سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
مانوج جوشي
أصدر الرئيس الأميركي “جو بايدن” وثيقة من ثلاث مقترحات متشابكة تشمل “التوجيه الاستراتيجي المؤقت للأمن القومي ” وهي:
أولًا: “الاقتراح الأساسي” تحتاج الولايات المتحدة للتركيز على تجديد نفسها اقتصاديًا وسياسيًا لإشراك العالم.
ثانيًا: يجب أن تفعل ذلك “في قضية مشتركة” مع حلفاء أميركا وشركائها، والمعنى الخفي هنا هو أهمية تعزيز الديمقراطية، لأن المنافسة تقع بين الولايات المتحدة ومنافس استبدادي.
ثالثًا: إنّ مستقبل العالم يعتمد على نتائج المنافسة التكنولوجية الحالية المتمثلة في الذكاء الاصطناعي، والتي يمكن أن تقلِب التوازنات العسكرية والاقتصادية في كل العالم.
الأمر أشبه بالولايات المتحدة في خمسينيات القرن الماضي حينَ كانت تدرك أهمية “تعطيل التهديدات قبل الوصول إلى شواطئها” فكانت تستثمِر في التنمية الاقتصادية للبلدان الأخرى لإنتاج أسواق جديدة للسلع الأميركية، وتقليل احتمالية عدم الاستقرار، كما تُدرك أميركا أن استثمار الأموال الفيدرالية في العلوم والتكنولوجيا والابتكار يعزز من تميزها الدائم وقدرتها التنافسية، وتدرك أميركا أهمية الترحيب بالمُهاجِرين الذين يلعبونَ دورًا مهمًا في تطورها العلمي والتكنولوجي.
سيتم إصدار هذه الوثائق دوريًا بحضور جميع الإدارات في حكومة الولايات المتحدة على نفس الصفحة، وعَبْر هذا “التوجيه المؤقت”، وضع “بايدن” فَهم الإدارة الجديدة للمشهد العالمي وحدد أولويّاتها، وقد جاء هذا الأمر في الوقت المناسب، وستتبعه استراتيجية أكثر تفصيلاً للأمن القومي، حيث كان آخر إصدار لها في ديسمبر 2017م وهي استراتيجية الأمن القومي للرئيس السابق “ترمب” والتي كانت أول من ابتعد عن السياسة الاستراتيجية التشاركية مع الصين واتجهت إلى الاستراتيجية التنافسية معها، كما وصفت استراتيجية “ترمب” الصين وروسيا بأنهما “قوى مراجعة.
“يُمكِن الاعتبار أن محور الوثيقة المكونة من 24 صفحة هو “الصين الحازمة بشكل متزايد”، فالصين كما تقول الوثيقة: “هي المنافس الوحيد المُحتَمَل القادر على جمع قوته الاقتصادية، والدبلوماسية، والعسكرية، والتكنولوجية وتشكيل تحدٍ مستدام للنظام الدولي المستقر والمنفتح”.
حيث بدا أن “استراتيجية ترمب للأمن القومي” كانت تمنح روسيا فواتيرًا متساوية كشرّير ، يرى “توجيه بايدن” أن دورها الثانوي قادر على لعب “دور تخريبي على المسرح العالمي”.
ويلي ذلك حسب إدراج ترتيب الأولويات تهديدات كوريا الشمالية وإيران المتمثلة في السعي وراء “قُدرات وتقنيات تغيير اللُعبة”، وهما دولتان يمكن أن تؤدي إدارتهما الهشة لعدم الاستقرار والإرهاب والتطرف العنيف.
“توجيه بايدن” يؤكد تحويل وجود الولايات المتحدة بعيدًا عن الشرق الأوسط إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ، كمـا يتضمن أهمية الحفاظ على وجود “قوي” في أوروبا أيضًا.
والأهم من ذلك، وفي سياق سياسة “ترمب”، تعهد بايدن بشكلٍ لا لبس فيه “بالدفاع عن حلفائنا” دبلوماسيًا وعسكريًا، وأعلن أن الولايات المتحدة ستدعم تايوان كـ”ديمقراطية رائدة وشريك اقتصادي وأمني مُهم، بما يتماشى مع الالتزامات الأميركية طويلة الأمد”.
وفي تغيير حاد عن سلفه، تعهد “بايدن” بـ “تنشيط وتحديث” التحالفات بدءًا من حلف شمال الأطلسي، وأستراليا واليابان وجمهورية كوريا، وهي ما يمثل “أعظم الأصول الاستراتيجية لأميركا”. وأضاف أن “القيم والمصالح” الأميركية تفرض “اتصال أعمق مع المحيطين الهندي والهادئ وأوروبا ونصف الكُرة الغربي” وتَماشيًا مع ذلك، ستعمل الولايات المتحدة على ترسيخ شراكتها مع الهند والعمل جنبًا إلى جنب مع نيوزيلندا، وكذلك سنغافورة وفيتنام والدول الأعضاء في “آسيان”.
من أهم ما جاء في “التوجيه المُؤقت” تأكيده أن السياسة الأميركية ستعمل على استرجاع “موقع القيادة الأميركية في المؤسسات الدولية”، وقد أشارت الإدارة إلى ذلك من خلال عودتها السريعة لدعم “اتفاقية باريس لتغير المناخ” كما تعهدت بلعب دور قيادي في إصلاح وتقوية منظمة الصحة العالمية، لكن حتى الآن لا يوجد التزام تجاه الانضمام إلى برنامج مناهضة التعذيب، فالولايات المتحدة ليست شريكًا في عملية التعاون الاقتصادي الإقليمي الشامل، التي تشمل الصين.
يُلقي “قسم الدفاع” في الوثيقة ملاحظة واقعية تُعلِن أنّ الولايات المتحدة لا ينبغي لها ولن تشارك في”حروب أبدية”، حيث أنها كانت عاملًا رئيسيًا في الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي عصفت بالولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، وفيما يتعلق بأفغانستان، أشار “بايدن” إلى أنّ الولايات المتحدة بالإضافة إلى أنها ستعمل على إنهاء الحرب هناك، فإنها ستضمن أيضًا ألا تَعود مرة أخرى “ملاذًا آمنًا للإرهابيين”.
لكن الوثيقة كانت واضحة في أن الولايات المتحدة لن تتردد في استخدام القوة عند الحاجة، قراءة الوثيقة توضح أن الكوارث الأميركية في العراق وأفغانستان تركت بصمتها في أذهان صانعي القرار في السياسة الأميركية.
يدرك “بايدن” وفريقه أن مفتاح الأجندة العالمية الموسعة يكمن في “اقتصاد وطني ديناميكي وشامل ومبتكر”، هنا يتضح أن الأولوية هي مواجهة عواقب وباء “كوفيد-19” المستمر، وتمثّلت إحدى نتائج ذلك في أهمية مرونة سلسلة توريدات الأمن الصحي داخل الولايات المتحدة، بجانب الحاجة إلى استثمار الأموال في البحث والتطوير في مجال التقنيات الناشئة.
هناك نهج خفي لشعار “أميركا أولاً” في إدارة “بايدن”، وهو نهج فرض نفسه بعد تجربة الاضطرابات في المدن الأميركية في السنوات الأخيرة.
أكد وزير الخارجية الأميركي “أنتوني بلينكين” في أول خطاب رئيسي له والذي ألقاه قبل ساعات من إصدار وثيقة “التوجيه المؤقت” أن سياسة “بايدن” لا تعمل على إعادة فترة ثالثة لأوباما، حيث قال: “نحن لا نكمل من حيث توقفنا، إننا ننظر للعالم بعيون جديدة”، كما أضاف أنه في الماضي لم يكن محترفو صناع السياسة الخارجية الأميركيين مرتبطين بشكل فعال يُراعي تطلعات الشعب الأميركي، لهذا السبب ستركز السياسة الخارجية لفريق “بايدن” على أهمية الإجابة على السُؤال المُتعلِّق بما تَعنيه السياسة الخارجية للعمال والعائلات الأميركية، وما الذي يتعين علينا القيام به في جميع أنحاء العالم ليجعلنا أقوى هنا في الوطن؟ والأهم أن هذا من شأنه إعادة النظر في الحديث القديم عن “التجارة الحرة”، والذي لم نفعل في الماضي ما يكفي لفهمه.
وتشير وثيقة “التوجيه المؤقت” أيضًا إلى أن التّجارة الأميركية والسياسات الاقتصادية الدولية “يجب أن تخدم جميع الأميركيين، وليس فقط القلة المتميزة”.
حتى أثناء إلقاء الخطب وإصدار التوجيهات، لم يقم “بايدن” بالنظر تحت قدميه، دعا البيت الأبيض بالفعل الى عقد قمة افتراضية رباعية لزعماء دول اليابان والهند واستراليا في وقت لاحق من الشهر الجاري، بايدن يسعى إلى تأكيد التزامه باستراتيجية المحيطين الهندي والهادئ واستخدام الشراكات والتحالفات لمواجهة نفوذ الصين، وفي 18 فبراير المنصرم عقد “بلينكين” قمة افتراضية مع نظرائه الأربعة.
برزت اول ثمار هذه الرباعية في أول محادثة هاتفية بين “بايدن” ورئيس الوزراء الهندي “مودي”، وأشارت قراءة البيت الأبيض لهذه المحادثة إلى أن “القادة اتفقوا على مواصلة التعاون الوثيق لتعزيز الحرية والانفتاح في المحيطين الهندي والهادئ، بما في ذلك دعم حرية الملاحة، والسلامة الإقليمية، وفرض نظام إقليمي أقوى من خلال هذه الرباعية”، وفي ذات السياق، غرَّد “مودي” قائلا: “أنا وبايدن كنا ملتزمين بنظام دولي قائم على قواعد تعزيز الشراكة الاستراتيجية لتعزيز السلام والأمن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وخارجها”، كان ذلك قبل يومين من إعلان الهند والصين عن اتفاق الانسحاب في منطقة بانجونج تسو، والذي تم تنفيذه منذ ذلك الحين، وهناك توقعات بأن الهند والصين ستتخذان المزيد من الخطوات لتخفيف حدة الموقف بينهما، وليس من المستغرب إن لم تكن هناك إشارة إلى الرباعية المذكورة، والتي يتم الآن طرحها في القراءة الهندية للمكالمة الهاتفية على انها “حلف شمال أطلسي آسيوي”.
يمكن القول بأننا سنرى ونسمع أكثر عن هذه الديناميكية ثلاثية الأبعاد في الأيام والأشهر القادمة.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: Observer Research Foundation
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر