سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
كشيش باربياني وبراتناشري باسو
نظرًا لأن التزام “بايدن” بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ لا يزال محل تساؤل، فإن إرث “ترمب” المتمثل في تعزيز القوى الإقليمية قد يجبر الولايات المتحدة على استمرارية السياسة الراهنة. فقد حدَّد مرشح الرئيس الأميركي المنتخب “جو بايدن” لمنصب مستشار الأمن القومي الأميركي، “جيك سوليفان”، مؤخرًا، وجهة نظر الإدارة القادمة للعالم. وفي مقابلة متلفزة، زعم “سوليفان”، أن “بايدن” سيكون لديه “استراتيجية واضحة ومحددة” تستند إلى إدراك أن الصين “منافس استراتيجي جاد”. وقبل ذلك بيومين، استند “بايدن” إلى تسمية “المحيطين الهندي والهادئ” لإدارة “دونالد ترمب” الحالية لتأكيد التزامه بـ”ضمان الأمن والازدهار” في المنطقة، وتعَهَّد بمساءلة “الحكومة الصينية على انتهاكاتها في مجالات التجارة والتكنولوجيا، وحقوق الإنسان ومواضع أخرى” .مع ذلك، جاءت هذه التصريحات بعد فترةٍ من الذعر الشديد بشأن نية “بايدن” الاستمرار في سياسات إدارة “ترمب” في مواجهة الصين بمجالات متعددة، وفي نفس الوقت تعزيز مكانة أميركا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
التزامات “بايدن” لا تزال غير واضحة
أمَّا ما يتعلق باستراتيجية المحيطين الهندي والهادئ، فقد بنى “ترمب” على سياسة سلفه، باراك أوباما “المحور نحو آسيا” (أعيدت تسميتها لاحقًا “بإعادة التوازن إلى آسيا”) لتأكيد الولايات المتحدة على أنها “قوة المحيط الهادئ”. علاوة على ذلك، فمع بناء استراتيجية المحيطين الهندي والهادئ، أعطى “ترمب” ثقلاً سياسيًا لوجهة نظر المؤسسة الأمنية الأميركية طويلة الأمد حول ربط مصائر المحيطين الهندي والهادئ. وفي تناقضٍ واضحٍ بين شعار “أميركا أولاً” وضمان أمن الدول الشريكة لواشنطن، تابع “ترمب” ذات الأوليات التي تصدرت عهد باراك أوباما. فمع اليابان، أعادت إدارة “ترمب” التأكيد على أن اختصاص التحالف الأمني الأميركي الياباني يمتد إلى جزر سينكاكو المتنازع عليها. ومع أستراليا، أشرفت إدارة “ترمب” على تحقيق هدف إدارة أوباما لصقل قوة مناوبة بحرية قوامها 2500 جندي في داروين. كما أشرف “ترمب” على عودة الفلبين إلى شبكة التحالفات الأميركية “المحورية”، مع تراجع مانيلا عن قرارها بإنهاء اتفاقية القوات الزائرة مع واشنطن.
وهكذا، فخلال الحملة الرئاسية لعام 2020، عندما قدم “بايدن” أجندة سياسة خارجية ترميمية تستند إلى إحياء “شراكاتنا التاريخية”، بدت منطقة المحيطين الهندي والهادئ كمجال لن يكون هناك سوى القليل من الوضوح بين سجل “ترمب” واقتراح “بايدن”. وعلاوة على ذلك، خلال الحملة، أشار “بايدن” إلى استمراره في استدعائه المتكرر للتسميات “المحيطين الهندي والهادئ”.
لكن بعد الانتخابات، عدَّل “بايدن” هدف “ترمب” المعياري المتمثل في تنمية منطقة المحيطين الهندي والهادئ “الحُرة والمفتوحة” للتأكيد على الحفاظ على منطقة المحيطين الهندي والهادئ “آمنة ومزدهرة”. وفي وقت لاحق، وفي إطار طرح مرشحيه لمجلس الوزراء وللأمن القومي، فما إن أعلن “بايدن” عن التهديد الذي تشكله الصين، وإفصاحه عن مرشحه لتولي وزارة الدفاع الأميركية، حتى عاد إلى استخدام لقب آسيا والمحيط الهادئ. وقد أدى هذا إلى تعزيز التكهنات حول سعي “بايدن” للعودة إلى نهج تصالحي تجاه الصين من خلال الانطلاق تدريجيًا لرعاية البناء الاستراتيجي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ.
ويرى الصينيون نفس الشيء على أنه وسيلة “سعت من خلالها الولايات المتحدة إلى تقسيم المنطقة، وتعزيز تحالف مناهض للصين، وخلق مناخ جيوسياسي ويجب أن تنحاز فيه جميع دول المنطقة”. ومع ذلك، سيكون من الصعب تخيل أن “بايدن” سيتخلص تمامًا من بناء المحيطين الهندي والهادئ. وفيما يتعلق بالتسميات، على سبيل المثال، فباستثناء بعض التعديلات الطفيفة للإشارة إلى بصمة “بايدن” الخاصة، فمن غير المرجح أن تعكس إدارته قرار “ترمب” لعام 2018 بإعادة صياغة قيادة المحيط الهادئ الأميركية ومقرها هاواي إلى القيادة الأميركية في المحيطين الهندي والهادئ. وبالمثل، ومن وجهة نظر تنظيمية، فمن غير المرجح أيضًا أن تعكس إدارة “بايدن” إعادة الهيكلة الإدارية لـ”ترمب”. وعلى سبيل المثال، يستضيف مكتب وزير الدفاع حاليًا قسم السياسة المعاد تنظيمه والذي يضم “الحلفاء والشركاء الموجودين بالحافة البحرية الهندية والمحيط الهادئ والدول الجزرية معًا في مكتبٍ واحدٍ، في حين يتخصص مكتب آخر للصين.
أخيرًا، وعلى مستوى السياسة، فقد يواجه “بايدن” ضغوطًا خارجية من القوى الإقليمية التي اشتركت في بناء المحيطين الهندي والهادئ على مدى السنوات القليلة الماضية. وبشكل عام، شكَّلت إدارة “ترمب” سابقة في تعزيز الولايات المتحدة للقوى الإقليمية من خلال زيادة تقاسم الأعباء، من حيث الموارد المادية والتعبير عن مواقفها السياسية فيما يتعلق بصعود الصين. وعلى مدى السنوات الأربع الماضية، تجلى هذا في عددٍ لا يحصى من الطرق، منها ظهور جوانب مصغرة من قوى المحيطين الهندي والهادئ (مثل مبادرة سلسلة التوريد القادمة بين الهند واليابان وأستراليا)، وحتى مع القوى الخارجية الأخرى (مثل باريس سريعة التطور، وشراكة دلهي وكانبيرا). كما تأخذ القوى الإقليمية، مثل أستراليا، زمام المبادرة في مواجهة شركات الاتصالات الصينية وفي المطالبة بمزيد من الشفافية بشأن تعامل بكين مع تفشي فيروس كورونا. وأخيرًا، تخلت الآسيان عن دوافعها الوقائية لتأكيد “مركزيتها” في بناء المحيطين الهندي والهادئ.
القوى الإقليمية تحتل الصدارة
بالنسبة لدول المحيطين الهندي والهادئ، وخاصة جنوب شرق آسيا، يبدو أن هناك نظريتين مختلفتين فيما يتعلق بسياسة الولايات المتحدة في المنطقة. الأولى ترى أن المنطقة عانت من انتكاسة خلال إدارة “ترمب”، ومن المرجح أن تكون إعادة التعيين في ظل رئاسة “بايدن”. بينما تبدو الأخرى أكثر حذرًا في وضع رهاناتها على الأخير. وهو ما يرجع في المقام الأول إلى المخاوف من أن “بايدن” قد يتبنى نهجًا فاترًا تجاه الصين، وقد يتطلب ذلك موقفًا أكثر دقة من قبل السواحل في المنطقة. وقد أصبح بعضهم أكثر صراحة بشأن تأكيدات الصين على مدى العامين الماضيين.
ربَّما يكون السيناريو الأكثر منطقية هو السيناريو الذي تتراوح فيه مشاركة الولايات المتحدة في المنطقة عبر طيفٍ معينٍ بدلاً من اتباع نهج صارم أو مرن. ومن ثم، فإن الفاعلين الإقليميين في المحيطين الهندي والهادئ سوف يسعون إلى تعميق الشبكات مع القوى الوسطى من ناحية، وتعزيز الأطر المؤسسية من ناحية أخرى. لكن الأكثر حيوية هو رابطة دول جنوب شرق آسيا. فبخلاف التناقض والتردد اللذين كانا يميزان المنظمة بشكل نموذجي حتى قبل عامين، أشارت رابطة دول جنوب شرق آسيا خلال العام الماضي إلى نيتها الحفاظ على ما تعتبره “مكانتها المركزية” في المحيطين الهندي والهادئ. ويأتي هذا في أعقاب المشاركة المتزايدة للقوى من خارج المنطقة في الفناء الخلفي لرابطة أمم جنوب شرق آسيا، وكان تطورًا مرحبًا به خاصة بالنسبة للمناطق الساحلية الأصغر التي كانت لسنوات في الطرف المتلقي لمعادلة قوة غير متكافئة مع بكين. وفي الوقت نفسه، تبنت القوى المتوسطة مثل الهند وأستراليا مواقف أقوى فيما يتعلق بالتوسع غير المقيد لمخالب بكين عبر طول وعرض المنطقة.
ويبدو أن طوكيو ونيودلهي وكانبيرا، في وضعٍ جيدٍ للتجذير من أجل استقرار وأمن المحيطين الهندي والهادئ، وبالتالي يقدمان للدول الأصغر بديلاً قابلاً للتطبيق للشراكة الأمنية مع الولايات المتحدة. وقد ساعد الرئيس “ترمب” في تعزيز المناخ الاستراتيجي في هذه المنطقة لدرجة أنه حتى لو سعى “بايدن” إلى تحقيق التوازن مع الصين، فإنه لن يكون قادرًا على القيام بذلك في جميع المجالات. فعلى سبيل المثال، ونظرًا لسجل “ترمب” في عمليات حرية الملاحة، فإن تأكيدات بكين في بحر الصين الجنوبي ستتطلب ردًا لا لبس فيه من الولايات المتحدة. وعلاوة على ذلك، فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، تكاتفت الجهات الفاعلة الإقليمية أيضًا لإجراء مناورات خاصة بها في مضيق ملقا والمياه المحيطة.
إضافة إلى ذلك، فإن حقيقة وجود محاولات نحو ارتباطات “الرباعي + واحد” (كوريا الجنوبية، وفيتنام، ونيوزيلندا، والفلبين، وسنغافورة)، إنما تمثل شهادة على الأمن المتزايد، وأهم من ذلك، التفاعلات داخل المنطقة. وفي الوقت نفسه، فإن درجات متفاوتة من الانتكاسات للديمقراطية وحقوق الإنسان التي حدثت في بلدان مثل: تايلاند وميانمار والفلبين، على مدى السنوات القليلة الماضية، من المرجح أن تستقطب اهتمام “بايدن” الرئيسي، ناهيك عن تركيزه الشديد على قضايا الأمن غير التقليدية مثل الصحة والعمل المناخي.
أمَّا ما يتعلق بالتحالفات الاقتصادية، فيُعتقد على نطاق واسع أن الولايات المتحدة قد عطلت التوازن الاقتصادي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. فقد أدت شروط “المعادلة الصفرية” في المواجهة التجارية بين الولايات المتحدة والصين إلى تعقيد الديناميكيات الإقليمية بشكل كبير، خاصة أن الصين هي الشريك التجاري الرئيسي لمعظم البلدان في جنوب شرق آسيا. وفي الواقع، يعدُّ الانتهاء من الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة خطوة نحو خفض تكاليف التجارة ووسيلة لتجميع القوة الإقليمية في الزراعة والتصنيع والتكنولوجيا. وبينما تنظر الصين إلى اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية باعتبارها ثقلاً موازنًا للوجود الاقتصادي لواشنطن من خلال تقديم نموذجٍ وحلٍ صيني، فإن ثقل بكين لن يصبح متميزًا إذا احتفظت الآسيان بدور بارز إلى جانب اليابان وأستراليا في ظل اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة. ويمكن أن تكون إعادة التفاوض بشأن الاتفاقية لتضم واشنطن، أمرًا مطروحًا أيضًا، خاصة إذا كان “بايدن” يسعى لاستعادة درجة من موطئ قدم في التكامل الاقتصادي في المنطقة. ومع ذلك، سيكون هذا أمرًا صعبًا في أحسن الأحوال.
ومن الآن فصاعدًا، قد يزداد خطاب الولايات المتحدة، نظرًا لتركيز “بايدن” على التهديدات غير التقليدية وقضايا حقوق الإنسان، وقد تحتل القوى الإقليمية مكانة بارزة في المسائل الأمنية والاقتصادية. ومن ثم، فمن المقرر أن تصبح منطقة المحيطين الهندي والهادئ في طريقها لتشهد تعاونًا أكبر.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: مؤسسة المراقب للأبحاث
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر