تركي بن صالح العتيبي

لا ريب أن التحليل السياسي لحدث ما، يرتكز أساسًا على معطيات ومعلومات؛ لذلك فإن العمل الأساسي في هذا السياق، هو تحديد ماهية الحدث، ومن ثم جمع المعطيات والمعلومات .
إن التوغل الإيراني في منطقتنا يصل إلى مراحل حرجة، فبعد التوسع السياسي والعسكري والثقافي والمالي في أنحاء متعددة في عالمنا العربي واختطاف القرار بعد الأرض من عواصم (بغداد، بيروت، دمشق، صنعاء)، دخلنا في مرحلة الانحسار، حيث بدأ تأثير الدبلوماسية السعودية يعطي أُكله، ونحن هنا في هذه العجالة نقرأ المعطيات التي ساهمت في زحزحة الجرثومة الإيرانية عن بلاد العرب .

عاصفة الحزم

كانت ليلة مذهلة تلك التي حلَّق فيها نسور السعودية في سماء اليمن، ليلة ليلاء على ملالي إيران وأذنابها، ليلة شمَّر فيها سلمان عن ساعد المجد، وافتتح مرحلة جديدة في مواجهة الغول الفارسي، كانت قبلها عصابات الحوثي تكتسح محافظات اليمن وتحتل عاصمته صنعاء، والرئيس الشرعي يحط في مطار الرياض يستنجد بالسعودية .
سيطرت القوات الجوية السعودية على الأجواء اليمنية، وأعلنتها منطقة عمليات مغلقة، ولحق تلك العملية قرار أممي يجرِّم الحوثي، ويطالبه بالعودة عن اجتياح العاصمة وتسليم السلطة. كان التحرك العسكري والدبلوماسي خاطفًا وكاسحًا ومشوشًا للإيراني.

مقاطعة قطر

الكثير من المخدوعين بالتجربة القطرية، كانوا يستغربون الخطوة السعودية تجاه قطر. لم يتخيل أحد من فريق (تنظيم الحمدين)، أن تكون الإجراءات السعودية بهذه القسوة والصرامة والصراحة والمكاشفة، كان لحظة فارقة في تاريخ الخليج العربي، تلك الخطوة التي جرَّمت فيها السعودية الممارسات القطرية السافرة، في بيان واضح بيَّن التدخلات وختم بالمطلب الوحيد، وهو العودة للحضن الخليجي والامتناع عن العمل على تهديد الكيانات الخليجية، والقيام بأعمال عدائية .
لقد كانت مقاطعة قطر خطوة سياسية حاسمة، ضربت في صميم العمل الاستخباراتي الإيراني ودور قطر المشبوه في خدمة الأجندة الفارسية.

الاتفاق النووي

يا لها من ضربة خاطفة تلك التي قام بها الرئيس الأميركي حين امتنع عن التوقيع على التزام إيران ببنود الاتفاق النووي، وهي خطوة أولى في سبيل إلغاء الاتفاق، أو التفاوض عليه من جديد، وتضمينه بنودًا قاسية، أقلها إيقاف التجارب الصاروخية. والرئيس الأميركي عبَّر بوضوح، أن هذه الخطوة جاءت بعد التشاور مع أصدقائه في المنطقة، وهي إشارة واضحة للدور السعودي في محاولة إجهاض أو تمييع الاتفاق على أقل تقدير.

العودة للعراق

كان اللوم في وسائل الإعلام والأوساط السياسية موجهًا للمملكة؛ لعدم وجودها في العراق، وترك الساحة للعبث الإيراني. لكن السعودية لم تكن بعيدة عن العراق في يوم من الأيام، وإنما كانت تنتظر الفرصة المناسبة لمساعدة العراق في الخلاص من السيطرة الفارسية، وقد كانت اللحظة عبر تحرك سياسي مكثف قاده الأمير محمد بن سلمان، أثمر عقد قمة سعودية عراقية في الرياض، نتج عنها شراكة سياسية اقتصادية وتعهدات بخلق بيئة مناسبة لعلاقات تحترم سيادة العراق وتحفظ وحدته .

رفع الغطاء السياسي في بيروت

في الرياض، وعبر الشاشات، خرج رئيس وزراء لبنان سعد الحريري، ليعلن استقالته الصادمة التي عبَّر فيها عن سخطه من الدور الإيراني في لبنان، وعدم احترام سيادته، والتدخل في سوريا واليمن، والخروج عن التفاهم الذي بني عليه تشكيل الحكومة، عبر مسألة النأي بالنفس .
كانت هذه الخطوة سياسيًا تعني رفع الغطاء الرسمي عن ذراع إيران في لبنان والمنطقة (حزب الله)، وهو ما أزعج الحزب الإرهابي وهز أركانه؛ لأنه يعرف أن ما قبل الاستقالة ليس كما بعدها، والمملكة لن ترضى بعد الآن بحكومة لبنانية ضعيفة، أقصى ما تقوم به تقديم الشرعية لسلاح حزب الله في لبنان، وهذا واضح جدًا من عبارات الرئيس الحريري عند تريثه في تقديم الاستقالة رسميًا، حيث عبَّر عن رغبته في بحث المسائل التي دعت للاستقالة، وهي مطالب على حزب الله تقديمها عبر تنازلات سياسية قاسية .

التفاهم السعودي الروسي

النفط كان القنطرة التي عبرت عبرها السعودية وروسيا نحو علاقات جديدة تقوم على أسس المصالح المتبادلة، يأتي على رأسها إعادة الاستقرار لأسعار النفط، وهو ما حدث، والتفاهم حول مستقبل سوريا، وهو واضح الآن في الزيارات والاتصالات بين قادة البلدين، والتطمينات الروسية بأن هناك مرحلة سياسية يبحث فيها السوريون مستقبل بلدهم بعيدًا عن مرحلة الأسد، التي يتحفظ الروس عليها، وبعضهم يطرح أسماء توافقية كفاروق الشرع لقيادة مرحلة انتقالية؛ لكن مثل هذا التقدم السياسي لم يأتِ إلا بمعرفة الروس بأهمية السعودية في المنطقة ورغبتهم الراسخة في تحقيق رغبة الشعب السوري .

السيف والتمرة

العنوان الرئيس لهذه المرحلة، هو عنوان أخضر بنخلة وسيفين، عنوان سعودي بامتياز لا يحمل عصا وجزرة، بل سيفًا وتمرة. مشروع سعودي يحمل للإقليم الاستقرار والنماء، الاستقرار هو هدف السياسة السعودية، وهذا يتطلب تنظيف المنطقة من إيران وأذنابها .

كاتب سعودي*

@turkysaleh