سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
إميل أفدالياني
ستواجه إدارة “جو بايدن” العديد من قضايا السياسة الخارجية التي أسهمت في إضعاف مكانة أميركا العالمية في السنوات الأربع الأخيرة. ومن بين هذه القضايا يمكن الإشارة إلى المشهد الجيوسياسي المتغير جذريًا في جنوب القوقاز نتيجة للوجود العسكري الروسي المتزايد. فجورجيا، باعتبارها الدولة الوحيدة الموالية للغرب، ستكون محور تركيز سياسة الولايات المتحدة، لكنها ستتطلب إعادة تنشيط العلاقات الثنائية.
وبالنظر إلى الخلفية السياسية لـ”جو بايدن” وتصريحاته الأخيرة، فمن المرجح أن تقوم السياسة الخارجية للولايات المتحدة على السعي وراء القيادة العالمية والدفاع عن النظام الدولي الليبرالي وتعزيز الديمقراطية.
وعلى المستوى الجيوسياسي، سيكون العمل على توازن القوى عبر اليابسة الأوروبية الآسيوية أمرًا أساسيًا. وستظل وثيقة استراتيجية الأمن القومي لعام 2017 ووثيقة استراتيجية الدفاع الوطني لعام 2018 هما حجر الزاوية بالنسبة للسياسة الخارجية الأميركية. وسيشمل ذلك تركيزًا أكبر على منافسة القوى العظمى مع الصين وروسيا.
وقد يعني ذلك أنه، بخلاف إدارة “ترمب”، سيزداد دعم التحالفات والشراكات العسكرية الأميركية في جميع أنحاء العالم في ظل حكم “بايدن”، بما في ذلك دعم حلف شمال الأطلسي (الناتو). وفي الواقع، وبخلاف “ترمب” الذي وصف الناتو بأنه “عفا عليه الزمن”، سيحاول “بايدن” تعديل الوضع من خلال التأكيد على دور التحالف في الشؤون العالمية.
كما سيعني دعم الناتو أنه سيكون هناك المزيد من الأدوات لردع روسيا في أوروبا الشرقية (بما في ذلك جنوب القوقاز على الأرجح). وهو ما يتناسب بدوره مع نوايا “بايدن” في بناء موقف أكثر صرامة تجاه روسيا. وقد كان يصف روسيا بـ”الخصم” و”التهديد”. ففي أوائل عام 2020، كتب “بايدن” في مجلة فورين أفيرز: “لمواجهة العدوان الروسي، يجب علينا أن نحافظ على قدرات التحالف العسكرية، مع توسيع قدرته أيضًا على مواجهة التهديدات غير التقليدية، مثل الفساد، والتضليل، والسرقة الإلكترونية”. وفيما يتعلق بدعم الناتو، سيختلف “بايدن” أيضًا عن حكومة “ترمب” في تصميمه على تحسين العلاقات المتعثرة عبر الأطلسي التي تضررت في عهد “ترمب”.
في جنوب القوقاز
رغم أن دور جنوب القوقاز لم يكن أبدًا على رأس جدول أعمال الإدارات الأميركية، فإن المشهد الجيوسياسي المتغير جذريًا، أي الوجود العسكري الروسي الجديد في أذربيجان نتيجة حرب كاراباخ الثانية، يمكن أن يضمن مشاركة أميركية أكبر في التجارة والأمن في المنطقة.
لن يشهد نهج السياسة الخارجية العامة للولايات المتحدة تغيرًا طفيفًا؛ حيث تجلت الاستمرارية في نهج أميركا تجاه جنوب القوقاز منذ التسعينيات. وسيكون السؤال حول ما إذا كان بإمكان الولايات المتحدة زيادة قوتها من خلال إعادة النظر في جوانب من سياستها التي وضعتها على مدى السنوات العديدة الماضية.
وقد لا يكون السياق الجيوسياسي العام مناسبًا تمامًا لجنوب القوقاز، حيث تعمل الولايات المتحدة على تقليل وجودها العسكري في الشرق الأوسط وأفغانستان، في حين كانت واشنطن تركز على الداخل في السنوات العديدة الماضية. وربَّما يستغرق الأمر بعض الوقت حتى تعود الولايات المتحدة إلى مشاركتها النشطة في جورجيا وجنوب القوقاز ككل. علاوة على ذلك، سيستمر النمو الاقتصادي والعسكري للصين في جذب الكثير من اهتمام واشنطن. وسيتبع ذلك منافسة أكبر بين الصين والولايات المتحدة، وهو ما سيتطلب اهتمامًا من صانعي السياسة الأميركيين والموارد الوطنية لتخصيصها لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ.
على الرغم من مخاوف جورجيا من أن إعادة تقويم السياسة الخارجية الأميركية على المدى الطويل يمكن أن تسبب صعوبات، فإن تطلعات تبليسي لعضوية الناتو، ومن ثَمَّ الأمن القومي، كانت تعتمد تقليديًا على علاقات وثيقة مع واشنطن، على مدى السنوات الأربع المقبلة، فيما يخص المصالح الأميركية الأساسية في جورجيا.
لقد كانت إحدى ضروريات السياسة الأميركية منذ التسعينيات هي تمكين الحكومات الجورجية المتعاقبة من استخدام الموقع الجغرافي للبلاد كنقطة عقدة في ممر الطاقة والنقل في جنوب القوقاز الوليد. كما تدعم فعالية الممر الجورجي رؤية ذات نطاقٍ أكبر، أي الممر العابر لبحر قزوين، الذي يمكن في ظل ظروف متطورة، أن يتحول إلى واقع جيوسياسي مع وصول الغاز التركماني إلى السوق الأوروبية.
وفي السنوات الأربع المقبلة، يمكننا أن نرى جورجيا مضطرة للاختيار بين كتلتين اقتصاديتين يتم إنشاؤها عبر أوراسيا: ترتبط الأولى بالولايات المتحدة، بينما ترتبط الأخرى بشكل متزايد بالصين. وسيتعين على السياسيين الجورجيين السير على حبل مشدود دبلوماسي، حرصًا على عدم إثارة غضب الصين، مع الحفاظ على العلاقات مع الغرب. لكن مع تشدد موقف أميركا من الصين، سيكون من الصعب الحفاظ على هذا التوازن. وبالتالي، فبالنسبة لإدارة “بايدن” وسياستها الخارجية، ستكون هناك قضية حاسمة أخرى تتمثل في الإبحار في جورجيا للتأكد من أنها تتجنب التشابكات مع الصين والالتزام بالمعايير والممارسات التجارية الغربية.
التوصيات
إلى جانب هذه المقاربات الأساسية للسياسة الخارجية الأميركية تجاه المنطقة وجورجيا على وجه الخصوص، يمكن إجراء عدد من التحسينات. فمن المصلحة الوطنية الأميركية إنشاء مبادرات تجارية واستثمارية كواجهة لسياسة الولايات المتحدة تجاه جورجيا، وربَّما حتى منطقة البحر الأسود الأوسع. وربَّما يشمل ذلك قيام واشنطن بتعزيز العلاقات التجارية، وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر، وتعزيز الإصلاحات المحلية في جورجيا. فعلى سبيل المثال، أعلنت السفارة الأميركية في تبليسي قبل أيام، أنه “لمساعدة القطاع الخاص في جورجيا على التعافي من جائحة كوفيد ــ 19، ستمول حكومة الولايات المتحدة شركة استشارات الاستثمار الأجنبي OCO Global لتحديد فرص الاستثمار عالية القيمة في الاقتصاد الجورجي ورفع مستوى الوعي حول الإمكانات الاقتصادية للبلاد بين كبار المستثمرين الدوليين”. وعلى المدى الطويل، يمكن أن يؤدي هذا إلى شبكة إقليمية مزدهرة من الاقتصادات القائمة على السوق والتي يمكن أن تكون بمثابة ترياق للممارسات المرتبطة غالبًا بالدول غير الديمقراطية.
وحتى تكون ناجحة، يجب أن تعكس السياسة تغييرًا أعمق في نهج التجارة الأميركية، حيث إن السياسات التجارية الحمائية لواشنطن في السنوات الأخيرة أضرت بالعلاقات الاقتصادية الإقليمية في البحر الأسود وجنوب القوقاز.
لكن، ربَّما يكون أكبر تغيير يمكن أن تكشف عنه إدارة “بايدن” هو اتفاقية التجارة الحرة مع جورجيا (FTA). وكدولة ذات موانئ حيوية وطرق وبنية تحتية للسكك الحديدية، فإن اتفاقية التجارة الحرة مع جورجيا ستمنح الشركات الأميركية وصولاً أكبر إلى المنطقة المغلقة جغرافيًا. ولا يشمل ذلك دول جنوب القوقاز الثلاث فحسب، بل يشمل آسيا الوسطى أيضًا مع زيادة الشحن عبر بحر قزوين وإقامة اتصالات أعمق بين المنطقتين.
وبالتالي، هناك مجموعة من السياسات التي ستبقى دون تغيير في عهد الرئيس الأميركي الجديد، لكن هناك أيضًا مجموعة واسعة من القضايا التي يمكن لواشنطن العمل عليها لتحسين موقفها، والتي كانت ثابتة إلى حد ما على مدى السنوات العديدة الماضية. ويمكن أن تكون القضايا الأكبر مثل الوجود العسكري الروسي المتزايد والنشاط الاقتصادي الصيني بمثابة حافز ضروري، ولكن هناك حاجة أيضًا إلى إعادة تقييم بعض جوانب نهج الولايات المتحدة تجاه جورجيا والمنطقة بشكل عام.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: Modern Diplomacy
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر