سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
يشكل اعتراف المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية أن توصلهما إلى اتفاق تجارة بينهما قريباً، أمر مستبعد حاضراً، ضربة قاسية لبوريس جونسون.
إذ مثّل، ذلك الاتفاق الجائزة الكبرى التي وعدنا بإنجازها مع زملائه من عتاة المؤيدين للخروج من الاتحاد الأوروبي [بريكست] أثناء الاستفتاء على تلك الخطوة في 2016، وكذلك خلال الفترة التي تلت ذلك.
وتذكيراً، لقد ورد في البرنامج الانتخابي لحزب المحافظين (الحاكم) سنة 2019، أن التوصل لاتفاقات تجارة في حقبة ما بعد “بريكست” “ستبدأ بتوقيع اتفاق كهذا مع الولايات المتحدة، وأستراليا، ونيوزيلندا واليابان”. وخلال توليه وزارة الخارجية في 2017، ادعى جونسون أن “بريطانيا تقف في أول الطابور بغية تحقيق اتفاق تجارة حرة عظيمة مع الولايات المتحدة الأميركية”. لكن، يبدو اليوم أن ما أورده الرئيس السابق باراك أوباما في فترة ما قبل الاستفتاء على ذلك الخروج، قد أغاظ جونسون في حينه، لكنه أصبح واقعاً الآن، أي أن المملكة المتحدة تقف في مؤخرة ذلك الطابور.
واستطراداً، أثمرت المفاوضات التي جرت في عهد (الرئيس السابق) دونالد ترمب، توقيع اتفاقات هامشية لكنها لم تنجح في حل قضايا شائكة كالعلاقات على المستوى الزراعي بين الجانبين. فعلى مدى الأشهر الماضية، راج في أوساط الحي السياسي البريطاني المعروف بـ”وايتهول”، أن المفاوضات مع إدارة بايدن تراوح مكانها، والتوصل لاتفاقات من ذلك النوع ليست أولوية بالنسبة إلى رئيس مثقل بالتعامل مع تحديات محلية كثيرة. وبصورة عامة، تتبع حكومتا جونسون وبايدن نهجين مختلفين بخصوص الملف التجاري. فقد وصلني أن المملكة المتحدة أصيبت بالدهشة لدى مطالبة الولايات المتحدة بأن يشمل الاتفاق فصلاً يشدد على حماية حقوق العمال. وبحسب اعتراف مسؤول بريطاني “علينا حالياً أن نتعلم لغة جديدة”.
واستطراداً، لقد انتهت فترة الصلاحية المعطاة للرئيس بايدن في تسريع المصادقة على أي اتفاق من قِبَل الكونغرس في يوليو (تموز) 2021، ولا يتوقع مسؤولون أميركيون إحراز أي تقدم قبل موعد الانتخابات النصفية الأميركية المتوقعة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022. لذا، لم يتمكن جونسون خلال زيارته الحالية إلى الولايات المتحدة من ضمان التوصل إلى اتفاق تجارة مع واشنطن يتزامن مع حلول موعد الانتخابات العامة البريطانية المقبلة. وكذلك استقتل رئيس الحكومة للتمسك بتغييرات بسيطة كخفض التعرفة الجمركية على الويسكي الاسكتلندي ورفع الحظر عن تصدير اللحم البقري البريطاني (إلى الولايات المتحدة)، بوصفها دليلاً على “تحقيق تقدم كبير” في المجال التجاري.
في المقابل، لم ترد تلك التغييرات في بيان البيت الأبيض الصحافي الذي شرح ما دار خلال اجتماع الرئيس بايدن مدة تسعين دقيقة مع جونسون. لم يحتوِ البيان سوى 158 كلمة، فيما اشتملت النسخة التي نشرها مقر رئاسة الحكومة “10 داونينغ ستريت” 561 كلمة لم تترك أي تفصيل أو قضية من دون ذكرها، بما فيها التمنيات الحالمة بأن الزعيمين توافقا على الاستمرار في العمل من أجل تحقيق مستقبل مملوء باتفاقات تجارة حرة.
فيما يبقى ذلك (التوصل لاتفاق تجاري مع أميركا) هدفاً أساسياً للمملكة المتحدة، تواصل الحكومة سعيها لإخفاء حرجها عبر البحث عن بدائل مختلفة. وتتضمن إحدى تلك الأفكار السعي إلى اقتحام اتفاق التجارة الموجود حاضراً بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، لكن ذلك يظل مستبعداً، لأن عضوية ذلك التكتل التجاري ليست مفتوحة أمام الآخرين. وحتى لو كان ذلك ممكناً، فسيجري الانضمام إليه وفق شروط الدول الأخرى وليس بشروط المملكة المتحدة. وربما يشكل الانضمام إلى “الاتفاق الشامل والتدريجي للشراكة عبر المحيط الهادي” هدفاً أشد واقعية، لكن تحقيق ذلك قد يتطلب سنوات. وفي وقت سابق، سحب ترمب عضوية الولايات المتحدة في ذلك الاتفاق، وبالتالي لا يمكن لعضوية تلك المنظمة أن تشكل باباً خلفياً تستعمله المملكة المتحدة في تحقيق اتفاق تجارة مع الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من تخفيف بايدن أهمية الربط بين التوصل إلى اتفاق تجارة أميركية- بريطانية ومسألة (بروتوكول) إيرلندا الشمالية، فإنه أرسل إشارات واضحة جداً تحذّر جونسون من إلغاء البروتوكول الخاص بإيرلندا الشمالية، الذي صمم بهدف منع ظهور حدود برية وجمركية على الجزيرة الإيرلندية، فيما تسعى لندن إلى إعادة كتابة الاتفاق بعد مجرد تسعة أشهر من دخوله حيز التنفيذ. ومن شأن تعليق العمل بالبروتوكول أن يتسبب في خلاف عميق مع بايدن، ما لا طاقة لجونسون بتحمل تكاليفه.
وفي مقلب آخر، امتلك رئيس الوزراء بعض الأخبار الجيدة التي بثها خلال رحلته إلى نيويورك وواشنطن. فمن وجهة نظر جونسون، يعتبر تحقيقه “فوزاً”، عبر إعلان الرئيس بايدن مضاعفة التمويل المالي الأميركي المتاح أمام الدول النامية في التعامل مع الحد من التغيرات المناخية، مكوناً أساسياً في عقد قمة المناخ المقبلة “كوب 26” Cop26 في غلاسكو الاسكتلندية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، بالإضافة بالطبع إلى رفع حظر السفر عن البريطانيين. وقد اتُّخِذت تلك القرارات خدمة لمصالح الولايات المتحدة. إن إعلان رفع حظر السفر الذي لم يتوقع جونسون صدوره بتلك السرعة، وقد غطى المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، شكل أيضاً محاولة (أميركية) هدفها إصلاح العلاقات التي تأثرت بسبب الانسحاب الأميركي الفوضوي من أفغانستان.
واستكمالاً، يصلح ذلك الفصل الكارثي كتذكير بأنه على الرغم من الكلمات الدافئة التي نطق بها الزعيمان خلال لقائهما، يمكن اعتبار أن العلاقات الأميركية البريطانية تنظم إيقاعها وفق شروط بايدن. ومن حسن حظ جونسون أن تداعيات الحوادث في كابول لم تسيطر على كامل النقاشات في البيت الأبيض. وعلى الرغم من الغضب الكبير الذي عبّر عنه وزراء بريطانيون حيال قرارات بايدن، وغياب المشاورات مع حلفاء أميركا، أثنى جونسون على عمليات الإجلاء الأميركية، مفضلاً عدم استرجاع الماضي بشكل غاضب وناقد.
ومن حظ جونسون أيضاً أن الإعلان في الأسبوع الماضي عن الحلف الدفاعي بين الولايات المتحدة وأستراليا والمملكة المتحدة المعروف بــ”أوكوس” Aukus، أتاح نقل الأضواء والتركيز بعيداً من أفغانستان.
وجاء ذلك بمثابة دليل أول ملموس على ظهور “بريطانيا العالمية” وانتقال التركيز فعلاً إلى ملفات منطقة المحيطين الهندي والهادي، التي اشتملت عليها مراجعة السياسات الخارجية والدفاعية البريطانية في مارس الماضي، وأن ذلك لم يكن مجرد تصريحات فارغة.
في المقابل، أدى اتفاق “أوكوس” الدفاعي إلى نفور فرنسا، الحليف الطبيعي للمملكة المتحدة في الشؤون الأمنية. ويعتبر ذلك خطوة أخرى تبعد المملكة المتحدة عن التعاون المنطقي مع جيرانها الأوروبيين. بات بيض جونسون كله مستثمراً الآن في سلة بايدن، وأضحى جونسون تابعاً لا يملك سوى القليل من النفوذ، على الرغم مما كشفته حوادث أفغانستان الأخيرة بشأن المخاطر الكبيرة جداً المترتبة على مثل تلك الاستراتيجية.
المصدر: independentarabia
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر