَّ رفض حتى التقييمات التي قدمتها أجهزة المخابرات في إطار التقارير الاستخبارية التي تضمنت براءته. وفي بيان إعلامي مشترك صادر عن كلٍّ من المدعي العام ووزير الخارجية في 11 يناير 2005، تمَّ التأكيد على الخط المعياري، حيث “ظلت وجهة نظر الولايات المتحدة قوية، وهي أن السيد حبيب، وبناءً على المعلومات المتاحة لها، كانت لديه معرفة مسبقة بالهجمات الإرهابية التي وقعت في 11 سبتمبر 2001 أو قبلها”.
وفي تقريرٍ خاصٍ حول هذه القضية من جانب المفتش العام الأسترالي للمخابرات والأمن، جاء ما نصه “تبيَّن أن التواصل مع عائلة حبيب فيما يتعلق بوضعه لم يكن كافيًا، بل ويوصي بالاعتذار له عمَّا تعرض له”. وقد تمَّ التأكيد على أن مسؤولي المخابرات الأسترالية لم يشاركوا بشكل مباشر في تقديمه لمعتقل جوانتنامو. مع أنه لُوحظ أن المحقق التابع للمؤسسة الاستخبارية كان ينبغي أن يكون قد قام باستفسارات نشطة حول كيفية معاملة السيد حبيب في مصر قبل تقديم المعلومات التي ربَّما تمَّ استخدامها في استجوابه لدى السلطات المصرية.
هنا، يمكن الإشارة إلى إمكانية العثور على مؤشرات تدل على الرفض الخاص بقضية “ديفيد هيكس”، وهو أحد المواطنين الأستراليين الذي وجد نفسه يواجه عددًا من التهم التي جاءت في إطار “الحرب” على الإرهاب. وقد مثَّل ذلك حالة بارزة أكثر وضوحًا. وهو ما يرتبط بدور تلك الحرب في تاريخ القانون الأميركي في محاربة تلك الفئة المشكوك فيها مما يعرف بـ”المقاتل غير القانوني” واللجان العسكرية. لكن ما كان يبدو أكثر وضوحًا في الأمر هو الرفض الصارخ من جانب رئيس الوزراء “جون هوارد” ووزير خارجيته “ألكساندر داونر” للانخراط في أي شيء يشبه المساعدة.
وفي مايو 2003، ومع تداول عدد من الشائعات التي تفيد بإطلاق سراح بعض المحتجزين في معتقل جوانتنامو، سارع “داونر” إلى رفع اسم “هيكس” من القائمة، وقال في حينها إنه “على كل حال، نذكر أن ديفيد هيكس كان شخصًا متهمًا بانتمائه لتنظيم القاعدة وحركة طالبان على حد سواء، حيث كانت حركة طالبان هي التعبير السياسي عن وجهة نظر القاعدة”.
وعند الضغط عليه من جانب إذاعة “إي بي سي” ABC Radio بشأن الإهمال في هذه القضية، رد “داونر” على هذا الادعاء، قائلاً إنه: “رغم أنه محتجز، دعني أوضح ذلك: إنه محتجز كمقاتل غير قانوني، كشخص احتُجز في البداية من قبل قوات التحالف، ثم من قبل الولايات المتحدة”.
وفي رسالة موجهة إلى رئيس الوزراء الأسترالي “جون هوارد”، صرحت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية “أيرين خان” بأن “هيكس” قد تمَّ التخلي عنه. حتى بعد أن خلُصَت المحكمة العليا في الولايات المتحدة إلى أن اللجان العسكرية التي تمَّ تشكيلها كانت غير دستورية، فقد ظلت الحكومة الأسترالية توافق على تلك الانحرافات الواضحة جدًا. ذلك أنه لم يبذل أحدٌ أي جهد لضمان حصوله على محاكمة عادلة.
لقد كان الرد الأسترالي على اعتقال “جوليان أسانج”، سواء أثناء وجوده في السفارة الإكوادورية، أو في سجن بلمارش، ينمُّ عن ميل غير سليم إلى اعتقال المواطن المثير للجدل باعتباره يمثل تهديدًا واضحًا، وهُنا تغلب منطق “دع دولة أخرى تتعامل معه، ويا حبذا لو كانت هذه الدولة هي أميركا”.
وفي الأيام الأخيرة، فإن ثمة تناميًا ملحوظًا للزخم الدائر حول هذه القضية، يدل على أن النخب السياسية في أستراليا قد تلعب دورًا في تشكيل هذا الرأي. فقد قام “برنابي جويس”، النائب في البرلمان الأسترالي، بإطلاق عبارات قاسية بشأن تلك القضية بشكل يختلف عن المعتاد، حيث قال إنه “سواء أكنت تحب شخصًا أم لا، يجب أن تُمنح الحقوق والحماية المناسبة، وكذلك الحق في الحصول على العدالة، وذلك على النحو الذي يحدده البرلمان الأسترالي، وليس برلمان دولة أخرى”.
وقد جادل “جويس” بأنه لم يتم تقديم أسباب تتعلق بتسليم الولايات المتحدة هذا الشخص من جانب المملكة المتحدة، فإذا كان شخص ما يقيم في أستراليا وقام بارتكاب جريمة في بلد آخر، فلا أعتقد أن هذا هو موضع التسليم.
كما تورط النائب المستقل في ولاية تسمانيا، “أندرو ويلكي”، في هذا الموضوع أيضًا، على أمل أن يتمكن من حشد ائتلاف من المؤيدين في البرلمان الأسترالي لدعم عودة “أسانج” إلى أستراليا، إذ قال إن “الحزب الوحيد الذي يتعين عليه العمل بجد من أجل الحصول على أعضاء في هذه المجموعة هو حزب العمل”.
ورغم ذلك، فإنه يتم الحفاظ على الجبهة الأكثر تقليدية من قبل أمين الصندوق، “جوش فريدنبرغ” الذي يرى أنه في النهاية سيواجه العدالة بسبب ما زُعم أنه قام به، لكن في إطار العمل القانوني ستستمر المحاكمة العادلة في مسارها. في حين قام “فريدنبرغ” بتقديم تنازل يبدو ضعيفًا، إذ قال: “إننا كحكومة سوف نستمر في دعمه من خلال الخدمات القنصلية المناسبة”.
أخيرًا، فإذا لم يكن هناك في السابق وقت لمواجهة تلك الأوضاع الغريبة والشرسة، فقد حان الوقت الآن للقيام بذلك. وهو ذاته الحال الذي يتشابه بشكل كامل مع “هيكس” و”حبيب” اللذين واجها حالة التواطؤ مستعينين بمجموعة مدافعة قانونية. لكن في حالة “أسانج” نجد أنه يواجه وضعًا أكثر مرونة بهدف. ففي ضوء قانون التجسس الأميركي الصادر عام 1917، يُثار التساؤل حول: هل يجب تسليمه من المملكة المتحدة ومواجهة واشنطن؟ هنا، فمن الواضح أننا سنقف متفجرين على أشد الأفعال فسادًا، ألا وهي تلفيق التهم والجرائم للبشر. ومن ثَمَّ، يتبيَّن لنا أن البرلمانيين الأستراليين، الذين لم يكونوا معنيين بهذا الأمر فيما سبق، باتوا أكثر وعيًا وإدراكًا له في الوقت الراهن.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: أوراسيا ريفيو
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر