سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
أشوكا مودي
حمل التصويت على خروج بريطانيا والمعروف بـ”بريكسيت”، وكذا الأصوات الاحتجاجية في الدول الغربية التي أعقبتها، رسالة مفادها أنه إذا كان المواطنون لا يشعرون بالأمان في أوطانهم، فإنهم سيرفضون تعهداتهم والتزاماتهم الدولية.
وفي الذكرى السنوية الثانية للتصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ينخرط المسؤولون الأوروبيون في نقاش واسع حول شروط ذلك الخروج.
فقد أُثيرت العديد من المشكلات الشائكة التي ترتبط بمصير الحدود الجمركية بين بريطانيا وإيرلندا الشمالية. غير أن التركيز السياسي والإعلامي على الاتفاق الراهن، يشهد إهمالاً جسيمًا، فقد تمَّ حجب الرسالة الحقيقية للناخبين البريطانيين؛ إذ كان التصويت لصالح الخروج (Brexit) بمنزلة صرخة من أجل فرصة أكبر من أولئك الذين يشعرون بأنهم كالأطفال التائهين الغارقين في الحياة التي تعاني من الأمل المحدود.
فعملية “الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي” أشبه بالصفقة المكتملة وفقًا للمعايير الدقيقة لمثل تلك الأوضاع، لكنها تنطوي على تأثير محدود في الأجل القصير فيما يتعلق بالأداء الاقتصادي للمملكة المتحدة.
لكن الواقع ينطوي على إشكاليات مثيرة للجدل، فمن المتوقع أن تشهد بريطانيا قدرًا واضحًا من ذلك الجدل الذي سيستمر ــ على الأقل ــ حتى تقوم الشركات البريطانية بإعادة توجيه استثماراتها، بعيدًا عن الاتحاد الأوروبي، نحو الاقتصادات الآسيوية الناشئة، وكذا الأسواق الآسيوية الأكثر ديناميكية؛ فالتراجع المتوقع في حجم التجارة الدولية، من شأنه أن يحدَّ من الرفاهية الاقتصادية العامة في بريطانيا. لكن، كما يؤكد “داني رودريك”، الباحث الاقتصادي في جامعة هارفارد، فإن الرفاهية الاقتصادية للمواطنين لا تتراجع إلا بزيادة عدد البلدان ذات العلاقات التجارية الواسعة، أو حتى تقلل من حجم تجارتها الدولية.
إن تقديرات التكاليف المالية الضخمة جدًا لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تعتمد اعتمادًا كبيرًا على افتراض غير منطقي إلى حدٍ بعيدٍ بأن الإنتاجية البريطانية ستنخفض بشكل دائم.
صحيح أن معدل النمو الاقتصادي للمملكة يتراجع بين الاقتصادات المتقدمة منذ التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكن هذا النمو المتباطئ يفسر بدرجة كبيرة جدًا سبب التقشف المالي الذي تتبعه حكومة رئيسة الوزراء “تيريزا ماي”، في حين أن الدول الأخرى لديها سياسة مالية توسعية أو محايدة على الأقل.
لقد كان هناك الكثير من الجدل حول انخفاض قيمة الجنية الاسترليني نتيجة التصويت على “بريكسيت”؛ ذلك أنه عادة ما يؤدي انخفاض قيمة العملة إلى جعل المواطنين أكثر فقرًا؛ فهم يدفعون أكثر مقابل المنتجات الأجنبية ويحصلون على أسعار منخفضة لصادراتهم، لكن المملكة المتحدة كانت تدير عجزًا كبيرًا، بل ومتزايدًا في الحسابات الجارية.
وبكل بساطة، فإن المملكة المتحدة لم تكن أكثر ثراءً، إذ كانت تعيش خارج إمكانياتها، ذلك أن عجز الحساب الجاري المطول من شأنه أن يؤدي في نهاية المطاف إلى انخفاض حاد في سعر صرف العملة البريطانية؛ وعلى ذلك، فإنه من المتوقع أن يحدث مزيد من التراجع في سعر الصرف. وفي الوقت الحالي، فإن انخفاض الأسعار سيساعد على تضييق العجز، وعلى وجه الخصوص عن طريق جعل الصادرات البريطانية أقل تكلفة بالنسبة للشركاء التجاريين، وتحفيز الطلب على السلع البريطانية، وكذلك جعل الواردات أغلى بالنسبة للمستهلكين البريطانيين، ومن ثَمَّ، فإن نمو الاقتصاد البريطاني يبدو على وتيرة متسارعة.
وعلاوة على ذلك، فإن انخفاض قيمة الجنيه يعكس انخفاضًا مفاجئًا في “تدفقات الأموال السائلة” للمملكة المتحدة؛ لأن هذه الصناديق الأجنبية كانت تُستخدم من قِبل الأقلية الروس والمليارديرات الهنود من أجل رفع أسعار العقارات في لندن؛ فبعد قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تباطأ معدل الارتفاع في أسعار العقارات في لندن بشكل ملحوظ، كما انخفضت الأسعار في الآونة الأخيرة، وبالتالي، فإن “بريكسيت” كان له العديد من الآثار الاقتصادية المفيدة.
ولمَّا كانت التكاليف التجارية المتواضعة لعملية الخروج من الاتحاد الأوروبي، يتم تعويضها جزئيًا على الأقل عن طريق عدد من التطورات الإيجابية، فمن الأهمية بمكان، إدراك ما هو على المحك فعلاً. فالتصويت على الخروج عكس بصورة واضحة قلق هؤلاء الذين يشعرون بأن آمالهم في رفع مستوى الدخل تتلاشى. ففي خطابها بأكتوبر 2016 أمام مؤتمر حزب المحافظين في برمنغهام، بدت “تيريزا ماي” تدرك أن التصويت كان أشبه بصرخة مطالبة من أجل مزيد من الفرص والإنصاف. لكن يبدو أنها فقدت مسار هذه الرؤية.
ويُلاحظ في هذا الصدد أن من صوتوا لصالح عملية الخروج، كانوا من العمال ذوي المهارات المتواضعة الذين كانوا يعملون في وظائف متفرقة، أو حتى العاطلين عن العمل بمناطق ما يُعرف بـ”حزام الصدأ” في بريطانيا. وكما كتب رئيس الوزراء البريطاني الأسبق “غوردون براون” في الأيام التي أعقبت الاستفتاء على “بريكسيت”، فإن تلك الفئة من العاملين غير قادرة على مواجهة المنافسة الآسيوية؛ إذ “انهارت الصناعات التحويلية في بريطانيا”، وكذا تأثرت المدن الصناعية البريطانية، وتُرِكَ العمال شبه المهرة في الجانب الخطأ من العولمة. لكن أولئك الموجودين في “حزام الصدأ” كان لديهم سبب أعمق للقلق، فقد كانوا يُورِّثون التعليم السيئ وفرص العمل المتواضعة لأبنائهم الذين يشعرون بالعجز عن توفير فرص أفضل من المعيشة.
ولهذا، فقد صوَّت الكثير من الآباء لصالح عملية الخروج، مقارنة بالشباب الذين كانوا ضد الانخراط في منظومة الاتحاد الأوروبي. كذلك لا يمكننا أن نغفل أصوات العاطلين عن العمل في مناطق الحضر التي تعاني من اختلال اجتماعي واضح. فعلى سبيل المثال، نجد أنه نسبة الإقبال على التصويت في لندن بلغت 79% بمدينة “كنغستون” التي تُعدُّ منطقة غنية على نهر التايمز، لكن في منطقة مثل “هاكني” وصلت نسبة التصويت إلى 65%، ولا تزال هناك مناطق كبيرة تعاني من الفقر المُدقع، فضلاً عن الشعور بالاغتراب بين أبنائها. وهذا ما يفسر عدم الإقبال على التصويت في المناطق الحضرية في ظل سيادة الشعور بانعدام الأمل، في حين تزايد الإقبال على التصويت الداعم للخروج بين سكان المناطق الواقعة فيما يعرف بـ”حزام الصدأ”.
لقد كانت القراءة المبكرة لـ”تيريزا ماي” صائبة إلى حدٍّ ما؛ فقد كان المواطنون البريطانيون يدافعون حقًا عن التصويت، بقدر ما كانوا يصوتون أيضًا للدفاع عن الحصول على فرصة جيدة في المستقبل. إنهم كانوا يطالبون – على وجه السرعة – القادة البريطانيين بإعادة إحياء المناطق الصناعية المتدهورة وإحياء الأمل في المناطق الحضرية ذات الأوضاع المتردية التي كانوا يشعرون فيها بأنهم محاصرون.
لقد كان التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وكذا الدعوات الاحتجاجية الشبيهة في العديد من المدن الأوروبية الأخرى – آنذاك – رسالة بدت واضحة للجميع، ومفادها أن المواطنين لا يشعرون بالأمان في أوطانهم؛ لذا، فمن الطبيعي أن تتجه أصواتهم نحو التخلي عن الالتزامات الدولية، ومن ثَمَّ، فقد ضاعت هذه الرسالة المهمة وسط مفاوضات عملية “بريكسيت Brexit”. وحتى يتم الإنصات إلى تلك الرسالة، فإنها ستلاحق الجميع بشكل متكرر.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: صحيفة الإندبندنت البريطانية
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر