تأثير “كورونا” على السلوك الإنساني | مركز سمت للدراسات

تأثير “كورونا” على السلوك الإنساني

التاريخ والوقت : الأحد, 23 أغسطس 2020

ديانا القحطاني

 

هذا المرض هو فيروس تطور ليتكيف ضد نظام مناعي متقدم.. تطور الفيروسات يبقي الكائنات الحية ذات المناعة، فإذا زاد عدد هذه الكائنات تقلص تأثير الفيروس، وإذا تمكن من القضاء عليها تقلص تأثيره أيضًا وأصبح أضعف نتيجة عدم وجود كائن حي يبقى داخله.. ولعل هذا جزء يشرح دوامة حياة المفترس مع الضحية!

ولكن، ما هو التغيير الذي سيحدثه فيروس كورونا بسلوك الإنسان وأفكاره ومعتقداته؟ يعتمد التغيير الذي سيحدثه فيروس كورونا على مدة بقائه كوباء أو عودته بعد تلاشيه، وعلى حالة الفرد نفسيًا إذا كان يعاني من “رهاب القذارة”، أو “الرهاب المكروبي” الخوف من الجراثيم “germaphobia” الذي يستهلك وقته وتفكيره بالكامل، وعلى سلوك الفرد إن كان يقلد التصرفات السائدة في مجتمعه، أو كان منتجًا وفعالاً ومستقلاً في ذاته. ولعل السلوك والأفكار التي ينتجها العقل الجمعي هنا غالبًا ذات منطلقات غريزية، واستمرار سيطرة العقل الجمعي على الفرد لا يعني جودة منتجاته الفكرية والسلوكية، وإنما بسبب صراع ومقاومة الجماعة للتغيير تلك التي تتعامل بغرائزها عندما تستثار تلك الغرائز، فغريزة البقاء تعني التكيف مع الظروف القادرة على البقاء والاستمرار حتى لو كانت سيئة، حتى لو كان العقل الجمعي يقمع وعي الفرد ويشوه أفكاره وصورة الواقع في ذهنه!.. ويعتمد التغيير أيضًا على عقلية الفرد إن كانت دينية مؤدلجة تفسر كل ما يحدث دينيًا، وتبحث عن علاجه في كتب التراث الديني، ثم إذا فشل العلاج تطبيقيًا يبدأ الفرد بالبحث عن تفسير أيديولوجي رغائبي آخر على قطيعة تامة مع المعرفة العلمية، والذي ما يلبث أن تتهافت ادعاءاته كونها ضرب من مغالطة الاحتكام إلى النتائج! وقد لاحظت أن بعض السلوكيات الطوطمية لإنسان ما قبل التاريخ استمرت مع الإنسان المعاصر كمعتقدات باطنية وتماهت مع معتقداته الحديثة (قد أكتب عنها في موضوع منفصل لاحقًا)، أو يبحث عن تفسير علمي يقرأ نشأة المرض ورحلة تطوره وطرق الوقاية منه والبحث عن لقاح مضاد له..

ولعل الوقاية من المرض تعتمد في جزء منها على تغيير الصينيين سلوكهم الغذائي السيئ الذي أعتقد أنه مرتبط بالمعتقدات الدينية في الصين، فالبوذية والجاينية من الأديان الهندية، والبوذي نباتي لا يستهلك المنتجات الحيوانية، لكن ماذا لو قام الصينيون بتكوين بوذية صينية مثلاً خاصة بهم تحث الفرد الصيني على الاتحاد بالطبيعة وأكل الحيوانات الحية كالإنسان البدائي؟ وهذا ليس بغريب عليهم، فهم عدلوا وغيروا الماركسية وأنتجوا الماوية! وكذلك الطاوية ديانة صينية قديمة نشأت في القرن ٤ ق.م، وهي كالبوذية ذات طابع إنساني وتدعو إلى إيجابية التناغم مع الوجود وحركة الكون، لكن الخوف هنا من المقلد الصيني الحديث الذي يسرق الفكرة ويصنع منها نموذجًا صينيًا مقلدًا يناسب ذوقه وبيئته ومحيطه! ورغم أن هذا افتراض مني لكن حدوثه ممكن جدًا!

بقي أن أقول إن ممارسة العزل الاجتماعي لاحتواء هذا الفيروس والحد من انتشاره، زاد من وحدة الإنسان واغترابه وأنانيته، لكن “فرويد” يعتقد أن هذا السلوك في ابتعاد الفرد عن أمه وأبيه ومحيطه وتمتعه بإرادة حرة وتملكه ذاته يحقق له الكمال العاطفي والنفسي؛ لأن علاقته بالآخرين مجرد وسيلة لتحقيق رغباته! وبعيدًا عن قوانين السوق والوسائل والغايات في العلاقات الاجتماعية لا يوجد أسوأ من سلب الإنسان اختياره الحر، وتقييد نشاطه وإبداعه وفرديته، ثم عجزه في أن يكون الذات التي يريد أن يكون عليها! فاغتراب المرء الحقيقي هو اغترابه عن ذاته، ولو خُيِّرت بين صحتي وحريتي لاخترت حريتي!

 

كاتبة سعودية*

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر