تاريخ قصير للمستقبل الرقمي للآسيان | مركز سمت للدراسات

تاريخ قصير للمستقبل الرقمي للآسيان

التاريخ والوقت : الأربعاء, 11 سبتمبر 2019

أندرو شنغ

تحتفل ماليزيا هذا الشهر بالذكرى الـ62 لاستقلالها، تحت قيادة رئيس وزرائها “مهاتير محمد” الذي يبلغ من العمر 94 عامًا. وقد احتفلت سنغافورة أيضًا باليوم الوطني الـ54 هذا الشهر، حيث تحدث رئيس الوزراء “لي هسين لونج” بلغة الملايو والماندرين والإنجليزية حول كيفية استعداد سنغافورة لتغيير المناخ. وفي الذكرى 74 للاستقلال، أعلن الرئيس الإندونيسي “جوكو ويدودو” عن خطة طموحة لنقل العاصمة من جاكرتا إلى بورنيو.

خلال جولة شملت جميع دول رابطة أمم جنوب شرقي آسيا والمعروفة بـ”آسيان” هذا الشهر أدركت تمامًا أنه في الوقت الذي تبدو فيه بقية العالم منشغلاً أكثر بالواقع المضطرب، فإن جنوب شرق آسيا تنشغل بالمستقبل وتستعد له. وهو ما يعود إلى مسارها المتجه للأمام بدرجة كبيرة. فلا تزال اقتصادات الآسيان واحدة من أسرع المناطق نموًا في العالم، حيث يبلغ عدد سكانها 600 مليون نسمة، كما يبلغ إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لهذه البلدان 2.5 تريليون دولار. ويعتمد نجاح الآسيان منذ ستينيات القرن الماضي على التجارة والسلام والاستقرار والتفاني في النمو الاقتصادي بدلاً من الانشغال بالسياسة. كما يتوقف نجاحها في المستقبل على حيادها السياسي، رغم محاولات القوى العظمى التي تطلب من دول المنطقة الانحياز لصراعاتها.

وفي “هانوي” وخلال اجتماع لمبادرة “شباب العلماء والأكاديميين”، أدهشني كيف كانت فيتنام تخطط بالفعل لاقتصاد رقمي بحلول عام 2030 و2045. فبعد أن بلغت معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي 7.1% في عام 2018، وبأقل من 100 مليون نسمة، كانت فيتنام من المستفيدين الرئيسيين من الصين، حيث تخلت عن صناعاتها منخفضة التكلفة واتجهت نحو تنويع سلسلة الإمداد العالمية الآسيوية. وفي عام 2010، تمكنت فيتنام من الوصول إلى متوسط الدخل الأنسب الذي يحدده البنك الدولي، وفي الوضع الراهن، يمكن أن تصبح في وضع أفضل من اقتصاد سنغافورة بحلول عام 2029.

وللحفاظ على الزخم الخاص بالنمو، وتوفير فرص العمل لشبابها المتنامين، وضعت فيتنام أربعة سيناريوهات مستقبلية رقمية محتملة، تتراوح ما بين كونها مشترية وبائعة للمنتجات والخدمات الرقمية.

ففي سيناريو التراث الأول، وباستخدام محركات النمو التقليدية ذات التحول الرقمي المنخفض، يمكن أن يكون النمو الإضافي ضئيلاً. أمَّا في السيناريو الثاني للتصدير الرقمي Digital Exporter، فيكون باستخدام الشركات الأجنبية التي تقوم على عمالة فيتنامية بغرض التصدير، وهو يبدو قدرًا جيدًا من التحسن، لكن الفوائد سوف تكون هامشية فقط. وفي السيناريو الثالث الذي يتركز على وضع “المستهلك الرقمي”، سوف تتحقق فيه الاستفادة من السوق الاستهلاكية الكبيرة بفيتنام، لكن مقدار الوظائف الحالية المُعَرَّضة للخطر، سيكون أعلى بمقدار الثلث مقارنة بالسيناريوهين السابقين. أمَّا السيناريو الرابع للاقتصاد المتحول رقميًا، بجميع الصناعات والخدمات الحكومية، فمن المتوقع أن تزداد معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي بمقدار 1.1% ، لكن نحو 38.1% من فرص العمل الحالية ستكون في خطر التحول أو التعطيل.

وفي حقيقة الأمر تدرك فيتنام أن صناعاتها الخاصة يمكن تفكيكها عن طريق الاعتماد على القطاع الأجنبي فقط، وبالتالي ينبغي أن يكون لديها القدرة على تحول القطاعات المحلية للعمل رقميًا بالانسجام مع بقية العالم. ذلك أن هذا السيناريو يضع خريطة طريق تعطي الأولوية لكل من البنية التحتية، وأمن الشبكات، وزيادة المهارات والقدرات الرقمية، وتحديث الحكومة، والصناعة، وخطة الابتكار الوطنية، والإصلاح الضريبي والهيكلي.

وما إن وصلت إلى جاكرتا، الأسبوع الماضي، لحضور مؤتمر حول “التمويل الرقمي”، أدهشني كيف تحسنت حركة المرور من المطار بشكل كبير، في حين ركز الجميع أيضًا على كيف سيكون التحول الرقمي والعدالة الاجتماعية وتغير المناخ أمرًا بالغ الأهمية بالنسبة لمستقبل إندونيسيا.

إن عملية الانتقال التي تنشدها جاكرتا، وهي أحد أكثر التجمعات الحضرية ازدحامًا في العالم، ستتكلف حوالي 33 مليار دولار على مدى 10 سنوات لبناء العاصمة الجديدة في “كاليمانتان”. لكن من المقرر أن يتم إنفاق 40 مليار دولار أخرى على عملية التحول في جاكرتا، إذ إن خُمس المدينة يبدو أقل من مستوى سطح البحر، كما أن بعض المناطق معرضة للغرق بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر وعدم استقرار التربة.

ويشير الواقع إلى أن إندونيسيا تنطلق سريعًا نحو الفضاء الرقمي، لأن معدل نمو مستخدمي الإنترنت فيها يبدو أسرع بثلاث مرات من المتوسط ​​العالمي، كما أن مجتمع مستخدمي الإنترنت فيها يبلغ 56% فقط أو نحو 150 مليونًا من إجمالي سكانها البالغ 268 مليون نسمة. ويدرك الرئيس “جوكو” تمامًا أن “البيانات تمثل نوعًا جديدًا من الثروة للأمة الإندونيسية، فهي الآن تعتبر أكثر قيمة من النفط.

ولكن نظرًا لأن إندونيسيا تعدُّ واحدةً من أكبر الأسواق لجوجل Google وفيسبوك Facebook ويوتيوب Youtube وواتس أب WhatsApp، فإن مفتاح النمو في المستقبل سيكون من خلال الوصول إلى البيانات. وهنا يُثار التساؤل: هل ستتمكن الشركات الإندونيسية والحكومة والشركات الناشئة من الوصول إلى البيانات حتى يتسنى لها المنافسة على قدم المساواة مع الشركات متعددة الجنسيات التي ترغب في دفع ثمن هذه البيانات؟ وإذا تنازلنا كأفراد عن بياناتنا الخاصة إلى الشركات التي تمتلك هذه المنصات، والتي تمثل “دخلاً خاصًا”، فمتى ستصبح هذه البيانات منفعة عامة للنمو؟

إن أحد أسباب التفاؤل بشأن الـ”آسيان”، يرجع إلى أن الاقتصاديات الرقمية في الواقع تبدو أكثر إبداعًا مما توحي به المؤشرات الحالية. فإذا نظرنا إلى مؤشر الابتكار العالمي لعام 2019، فسنجد أن سويسرا تحتل المرتبة الأولى والولايات المتحدة المرتبة الثالثة وسنغافورة في الثامنة، بينما هونغ كونغ والصين واليابان تحتل المراتب 13 و14 و15 على التوالي. ومن ناحية أخرى، تقف ماليزيا في المرتبة 35، وفيتنام 42، وتايلاند 43، والفلبين 54، وخلف لاتفيا 34، وأقرب من الهند التي تقف في المرتبة الـ52.

يتم تقدير هذه النتائج بشكل أساسي بطرق تشبه اختبارات الذكاء الشهيرة، التي كانت تتمحور حول اليورو بشكل أساسي. ففي المجال الرقمي، يوجد الابتكار والقدرة على التقاط الأسواق في إطار معادلة محصلة ضرب السرعة SPEED في النطاق SCOPE والمدى SCALE. وقد كانت الصين قادرة على التنافس مع الولايات المتحدة، وهو ما يرجع إلى حجم سوقها الداخلي الذي يبلغ 800 مليون مستخدم للإنترنت، والبنية التحتية ذات النطاق العريض عالي السرعة المتاحة لديها، وكذلك نطاق الخدمات المختلطة عبر القطاعات المتعددة.

ومن الواضح أنه في دول رابطة أمم جنوب شرق آسيا (الآسيان)، فإن إندونيسيا وفيتنام والفلبين لديها نطاق واسع، كما يبلغ عدد سكان كل منها 100 مليون نسمة. وبالتالي، فإن القوة الحقيقية لرابطة أمم جنوب شرقي آسيا هي الشباب الذين يتمتعون بالفعل بالذكاء الرقمي والانتقال نحو فئات الدخل المتوسطة والعالية. وتحظى هونغ كونغ وسنغافورة بدرجة عالية، ولكن ذلك يرجع إلى زيادة وزن المؤسسات والبنية التحتية وتطور السوق، كما هو متوقع من المدن العالمية. لكن سنغافورة احتلت المرتبة الرابعة والثلاثين فقط من حيث الإنتاج الإبداعي، وجاءت هونغ كونغ في المرتبة الثالثة والثلاثين من حيث مخرجات المعرفة والتكنولوجيا.

وهو ما يرجع على وجه التحديد إلى أن بلدان “الآسيان” لديها درجة عالية من التنوع الثقافي وإمكانية جيدة للوصول إلى المعرفة ذات المستوى العالمي، فضلاً عن موقعها الجغرافي الاستراتيجي، وهو ما يعني أنها بطريقها نحو مستقبل رقمي أكثر تطورًا.

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات 

المصدر: مجلة الدبلوماسية الحديثة

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر