تايوان تحت حكم “تساي”.. مراجعة لثلاث سنوات مضت | مركز سمت للدراسات

تايوان تحت حكم “تساي”.. مراجعة لثلاث سنوات مضت

التاريخ والوقت : الخميس, 13 يونيو 2019

كنت وانج

 

بعد ثلاث سنوات من إدارة “تساي إنغ ون”، رئيسة تايوان، تبدو السياسة الداخلية والتوقعات الاقتصادية والمشهد العالمي مختلفة تمامًا عن تايوان. فقد أوقفت بكين الحوار الرسمي عبر مضيق تايوان بعد تنصيب “تساي”، كما شرعت في حملة للضغط عليه.

وقد صاحب ذلك حالة من انتشرت حالة انعدام اليقين في العلاقات بين الولايات المتحدة وتايوان، حيث تمَّ التشكيك في التزام إدارة دونالد ترمب تجاه منطقة المحيط الهادئ الهندية ككل، مما أثار مخاوف من أن تايوان سوف تنجذب عن غير قصد إلى مواجهات الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين. وقد تراجع الدعم الشعبي لإدارة “تساي” وسط انتقادات لبعض سياساتها، إلا أن الاستقطاب السياسي مستمر بلا هوادة. فماذا تعني هذه الظروف لحاضر ومستقبل تايوان؟

عندما انتُخبت “تساي” لرئاسة تايوان في عام 2016، دعت الناس بحماس إلى “الترحيب بعصر تايوان الجديد”. إلا أنه بعد ثلاث سنوات، لم تأتِ “الحقبة الجديدة” التي تعهدت بها بعدُ. فقد لاقت “تساي” وحزبها الديمقراطي التقدمي هجومًا عنيفًا من قبل في الانتخابات المحلية الأخيرة؛ وذلك نتيجة لغطرسة وإساءة استخدام سلطة الحكومة والنيابة العامة التي وصلت إلى حد لم يعد أحد قادرًا على تحمله، في حين أن عدم اكتراث “تساي” بالرأي العام قد دفعها إلى فقدان شرعيتها كزعيمة للجزيرة.

وتقدَّمت “تساي” باستقالتها من رئاسة الحزب الديمقراطي التقدمي في نفس الليلة التي أعلنت فيها نتائج الانتخابات المحلية. فقد أظهر الناخبون بوضوح القيم السائدة في تايوان، والتي بدت على درجة أقل من الناحية الأيديولوجية ودرجة أقل من البراغماتية، بينما رفضوا الاقتتال السياسي العنيف، وبرزت توقعات بأن تعود رئيسًا للجميع على أساس القيم العقلانية.

عقدت “تساي” مؤتمرًا صحفيًا في 20 مايو الماضي، وذلك في مناسبة الذكرى الثالثة لإدارتها، حيث قامت باستعراض إنجازات حكومتها، على أمل أن يتضامن الشعب معها في التغلب على العوائق التي تحول دون البقاء في السلطة. ومع ذلك، فقد نسيت “تساي” أن النيابة العامة، تحت قيادتها، عانت من هزيمة مذهلة في انتخابات العام الماضي. فخلال السنوات الثلاث الماضية، استخدمت “تساي” وسائل مختلفة لدعم حزبها في السلطة، مما أدى إلى تراجع الروح المحايدة والموضوعية والمهنية من القطاع العام، ما انتهى إلى إغراق الحكومة بالتيارات الانفصالية.

وإذا نظرنا للخلف، وتحديدًا في العشرين من مايو 2016، نجد أن الأشخاص من كافة الاتجاهات أظهروا مشاعر إيجابية تجاه قيم التقدم والعقلانية التي تنادي بها “تساي”، في حين أن التفوق العددي المطلق من جانب النيابة العامة في اليوان التشريعي كان يعني الدعم الكامل لسيطرتها المطلقة على الحكومة. فما كان يدري أحد بأن إدارتها، بمجرد وصولها إلى السلطة الفعلية، ستصبح محدودة السلطات دون قدرة على سد الفجوة بين المثل العليا والواقع! فقد أضحت أكثر غطرسة وغفلة تجاه غضب الجماهير.

وبعد ثلاث سنوات وهي في منصبها، تراجعت مكانة “تساي” لدى الرأي العام؛ حيث لم يكن من السهل أن تعود من جديد. وهنا يبدو القلق من جانب إدارة “تساي” التي لا تعرف كيفية استخدام صلاحياتها لفائدة الجمهور؛ لكنها بدلاً من ذلك، لجأت إلى استخدام إصلاحات قائمة بذاتها وقيم تقدمية وأيديولوجية لتقييد الناس والمجتمع. والآن، وبعد تراجع شعبيتها بشكل كبير، تآكلت شرعيتها بشكل ينذر بالخطر، ما يرجح تنامي التحديات التي ستواجهها مستقبلاً على الصعيدين الداخلي والخارجي. فمنذ تولي “تساي” السلطة، تحدثت باستمرار عن الإصلاحات؛ لكنها تواجه حاليًا موقفًا محرجًا حيث لم تعد تعرف كيفية “إصلاح الذات”، إنه لأمرٌ مثيرٌ للسخرية حقًا.

وتتمتع “تساي” بسلطات وصلاحيات كاملة، ولكن خلال السنوات الثلاث الماضية، تأثر حكمها بسبب غضب الجماهير، ذلك أن التلاعب بالسلطة غالبًا ما ينعكس على مسارات الديمقراطية. فأغلب ما يميز حكومة “تساي” هو مساعيها لإحكام قبضها على السلطة، والتضييق على الرأي العام، مع الزعم بحماية النظام القانوني والتستر على المخالفات، وهو ما يجعلها عاجزة عن الشعور بنبض الجماهير، حتى إنها باتت غير قادرة على التواصل مع القاعدة الشعبية المخلصة، وتركتها معزولة؛ ذلك أنها تخاف حتى من مواجهة ممثلين حقيقيين عن الشعب والاستماع إلى صوت الرأي العام الحقيقي.

تراجع النمو الاقتصادي إلى أسوأ مستوياته منذ نحو ثلاث سنوات. وعندما يتباطأ الاقتصاد ويتراجع الدخل، ينخفض معدل الاستهلاك في المجتمع؛ حيث تفقد الطبقة الوسطى نوعية الحياة التي كانت تستمتع بها. وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، تفشت ظاهرة “الحكم المهين” حيث تبدو الإدارة غارقة في مأزق أجندة الحكومة غير المنضبطة.

وهكذا يجب أن تعترف “تساي” بالفشل فيما يتعلق بتحديد المواقع الأساسية لمُثُل الحزب، مع التوجه بدعوة واضحة لتغيير مسار الحزب الديمقراطي التقدمي. فالعلاج الأساسي يبدو في التخلي عن برنامج الحزب الذي يتحمور حول استقلال تايوان. كما أنه عند عدم التحلي بالشجاعة للتوصل إلى علاج أساسي، ينبغي أن تتوفر الحكمة لإيجاد علاج لسد الفجوة أو استخدام سياسة أكثر انفتاحًا وتقدميةً كأساس لاقتراح قرار جديد يركز على إعادة النظر في سياسات الحكومة، وتبني نظرة أقل كراهية تجاه الصين، وعدم الاعتماد من جانب واحد على الولايات المتحدة، حيث يبدو ذلك أمرًا غير مُجدٍ.

إذا كانت “تساي” قد أنجزت الكثير في السنوات الثلاث لحكومتها، فلماذا لاقى الحزب الديمقراطي التقدمي هزيمة مُذلةً خلال الانتخابات المحلية الأخيرة؟ هنا يكمُن السبب في حقيقة أن المسؤولين داخل الحزب يتحدثون كثيرًا عن التغيير بينما هم أنفسهم لم يستطيعوا التغيير. لقد كانت “تساي” تبدو أكثر تفاؤلاً في تفسير السنوات الثلاث التي خضعت لحكمها؛ بينما من خلال واقع عمل المسؤولين بالحكومة, ونهجها في إدارة شؤون الدولة، لم يستطع الجمهور سوى رؤية جوانب الضعف لنظام حكمها.

لقد ظلت “تساي إنغ ون” في السلطة لمدة ثلاث سنوات فقط، ويبدو أنها أصبحت بالفعل “رئيسة انتقالية”، لأنها باتت في انتظار التنحي في عام 2020. وفي الواقع، فإن ما ينبغي لها أن تقرره هو هل ستستمر في حالة من الاختطاف من قِبَل الحزب الديمقراطي التقدمي الأصولي، أو القيام بعكس ذلك، واستبعاد الفصيل الأصولي؟

أخيرًا، إن الحد من الخلافات السياسية والوصول بالصراع إلى الحد الأدنى، وإعادة تعديل العلاقات عبر المضيق في الأشهر الأحد عشر المتبقية من فترة ولايتها، مع بذل المزيد من الجهد في إنعاش الاقتصاد، وتأمين أقصى درجة من ثقة الناخبين المهتزة، يمثل الخيار الصحيح والوحيد لـ”تساي”.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: آسيا تايمز

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر