بعد مقتل البغدادي.. هل تصبح إفريقيا ملاذًا للجماعات الإرهابية؟ | مركز سمت للدراسات

بعد مقتل البغدادي.. هل تصبح إفريقيا ملاذًا للجماعات الإرهابية؟

التاريخ والوقت : السبت, 21 ديسمبر 2019

عقب تعرض تنظيم”داعش”لخسارات عسكرية فادحة والقضاء على العديد من عناصره ودحرهم في الأراضي السورية والعراقية، حلت كارثة أخرى بأركان التنظيم وهي مقتل أبي بكر البغدادي بغارة جوية أميركية في إحدى قرى إدلب السورية. فبعد مرور خمسة أعوام على إعلان أبي بكر البغدادي خليفة للمسلمين من الجامع الكبير في الموصل، تمَّ الإعلان عن مصرع الإرهابي الأول المطلوب في العالم، وهو ما مثل انتكاسة كبيرة للتنظيم.

وفاة البغدادي لا شك أنها تمثل خسارة فادحة لتنظيم “داعش”، فقد حرمته من ميزة الخلافة وجعل الجماعة تفقد قائدها الأعلى، فالبغدادي كان المهندس المعماري لصعود “داعش”في العراق وسوريا.

 مؤشرات عدة تنبئ بأن تنظيم “داعش” قد يعمل على تعزيز وجوده في أراضٍ جديدة تتسم بالهشاشة الأمنية، ولعل من أبرزها القارة الإفريقية، والشواهد على ذلك عديدة. ففي مارس 2015 أعلن تنظيم “بوكو حرام” في شمال نيجيريا مبايعته لتنظيم “داعش” وتحول اسم التنظيم إلى ولاية غرب إفريقيا. أمَّا في الصومال، فقد أسس التنظيم ولاية الصومال بقيادة عبدالقادر مؤمن، في أكتوبر 2015م عبر انشقاق عدد من المنتمين لحركة الشباب المجاهدين وإعلان مبايعتهم للبغدادي، بيد أن تقديرات الخبراء تشير إلى أنه ثمة حوالي 6000 من مقاتلي تنظيم “داعش” (أو خلايا تدين بالولاء للتنظيم) في إفريقيا(1).

مقتل البغدادي وتأثيره على التنظيم 

يبدو أن مقتل زعيم تنظيم “داعش” أبي بكر البغدادي – رغم أهميته– فإنه من المتوقع ألا يوقف خطر الهجمات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط وأنحاء أخرى من العالم بشكل قاطع. فكما ذكرنا آنفًا، فإن التنظيم سوف يبحث عن حواضن أخرى لأفكاره، ومسارح أخرى لتنفيذ هجماته واستعراض قوات مقاتليه، فحتى لو واجه التنظيم الإرهابي صعوبات في المرحلة الانتقالية بعد مقتل زعيمه، فمن الواضح أن الأفكار الأساسية والكراهية التي روج لها لا تزال تجد صدى لدى كثيرين.

 مؤشرات أخرى تمكننا من التنبؤ أن تسمية خليفة للبغدادي (وهو أبو إبراهيم القرشي) من المحتمل أن يجعل الأمور مختلفة بعض الشيء. فبطبيعة الحال، فإن الزعيم الجديد سيحاول العمل على إعادة الصفوف لقوى التنظيم بالاعتماد على متطوعين جدد وأراضٍ جديدة، وكذلك على المقاتلين الذين هربوا من سجون سوريا. ومن المتوقع أيضًا أن يقوم بإعطاء الأوامر لشن سلسلة هجمات ثأرية لمقتل البغدادي.(2)

سيناريو آخر لمصير التنظيم، ينبئ بأن قتل البغدادي سيؤدي إلى خلخلة وربَّما تفكك الهيكل القيادي للتنظيم بسبب نشوء خلافات بين كبار القيادات وغياب الثقة بين أعضائه الذين اضطروا للجوء إلى العمل السري عند انهيار دولة “داعش”، إذ يبدو أن العملية الأميركية النوعية، التي قتل فيها البغدادي، أدَّت إلى انهيار معنويات أتباع التنظيم وتشتّتهم؛ بل ودخولهم في خلافات وصراعات تعزّز الانقسام، وهو ما تؤيده مصادر أمنية عراقية على دراية بالتنظيم.(3)

“داعش” في إفريقيا 

يبدو أن التنظيمات المتطرفة لا تنهار للأسف بفقدان زعمائها، إذ تصاب بنوع من الخيبة لوقت معين، لكن ما تلبث أن تعيد ترتيب أوراقها. وهنا يمكننا الاستدلال بتنظيم القاعدة الذي لم ينتهِ بوفاة زعيمه أسامة بن لادن، بل ما زالت خلاياه نشطة في أكثر من منطقة(4)، وبمقتل البغدادي فإن تنظيم “داعش” قد يعمل على تعزيز وجوده في أراضٍ جديدة تتسم بالهشاشة الأمنية، ولعل من أبرزها القارة الإفريقية. فالقارة تعج بالصراعات المسلحة والهشاشة الأمنية،بيد أنالتطرف في إفريقيا قد تناسل على وقع الخلافات والانشقاقات، وتنامى في داخل التنظيمات الإرهابية بفعل الخلافات على الزعامة واستراتيجية التمدد في القارة، فتحول التنظيم إلى تنظيمات، والجماعة إلى جماعات لكل منها حساباتها، بيد أن صراعات أفرع القاعدة و”داعش” في إفريقيا أصبحت على مناطق النفوذ حيث تلتقي هذه الجماعات في الأسلوب الدموي ذاته وتتصارع فيما بينها على المصالح والنفوذ والزعامة.

والعديد من الجماعات المتطرفة في إفريقيا باتت تدعم “داعش” وتمثل جزءًا منه، ومن أبرزها “بوكو حرام” في نيجيريا، فضلاً عن وجود عناصر له في الصومال، بالإضافة إلى وجود العديد من عناصر التنظيم في ليبيا، وهو ما ينبئ باتساع رقعة التنظيم في إفريقيا التي من الممكن أن يرى التنظيم فيها ملاذًا آمنًا له بعد مقتل زعيمه.

 سيناء.. ووجود محكوم
*أنصار بيت المقدس هي مجموعة متمردة، مقرها سيناء بمصر، أعلنت عن نفسها كجناح للقاعدة في سيناء في نوفمبر 2014 (والتي ستصبح فيما بعد تابعة لتنظيم داعش في سيناء).

*  في يوليو 2014م، حولت أنصار بيت المقدس تركيزها إلى مهاجمة قوات الأمن والجيش المصرية. وبايعت تنظيم “داعش” في نوفمبر 2014م، وتمَّ قبول بيعتها بعد ثلاثة أيام فقط.منذ ذلك الحين شن التنظيم في سيناء العديد من الهجمات أبرزها إسقاط طائرة نقل المسافرين الروسية في شهر أكتوبر 2015، التي أودت بحياة الركاب جميعًا، إلا أن هجمات الجيش المصري ضد الجماعة ساهمت بشكل كبير في الحد من هجماتها.

 ليبيا.. الولاية الأهم

* يبدو أن ليبيا قد نالت اهتمامًا خاصًا من قبل تنظيم “داعش” مقارنة ببقية ولاياته في إفريقيا، إذ صورتها الاتصالات والرسائل الصادرة عن التنظيم بأنها أهم ولاية تابعة لداعش خارج حدود سوريا والعراق.

 *المتابع للأمر سيجد أنه بدءًا من عام 2014، عاد بعض الليبيين الذين انحازوا إلى “داعش” في سوريا إلى بلادهم لتأسيس خلايا للتنظيم وتجنيد مزيد من العناصر. إلا أنه يبدو أن التنظيم لم يكتفِ بذلك، بل عمد إلى إرسال قادة كبار إلى ليبيا لتأسيس فروع هناك وأخذ مبايعات من جماعات إسلامية ليبية. كما نجح عناصر”داعش” في إقامة موطئ قدم لهم على الساحل الليبي بالسيطرة على مدينة سرت وجعلوها بمثابة “عاصمة” أقاموا فيها محاكم ونفذوا قربها إعدامات جماعية.

*  التنظيم استطاع أيضًا إقامة مواقع له في أكثر من منطقة ليبية، وأعلن قيام ثلاث “ولايات” تحاكي التقسيم التاريخي للبلاد: ولاية برقة (الشرق)، وولاية فزان (الجنوب)، وولاية طرابلس.

* في غرب ليبيا.. حاول “داعش” توسيع نطاق عمله خارج سرت، وأنشأ قاعدة كبيرة له قرب مدينةصبراتة،التحق بها عشرات التونسيين الذين كانوا يتدفقون للتدرب في ليبيا قبل العودة إلى بلادهم(5).

*بتحليل تلك المؤشرات، تتضح الخشية من أن تصبح ليبيا واحدة من أكثر الوجهات شعبية للمقاتلين الفارين من الهزيمة في سوريا والعراق، وخاصة بعد مقتل البغدادي.

بوكو حرام وداعش.. ومبايعة مقبولة 

*في مارس 2015 أعلن زعيم “بوكو حرام” أبو بكر شيخو (شيكاو) مبايعة البغدادي زعيم تنظيم “داعش” الذي رد بقبولها، موسعًا بذلك نشاط “داعش” في واحدة من أهم الدول الإفريقية، إلا أن العلاقة بين الطرفين سرعان ما تدهورت.

* في أغسطس 2016 أعلن داعش تعيين أبي مصعب البرناوي زعيمًا جديدًا لفرعه في نيجيريا الذي نشأ على أنقاض “بوكو حرام” تحت مسمى “ولاية غرب إفريقيا”.

*  الفرع النيجيري لتنظيم “داعش” بات يسعى إلى ترسيخ أقدامه في المنطقة من خلال الهجمات والتفجيرات والإعدامات، فضلاً عن اعتداءات دموية على القوات الحكومية، مستغلاً الاضطرابات الأمنية.(6)

الصومال والقرن الإفريقي.. الأرض الواعدة للتنظيم  

* في أكتوبر 2015 أعلن- العضو السابق في حركة الشباب المجاهدين -عبدالقادر مؤمن، البيعة والولاء لتنظيم “داعش” بقيادة أبي بكر البغدادي. وعلى الرغم من أن البيعة لم يتم الاعتراف بها رسميًا، فإن فرع تنظيم “داعش” في الصومال زاد من وتيرته التشغيلية خلال عام 2018م. فقد زعم أنه نفذ 67 هجومًا ابتداء من يوليو 2018م، رغم أنه ما زال لا يملك القدرة على تحدي حركة الشباب المجاهدين.

* بعد مقتل أبي بكر البغدادي، سارع فرع “داعش” في الصومال بالتعهّد بالولاء للأمير الجديد للتنظيم، وهو ما اتضح من خلال نشره صورًا على موقع “تليغرام”لحوالي عشرة مقاتلين يقفون وسط الأشجار، مع صوت مسجّل يقول إنّهم تعهدوا بالولاء لخليفة البغداديأبي إبراهيم الهاشمي القرشي.

* على خلاف الأحوالالسيئة التي يعيشها التنظيم في معقله الأساس، إلا أنه يسعى للتمدّد في منطقة القرن الإفريقي التي يراها بمثابة منطقة واعدة؛ حيث يحافظ على مواقعه في الصومال رغم الضربات الأميركية، كما يسعى إلى إيجاد موطئ قدم له في دول الجوار، خاصة إثيوبيا.

*بعض وسائل الإعلام الإثيوبية قد نقلت من قبل أن السلطات الإثيوبية اعتقلت أعضاء تابعين لتنظيم “داعش” فرع الصومال، عندما كانوا يعملون على تجنيد إثيوبيين، وهو دليل واضح على أن منطقة القرن الإفريقي قد تتعرض لعمليات عنف جديدة.

*بالنظر إلى كلّ هذه المتغيرات، فإنّ تنظيم “داعش” في الصومال يعمل على توسيع رقعته الجغرافية، ولا يبدو أنه يتأثر كثيرًا بالعمليات العسكرية الأميركية، وفي حال تمدّده إلى إثيوبيا، أو حدوث عمليات هجرة واسعة من معاقل “داعش” في الخارج بعد مقتل البغدادي، فإن المشهد برمّته في المنطقة مرشّح لمزيد من التعقيد.(7)

نقاط هامة ونتائج 

لا شك أن مقتل البغدادي سيدفع بالتنظيم للبحث عن حواضن أخرى ومسارح جديدة لاستعراض قوته، ويبدو أن إفريقيا تشكل للتنظيم أرضًا واعدة وبيئة حاضنة لتفريخ عناصره، وذلك لوجود العديد من الصراعات والجماعات الجهادية التي أعلنت ولاءها للتنظيم. بيد أنه هناك عدة نقاط يجب أخذها في الاعتبار.

 *مقتل قيادة التنظيم لا يعني بالضرورة انتهاؤه كهيكل أو أفكار، فالتنظيم قبل أن يتمدد مناطقيًا تمكن من أن يتمدد أيديولوجيًا في العديد من المناطق الأخرى في العالم، ونجح في تشكيل مجموعات نظامية في تلك المناطق تتبع التنظيم هيكليًا وإدرايًا. وذلك ما ذكرناه حول جماعة “بوكو حرام” في نيجيريا.

 *التنظيم نشأ في منطقة يغلب عليها سمات الطائفية والفقر والصراعات وغياب جهود التنمية، وفي ظل استمرارية هذه الظروف، فإن الأفكار المتشددة قادرة على التوافق مع تغير الظروف، والقارة الإفريقية ليست ببعيدة عن تلك الظروف وهو ما يجعلها ملاذًا لعناصر التنظيم.(8)

* إذا امتد نفوذ تنظيم “داعش” في إفريقيا، وخاصة أنه يعمل على توسيع رقعته الجغرافية، أو حدوث عمليات هجرة واسعة من معاقل “داعش” في سوريا والعراق، وخاصة بعد مقتل البغدادي وتعرض التنظيم للعديد من الهزائم، فإنّ المشهد برمّته في المنطقة مرشّح لمزيد من التعقيد.

وحدة الدراسات السياسية*

المراجع 

1- مستقبل الإرهاب العالمي بعد مقتل البغدادي، التغيير برس.

2- ما مصير داعش بعد البغدادي؟.. خبراء يجيبون على سؤال الساعة، سكاي نيوز عربية.

3-ملامح مستقبل”داعش”في الصومال بعد مقتل البغدادي، حفريات.

4-مصير”داعش”بعد مقتل البغدادي والانسحاب الأميركي من سوريا؟  دويتش فيله.

5- “داعش” يكرر تجربة “القاعدة”… ماذا يحصل للفروع حين يموت “التنظيم الأم”؟ الشرق الأوسط.

6-إرهاب داعش وبوكو حرام يغرق نيجيريا في حمام دم، ميدل إيست أونلاين.

7- مرجع سابق.

8- تشابك المسارات.. هل انتهى داعش بمقتل البغدادي؟ المركز العربي للبحوث والدراسات.

 

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر