سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
يبدو أن الانسحاب الأميركي قد ألقى بظلاله سريعًا على الاقتصاد الإيراني، تزامنًا مع علاقات إيرانية مضطربة مع العالم، إذ منيت العملة الإيرانية “التومان” بخسارة فادحة؛ مما أدى إلى هبوط الريال الإيراني إلى مستوى تاريخي جديد عند 80 ألف مقابل الدولار، ليقفز الدولار بنحو 5000 ريال إيراني فور إعلان انسحاب أميركا من الاتفاق النووي، وهو ما نتج عنه فقدان الدولار في الأسواق الإيرانية، وخاصة بعد أن قامت قوى الأمن باعتقال بعض التجار.(1)
ويبدو أن حديث رئيس البنك المركزي الإيراني، ولي الله سيف، الذي قال في وقت سابق، إن الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي لن يكون له تأثير كبير على الاقتصاد الإيراني، قد أثبت الواقع عكسه، مما اضطره إلى تقديم استقالته.(2)
أسباب عدة
إذا أردنا البحث فيما وراء انهيار العملة، فسنجد أنها تعاني اضطرابًا منذ فترة، إلا أن الانسحاب الأميركي من الاتفاق قد عصف بها، وهو ما كانت تخشاه طهران. فإيران تنفق أموالها خارجيًا، وتشتري الأسلحة بالعملة الصعبة من الصين وروسيا وأميركا، لترسلها للميليشيات التي تدعمها كحزب الله والحشد الشعبي والحوثيين، التي تدفع رواتبهم. ويبدو أن احتياج الحرس الثوري الدائم لشراء الأسلحة، قد يمثل سببًا رئيسًا في الأزمة أيضًا، فسياسات الحكومة مؤثر أساسي على العملات، بيد أن العقوبات الدولية المفروضة على إيران قد أثرت بالسلب على عملتها أيضًا؛ إذ إن طهران مضطرة لبيع النفط بأسعار آجلة وليس بالسعر النقدي، واضطرت حكومتها إلى سحب الدولار من الأسواق لسد عجز الموازنة.(3)
ويمكننا – أيضًا – عزو هذا الارتفاع غير المسبوق لسعر الدولار، إلى عدم استناد البنية التحتية لاقتصاد البلاد – تحت حكم الملالي – إلى الصناعة أو الزراعة أو ما شابهها، وإنما قائمة على التربح والتهريب والاستيراد الواسع، إذ إن كل الطرق لتحسين الاقتصاد الإيراني مغلقة، وهو ما نستدل عليه من حديث” معصومة احتشام” العضوة في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في هذا الصدد.((4
ويجب ألا نغفل ما قاله بعض الخبراء عن أن النظام الإيراني سيواجه أزمات سياسية واقتصادية على وقع انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني، وما أشاروا إليه بأن “أداء الحكومة الإيرانية، والإرهاب الذي تمارسه في الداخل وفي الخارج، وسياستها القمعية والسرقات، والفساد الاقتصادي، كلها عوامل أدت إلى ضرب الاقتصاد وانهيار العملة”.
ويمكننا القول إن الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، قد عمَّق جراح طهران الاقتصادية، وزاد من مخاوف سلطاتها من اتساع رقعة الاحتجاجات ضدها، لا سيَّما أن الاحتجاجات الأخيرة استندت بالأساس إلى أسباب اقتصادية(5)،والتي كانت في بداية العام الجاري واندلعت احتجاجًا على غلاء السلع الأساسية وارتفاع معدلات البطالة ووصولها إلى 12.4%، وارتفاع معدل التضخم إلى 8%، بيد أن المتظاهرين قد احتجوا على السياسة الخارجية لبلادهم أيضًا، ورأوا أنها تمثل أعباء جسيمة على عاتق اقتصاد بلادهم، من التدخل في سوريا ولبنان، إلى دعم الحوثيين في اليمن.((6
وفيما يبدو، أن زيادة الطلب على شراء الدولار رغم ارتفاع قيمته، يرجع الى عدم الثقة بالنظام الإيراني، بسبب سياسته التوسعية والعدائية بالمنطقة، وسعيه إلى إثارة المشكلات والقلاقل في الدول العربية؛ وهو ما رآه الإيرانيون سببًا رئيسيًا في تعرض بلادهم لعقوبات دولية، ونستدل على ذلك من شعاراتهم في أثناء الاحتجاجات السابقة “لا غزة لا لبنان”، إضافة إلى هروب رؤوس الأموال الأجنبية من إيران، وارتفاع مؤشر التضخم، الذي أسهم في غلاء أسعار السلع الأساسية والبضائع بشكل كبير(7)،وهذا يؤكد ما ذكرناه آنفًا بأن السياسات التي اتبعتها الحكومة الإيرانية قد أثرت بشكل سلبي على عملتها.
محاولات نظامية بائسة
بات جليًا أن النظام الإيراني يحاول يائسًا، أن يسد بعباءته فجوات في السفينة التي خرقها بنفسه، لتتسرب إليها أزمة العملة والغضب الشعبي، ليصبح أقرب من أي وقت مضى إلى الغرق، قبل أن يبلغ الذكرى الأربعين لاستيلائه على الحكم، وهو ما نستدل عليه من تقرير لمجلة “فورين بوليسي الأميركية”، الذي أوضح أن الرئيس روحاني، يواجه أزمة حقيقية، فعلى مدى الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2018، انهارت العملة الإيرانية فيما يشبه السقوط الحر، وارتفع الدولار بنسبة 37 في المئة مقابل الريال الإيراني،وحاولت طهران كبح انخفاض قيمة عملتها وهروب رأس المال إلى الخارج، دون نجاح كبير، وأتى الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي ليزيد من أزمة النظام الذي بات أمام أزمة واضحة.(8)
فالنظام الإيراني بتصرفاته غير المحسوبة، قد ورَّط بلاده ومواطنيه، في مشكلة يجني ثمارها العفنة حاليًا، وسيستمر في جنيها إن لم يغير من سياساته، فالأزمة قد انعكست على الشارع الإيراني، وتدخلت قوى الأمن وشنت حملات مداهمة في سوق الصرافة، واعتقلت عشرات المتهمين بالتلاعب بسوق النقد.
ويبدو أن الحكومة الإيرانية قد أفلس رصيد الحلول لديها، ولم تجد أمامها إلا زيادة سعر الضرائب على المسافرين خارج الجمهورية, وأوعزت لجميع الجهات الرسمية بالتعامل باليورو بدل الدولار في المعاملات الرسمية. كما أغلق النظام الإيراني الحسابات المصرفية لمئات الأشخاص الذين اعتبرتهم يثيرون اضطرابًا في أسواق الصرف.
توقعات مستقبلية
ينذر الهبوط بموجة ارتفاع جديدة في أسعار السلع الغذائية، مما سيضاعف معاناة المستهلكين الذين يشتكون ارتفاع الأسعار. فمن المتوقع أن تستمر الإخفاقات الاقتصادية فترة أطول بجانب الاضطرابات والاحتجاجات التي من المتوقع أن تصاحبها؛ مما يضغط على صانعي القرار الإيراني في الملفات السياسية والإقليمية، وربَّما يدفع بهم إلى إعادة النظر في سياستهم الخارجية مرة أخرى.
ومع إغلاق سوق العملات الأجنبية وانهيار العملة الإيرانية، يبقى لدى النظام خياران الآن: فإمَّا دعم الواردات بعملة أجنبية رخيصة ما يعني استنزاف احتياطاته من العملات الأجنبية، أو مواجهة النقص في السلع وعدم الاستقرار الاجتماعي، وهو ما أكده خبراء اقتصاديون.
وهدد ترمب – بالفعل – بإعادة العقوبات على البنك المركزي الإيراني إذا لم يستطع المفاوضون الأميركيون والأوروبيون الاتفاق على طريقة لإصلاح الاتفاق النووي.
وبات جليًا أن انهيار الاقتصاد الإيراني سيضع نظام الملالي في مهب السقوط بعد شل أركانه الاقتصادية، وحصار أنشطة الحرس الثوري وشركاته المتورطة في دعم وتمويل الإرهاب بالمنطقة، ويخدم انتصار قوات الشرعية في اليمن، بسبب عدم قدرة النظام الإيراني على تمويل الحوثيين، إضافة إلى العمل على قطع أذرع إيران التي تهدد أمن واستقرار المنطقة، وربَّما انفراج – ولو قليلاً– في الأزمة السورية إذا ما ابتعدت إيران عن دعم بشار الأسد وقواته بالأموال والسلاح.
وفي الأخير،فإن الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، قد مثَّل صفعة سياسية واقتصادية لإيران، بسبب تماديها في محاولات التوسع بالمنطقة، ونواياها الخبيثة في استكمال تخصيب اليورانيوم، وعمَّق من جراحها الاقتصادية، وخلق مشكلات جسيمة تنبئ بتجدد الاحتجاجات ضد نظامها، الذي سيواجه سقوطًا مدويًا إذا ما أعاد النظر في سياساته الخارجية التي جلبت له المشكلات.
وحدة الدراسات السياسية*
المراجع
1- انهيار تاريخي للعملة الإيرانية والدولار بـ80 ألف ريال، البيان.
2- انهيار تاريخي للعملة الإيرانية.. والدولار بـ80 ألفريال،الأسواق العربية.
3- شاهد في دقيقة.. 7 أسرار تشرح أسباب انهيار العملة الإيرانية، اليوم السابع.
4- انهيار تاريخي غير مسبوق للعملة الإيرانية، أخبار الخليج.
5-انهيار العملة الإيرانية إثر انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، جريدة الوطن.
6-أسباب أدت لاندلاع الاحتجاجات الأخيرة في إيران .. تعرف عليها، بي بي سي.
7-بداية انهيار العملة الإيرانية تنذر بنهاية النظام السياسي في طهران، مركز الروابط للبحوث والدراسات
8-الريال والعقوبات.. سيناريو انهيار النظام الإيراني في 2019 ، سكاي نيوز عربية.
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر