سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
محمد السماك
تشترك في الدورة القادمة من بطولة العالَم لكرة القدم فِرقٌ من سكوتلندا وويلز وإيرلندا وانجلترا، ولا يوجد فريق باسم بريطانيا. فما الفرق بين أن يكون الإنسان انجليزياً أو بريطانياً؟
وما الفرق بين انجلترا وبريطانيا؟ قد يبدو السؤال سخيفاً، لكن معرفة الإجابة عليه تتطلّب معرفة الصفحات المخفية من تاريخ هذه الجزيرة التي تمكّنت في منتصف القرن التاسع عشر من حكم ربع سكان الكرة الأرضية. وحتى اليوم فإن واحداً فقط من بين كل تسعة بريطانيين، وواحداً فقط من بين كل ثلاثة لندنيين وُلد في مكان ما وراء البحار.
لا توجد دولة اسمها انجلترا، وإنما شعب انجلترا هو شعب المملكة المتحدة التي تضمّ إلى جانب انجلترا كلاً من سكوتلندا وويلز وإيرلندا الشمالية بعد انفصال إيرلندا الجنوبية على خلفية دينية كاثوليكية. والحدود بين أن يكون المواطن انجليزياً وأن يكون بريطانياً هي حدود غامضة، وتكاد تكون وهمية.
فالمواطن الانجليزي هو مواطن بريطاني، ومع ذلك فثمةَ فوارق عميقة. في عام 1707 أُقرّت معاهدة الوحدة بين انجلترا وسكوتلندا، وقامت بموجبها المملكة المتحدة. لم تتشكل دولة فدرالية بينهما بمؤسسات سياسية مستقلة عن المؤسسات التي كانت قائمة أساساً في انجلترا.
ولكن قام كيان سياسي أشبه ما يكون بالحصان ذي القوائم الأربعة. قد تكون انجلترا أقدم دولة في العالم، إذ تأسست كأمة قبل ظهور نظرية الأمم، وفيها قامت أقدم المؤسسات: البرلمان، الملكية، والقضاء، اعتماداً على نظام المحلّفين، وهو نظام مأخوذ عن الفقه المالكي الذي كان وما يزال سائداً في شمال أفريقيا. أما بريطانيا فهي كائن سياسي حديث نسبياً، وُلد بعد قيام الاتحاد مع سكوتلندا.
لم تخضع انجلترا في كل تاريخها لقوى احتلال خارجية منذ عام 1066. ولم تتمزّق داخلياً نتيجة حرب أهلية منذ أواسط القرن السابع عشر. وعندما وقعت مذبحة بيترلو، قُتل أحد عشر شخصاً فقط. وبالمقارنة قُتل في الثورة الفرنسية عشرة آلاف.
يتباهى الانجليزي بأنه في عام 1880 يستخدم 14 لوحاً من الصابون في العام، بينما يستهلك الفرنسي ستةً فقط. ولذلك اهتمت فرنسا بصناعة العطور لكن انجلترا لم تكن على هذا القدر من الرحمة في المناطق التي احتلّتها في آسيا وأفريقيا، وحتى في أميركا، للدفاع عن مصالحها التوسعية.
وقد ذهبت إلى حد إجبار الصين على استيراد الأفيون وتشريع استخدامه. لم تمارس انجلترا الاحتلال الاستيطاني. كانت احتلالاتها استغلالية واستثمارية. ففي الهند (درّة التاج البريطاني)، لم يتجاوز عدد الإنجليز العاملين في شبه القارة الهندية ألفي شخص، لكنهم كانوا إنجليزاً! يعزو الإنجليز هذه الخصائص التي يتميّزون بها إلى اعتناقهم الإنجيلية وتحوّلهم عن الكاثوليكية في عهد الملك هنري الذي اتخذ قرارَ التحوّل لأن بابا روما لم يسمح له بطلاق زوجته والاقتران بامرأة ثانية.
أما اليوم فإن انجلترا تُعتبر واحدةً من أكثر الدول علمانيةً. وبذلك انتقل الثقل المعنوي والعددي للكنيسة الانكليكانية إلى أفريقيا، خاصةً بعد أن أباحت كنيسةُ بريطانيا للمرأة أن تتولى السلطةَ الروحيةَ. تكوّنت الشخصية الانجليزية من طبيعة انجلترا كجزيرة، وقد وصف شكسبير البحر بالنسبة لانجلترا بأنه قوة الدفاع عن الذات.. وجسر العبور إلى العالم.
المصدر: صحيفة الاتحاد
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر