سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
بريان ميركوريو
قام الرئيس الأميركي “دونالد ترمب” بتغيير اتجاه المناقشات التجارية في الولايات المتحدة، كما سيستمر تأثير فترة ولايته قائمًا على السياسة الأميركية طوال فترة ولاية الرئيس المنتخب “جو بايدن”. إذ تتوافق سياسات “بايدن” بشكل طبيعي مع سياسات “ترمب”، وإلى حد ما ستمضي ببساطة من حيث ينتهي “ترمب”.
فالقضايا المحلية، مثل دخول الطبقة المتوسطة والوظائف والتصنيع ستظل في قلب عملية صنع السياسات التجارية. فـ”بايدن” وهو اقتصادي قومي، يؤكد على الحاجة إلى تعزيز سياسات “شراء المنتجات الأميركية” والتصنيع المحلي والتأهب لمواجهة الأوبئة الصحية في المستقبل. لكن “بايدن” سيسعى إلى إعادة إشراك المجتمع الدولي واستعادة موقع الولايات المتحدة في القمة. و”بايدن” رجل يؤمن بتعددية الأطراف، فحينما كان عضوًا في مجلس الشيوخ، أظهر اهتمامًا عميقًا بالعلاقات العالمية للولايات المتحدة. ومن المرجح أن ينظر “بايدن” إلى التجارة من منظور السياسة الخارجية، إذ سيقوم بمراجعة تدابير “ترمب” التجارية للكشف عن فعاليتها، بما في ذلك التعريفات الجمركية، وضوابط التصدير، والعقوبات، واستثناءات الأمن القومي، وتحقيقات التعافي التجاري، والعداء تجاه منظمة التجارة العالمية.
وتعتبر التجارة قضية محورية تاريخية في السياسة الأميركية، لذا سيتقدم “بايدن” بحذر، وسيكون من الحكمة التعامل مع القضية بشكل شامل. إذ يمكنه البدء بالسياسات المحلية بما في ذلك الابتكار والضرائب، ثم ربط التجارة بأهداف اقتصادية وجيوسياسية أوسع. ولا يمكن للتدابير التجارية وحدها أن تعيد تشكيل الاقتصاد المحلي، أو تخدم العديد من ناخبي الطبقة الوسطى. ومن خلال النظر إلى التجارة كجزء من سياسة أوسع، يمكن أن يكتسب “بايدن” المساحة اللازمة لصياغة سياسة تجارية حديثة وتقدمية.
وقد تستغرق السياسة التجارية لـ”بايدن” وقتًا لتظهر آثارها، إذ ربَّما يستغرق ترشيحه للممثلة التجارية الأميركية “كاثرين تاي” شهورًا حتى يتم تأكيده وتنتهي صلاحية “هيئة ترويج التجارة”في يوليو 2021. ويجب على الإدارة أيضًا الحصول على دعم الكونجرس لسياستها التجارية. لذا، سيتعين على “بايدن” الوصول إلى توازن بين تحرير التجارة مع الأولويات المحلية والقضايا المعاصرة المتعلقة بالتجارة التي تهم أعضاء الكونجرس، بما في ذلك معارضة تسوية المنازعات بين المستثمرين والدول، والتجارة الرقمية، والتلاعب بالعملة، وتغير المناخ، والعمل والجنس. وسيتعين على “بايدن” أيضًا أن يقرر ما إذا كان سيستمر في استخدام تدابير الأمن القومي أحادية الجانب بموجب المادة 232 من قانون التوسع التجاري، لا سيَّما ضد الحلفاء والشركاء.
ومن شأن إعادة الانضمام إلى “الشراكة عبر المحيط الهادئ” أن تشير إلى أن الولايات المتحدة مستعدة لاستعادة دورها القيادي والاستجابة للشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة الموقعة، مؤخرًا، بين الآسيان وخمس دول شريكة، بما في ذلك الصين. لكن “بايدن” لم يجعل إعادة الانضمام إلى تلك الاتفاقية أولوية بالنظر إلى الصعوبات التي سيواجهها في حشد الدعم لهذه الخطوة.
ويمكن أن يسعى “بايدن” إلى إنشاء اتفاقية مُحسّنة بتسمية أخرى، مما يسمح له بالدخول إلىنطاق “اتفاقية عبر المحيط الهادئ “من الباب الخلفي. كما يمكن لـ”بايدن” محاكاة الرئيس “ترمب” الذي انتقد بشدة “اتفاقية التجارة الحرة لشمال الأطلسي”، لكنه أعاد تسميتها بشكل أساسي إلى “اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا”. لكن الدعم القوي والمتنامي للحمائية بين الديمقراطيين والنفور من سياسات التجارة الحرة بين الجمهوريين، قد يجعل التفاوض على اتفاقية تجارة إقليمية ضخمة أمرًا صعبًا إن لم يكن مستحيلاً.
ومن المتوقع أن تكون إدارة “بايدن” بناءة وتعاود التعامل مع النظام التجاري متعدد الأطراف من خلال منظمة التجارة العالمية، إذ يمكن أن يسعى “بايدن” إلى استعادة مكانة القيادة الأميركية بحركات بسيطة، بدءًا من السماح بتعيين “نغوزي أوكونجو إيويالا” في منصب المدير العام للمنظمة. لهذا، يجب أن يسمح “بايدن” أيضًا بالتعيينات في هيئة الاستئناف، التي أصبحت عاجزة بالفعل منذ أن بدأت الولايات المتحدة في منع جميع التعيينات الجديدة. ويمكن أن تركز المناقشات على استكمال الاتفاقات المتخصصة (والصعبة في الوقت ذاته)، مثل دعم مصايد الأسماك، والتجارة الإلكترونية، والسلع البيئية.
وستستمر الصين في الظهور بشكل بارز في السياسة التجارية للولايات المتحدة، حيث تشارك الإدارة القادمة مخاوف “ترمب” بشأن استخدام الصين للإعانات، والطاقة الصناعية الزائدة، والشركات المملوكة للدولة والأمن القومي. وتضمنت الحرب التجارية التي شنها الرئيس “ترمب” مع الصين التعريفات الجمركية الأحادية، والحظر، وفي نهاية المطاف ما يسمى بصفقة التجارة “المرحلة الأولى” التي تشمل التزامات الشراء ومجالات أخرى من التجارة.
سيستمر “بايدن” في هذا الموقف المتشدد، لكنه يتخذ نهجًا أكثر تعددية في التعامل مع الصين. إذ سيسعى إلى تطوير نهج تعاوني مع الحلفاء. وسيسعى أيضًا إلى إصلاح القواعد الخاصة بالإعانات وغيرها من القضايا في منظمة التجارة العالمية لخلق ما يعتبره مجالاً أكثر تكافؤًا. وإذا نجح “بايدن” في اجتياز هذه العملية بنجاح، فقد لا تنظر الصين إلى إعادة التوازن على أنها تهديد بقدر ما هي فرصة لدعم موقعها كقائد عالمي.
ومن المرجح أن ستستمر الأحادية الأميركية في ظل إدارة “بايدن” في استخدام المادة 301 من قانون التجارة الأميركي لاستهداف الممارسات التجارية غير العادلة بشكل ملحوظ. وتتمتع هذه الإجراءات بدعمٍ قويٍ من الحزبين، وسينظر إليها “بايدن” بلا شك على أنها خطوات مهمة في مسيرة حماية وتعزيز التصنيع المحلي. وبالنظر إلى أن التزامات الشراء في المرحلة الأولى من الصين غير واقعية، فمن المتوقع أن يسعى “بايدن” إلى تقليل عبء الاستيراد الصيني مقابل التزامات متزايدة في مجالات مثل الملكية الفكرية، والخدمات المالية، وحقوق الإنسان والبيئة.
وستستمر المناوشات التجارية طوال فترة رئاسة “بايدن” ولن تخرج بشكل كبير عن سياسات “ترمب”. ولكن بصفته صانعًا لسياسات العولمة والتحالفات المصاحبة لها، ستتغير الطريقة والنبرة، وربَّما النتائج أيضًا. وسيشكل الاقتصاد المحلي، والوظائف، والتصنيع، والاستثمار، وسياسات “اشترِ المنتجات الأميركية” والضرائب، بمثابة حجر الزاوية في خطة “بايدن” الاقتصادية. كما ستحتل قضايا العمل والبيئة، وتغير المناخ، والنوع الاجتماعي، مكانة بارزة في النظام القادم.
وستصبح السياسة التجارية في عهد “بايدن” أكثر استراتيجية تعاونية ويمكن التنبؤ بها. هذا لا يضمن النجاح، ولكن إذا تمت إدارته بشكل جيد، فهناك فرصة لـ”بايدن” لتأسيس إرث تجاري من خلال تغيير السياسة التجارية للولايات المتحدة، وإصلاح النظام متعدد الأطراف وإعادة التوازن إلى العلاقات الأميركية الصينية.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: منتدى شرق آسيا
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر