سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
لا يمكن تناول تجديد الخطاب الإسلامي بمعزل عمَّا أصاب الفكر الإسلامي من جمود عقلي على مدى عقود طويلة؛ إذ إن الخطاب الإسلامي المعاصر لم ينتج من فراغ، وإنما هو انعكاس للمراحل التي مرَّ بها الفكر الإسلامي. لذا، فإن تجديد الخطاب الإسلامي يرتبط بتجديد الفكر الإسلامي.
تحت عنوان “تجديد الخطاب الديني .. من المنبر إلى شبكة الإنترنت”، يناقش الأكاديمي المصري محمد يونس، المفاهيم الأساسية التي تشير إلى تفاعل العقيدة مع حياة الناس، ومنها الفكر الإسلامي، والخطاب الإسلامي، والعلاقة العضوية التي تربط بينهما. كما يتناول مفهوم التجديد ومنهاجيته وأولوياته، مرورًا باتجاهات التجديد في التراث الإسلامي والعصر الحديث.
يرى المؤلف أن الخطاب الإسلامي الفكري، هو الوجه الإعلامي للفكر الإسلامي، أو التناول الاتصالي للفكر الإسلامي، سواء من خلال الاتصال المباشر بين علماء الدين والمفكرين الإسلاميين والجمهور عبر الخطب والدروس الدينية والمحاضرات، أو من خلال الاتصال غير المباشر من خلال وسائل الإعلام الجماهيرية كالصحافة والإذاعة والتلفزيون، فضلاً عن الوسائل الإلكترونية الحديثة عبر الإنترنت.
وعلى ذلك، فإن الخطاب الإسلامي الخاضع للتحليل في هذا الكتاب، هو مجموعة المقولات والتصورات والرؤى التي يطرحها علماء الدين والدعاة والمفكرون إزاء قضايا المجتمع، استنادًا إلى الدين الإسلامي بشكل مباشر أو غير مباشر.
يشير الكاتب إلى التجديد باعتباره يتعلق بالخطاب والفكر الإسلامي، ومن ثَمَّ ينبغي التمييز بين النص الإسلامي من ناحية، والفكر والخطاب الإسلامي من ناحية أخرى. فالنص، وهو القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، يتسم بالثبات، غير أن ثبات النص لا يعني أن قراءته ثابتة، وإنما هي متجددة، فعطاء القرآن وفهمه واستيعابه يتجدد في كل عصر. وعلى سبيل المثال: لم تتوقف الأمة عند تفسير القرآن الكريم الذي توصل إليه الجيل الأول من المسلمين وفق معطيات عصرهم، وإنما ظهرت تفسيرات أخرى كالتفسير الدلالي، والتفسير الموضوعي، والتفسير العلمي.
ويرصد الكاتب أكثر من خطاب إسلامي، أو بعبارة أخرى أكثر من صوت إسلامي، يرى أنها تختلف باختلاف المعايير التي تصنف وفقًا لها، إلا أنه يستند إلى تصنيف الدكتور عبدالوهاب المسيري الذي يعتمد على معيارين، هما:
المعيار الأول: ما يتعلق بالمرحلة التاريخية، حيث ينقسم الخطاب الإسلامي وفقًا لهذا المعيار إلى مستويين، هما:
المعيار الثاني: يتعلق بحملة الخطاب، ووفقًا لهذا المعيار يقسم الخطاب إلى ثلاثة مستويات، هي:
الخطاب الجماهيري، وهو خطاب القاعدة العريضة من الجماهير الإسلامية التي شعرت بفطرتها أن عمليات التحديث والعلمنة والعولمة لم يكن فيها خير للأمة ولا صلاح لها. كما لاحظت أن هذه العمليات في جوهرها هي عمليات تغريب سلبتها موروثها الديني والثقافي ولم تعطها شيئًا في المقابل، بل أدت إلى مزيد من الهيمنة الاستعمارية والاستقطاب الطبقي في الداخل. هذه الجماعة تحاول التمسك والتشبث بالإسلام.
هناك – أيضًا – الخطاب السياسي، وهو خطاب بعض الأكاديميين والمهنيين وغيرهم من أبناء الطبقة المتوسطة الذين شعروا بالحاجة إلى عمل سياسي من خلال القنوات الشرعية لحماية الأمة، وقاموا بتنظيم أنفسهم في تنظيمات سياسية لا تلجأ إلى العنف، ويكاد ينحصر اهتمام حملة هذا الخطاب في المجالين السياسي والتربوي.
إلى جانب ذلك، يوجد الخطاب الفكري، وهو الخطاب الذي يتعامل أساسًا مع الجانب التنظيري والفكري داخل الحركة الإسلامية.
ويذهب الكاتب إلى أن الخطاب الإسلامي المعاصر، ليس جزءًا من التيار الإسلامي، بل هو استمرار لرسالة الإسلام التي هي جزء من سلسلة الخطاب الإلهي إلى البشرية عبر الرسل والأنبياء. وما يمر به هذا الخطاب من مراحل له أسبابه الذاتية، فقد مرَّ بمرحلة اعتذارية في بداية الهجمة الاستعمارية والاستشراقية الشرسة، ثم بدأ مرحلة التثقيف الجماهيري العام، ثم دخل أخيرًا مرحلة البناء التخصصي لمعالم الحضارة الإسلامية في مجتمع معاصر، وما زالت أمامه مرحلة الخطاب العالمي التي لم يتناولها إلا القليلون.
أمَّا عن حال الخطاب الإسلامي المعاصر، فيرى الكاتب أنه لا يختلف عن حال الأمة الإسلامية اليوم وما تشهده من تخلف مركب. ففي حالة التخلف المركب هذه، تستعيض الأمة الإسلامية باستهلاك أدوات الحضارة عن صنع هذه الأدوات من (الهاتف، والحاسوب، والمحمول إلى الصاروخ، والقمر الصناعي)، وكأن لسان حال الأمة يقول “سبحان الذي سخر لنا الغرب والشرق الذي ينتج هذه المنتجات لكي نستعملها نحن العرب والمسلمين”.
في هذا السياق، تتجلى الفوضى في الخطاب الإسلامي المعاصر، وتتشتت وتتباين الفجوة بين حاملي هذا الخطاب ومروجيه. كما يبرز تجاهل كبير لمقام وظروف متلقيه. وهذه الحالة لا تتجلى على المنابر التقليدية فقط، وإنما أيضًا عبر الفضائيات والمواقع الإلكترونية.
ويتأرجح الخطاب الإسلامي المعاصر بين القوة والضعف والاعتدال والتطرف وعدم الكفاية، اعتمادًا على الظروف الداخلية للمجتمعات الإسلامية من ناحية، والظروف الخارجية، التي تحيط بالأمة الإسلامية من ناحية أخرى؛ حيث تعدُّ البلدان الإسلامية الساحة الرئيسية التي تتحرك فيها معدات الحرب اليوم، والتي بدأت تحت شعار مواجهة الإرهاب عقب أحداث 11 سبتمبر 2001، ثم توسعت وتمددت على مدار العقد الأخير لتقضي في كثير من مجتمعات المسلمين على البشر والشجر والحجر.
هنا يميز الكاتب بين أربع سمات عامة توضح ملامح حالة الخطاب الإسلامي المعاصر:
أولاً: الضعف العام الذي تتسم به معظم أنماط الخطاب الإسلامي على مستوى مضمونها، ويتلخص ذلك في الانحدار في المعرفة إلى الجهل، أو ما يشار إليه تقليديًا بالأمية الدينية، كما يظهر في هشاشة المحتوى وعدم الإدراك للمسائل والقضايا التي تناولها من الزاوية الإسلامية، والتي يتم عرضها على الرأي العام داخل العالم الإسلامي، فضلاً عن الرأي العام الدولي.
ثانيًا: الارتجال والعفوية الناتجة عن نقص التخطيط وتجاهل النهج العلمي في الموضوعات والقضايا والأوضاع التي يتم تناولها والاعتماد على القدرات الفردية في معظم الحالات، وذلك على حساب التعاون والتكامل والتنسيق بين الجهود والتنازل للعمل الجماعي فيما يتعلق بالتطورات الجديدة والحالة الناشئة التي تحتاج إلى موقف موحد.
ثالثًا: ضيق الأفق والتركيز على القضايا الطارئة والعابرة في تجاهل تام للمستقبل، سواء المتوسط أو البعيد؛ وهو ما يفسر إلى حدٍ بعيدٍ لماذا تقتصر أنماط عديدة من الخطاب الإسلامي على دائرة رد الفعل، وفي حين تكاد تغيب المبادرة تمامًا عن هذا الخطاب.
رابعًا: انعكاسات الخلافات الفكرية والثقافية والمذهبية، فضلاً عن الصراعات المحلية والدولية، على الخطاب الإسلامي مما يجعل الأطروحات التي يقدمها الخطاب الإسلامي غير مترابطة ومتناقضة، وتفتقر إلى الانسجام والتنسيق.
ويخلص الكاتب إلى أن هذه الجوانب السلبية في الخطاب الإسلامي تنتهي إلى التأثير في الأوضاع العامة في العالم الإسلامي، فضلاً عن صورة الإسلام والمسلمين في العالم، وفي القدرة على مواجهة التحديات ودرء الحملات المغرضة التي تستهدف الأمة الإسلامية وتهدد وجودها، وسيادة دولها، واستقرار شعوبها وازدهارها.
معلومات الكتاب
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر