سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
ديفيد أ. فيمر
أسفرت الانتخابات البرلمانية المفاجئة في اليونان، التي أجريت في السابع من يوليو عن انتصار للمركز السياسي، مما يعكس اتجاهًا متناميًا من الانتصارات الشعبوية في جميع أنحاء أوروبا. وكما قال نائب رئيس المجلس الأطلسي التنفيذي، “دامون ويلسون”، فإن انتصار حزب “الديمقراطية الجديدة” الذي ينتمي إلى تيار يمين الوسط، بالإضافة إلى الأداء الضعيف للأحزاب المتطرفة، يؤكد أن “اليونان تتجه حاليًا نحو تعزيز قوة المركز في السياسة الأوروبية، بدلاً من تأجيج التحرك نحو الأطراف”.
وفاز حزب “الديمقراطية الجديدة”New Democracy بما يقرب من 40% من الأصوات في انتخابات 7 يوليو، ما منحه أغلبيةً ساحقة في البرلمان اليوناني وجعل رئيسه “كيرياكوس ميتسوتاكيس”، رئيس الوزراء الجديد، خلفًا لـ”الكسيس تسيبراس”، الذي حصل حزبه “سيريزا” اليساري على 31% فقط من الأصوات، مقابل 35% في عام 2015.
وأشار “ويلسون” إلى أنه بينما ذهبت غالبية الأصوات إلى حزب “الديمقراطية الجديدة” و”سيريزا” وحركة “يسار الوسط من أجل التغيير”، وكلها أحزاب “موالية للاتحاد الأوروبي ولديها علاقات قوية بالولايات المتحدة”، فإن الأحزاب الأصغر سعت جاهدة للوصول إلى عتبة 3 في المئة اللازمة للحصول على مقاعد في البرلمان. كما تمكن حزبان جديدان، هما: “الحل اليوناني” اليميني، وحزب “جبهة العصيان الواقعي الأوروبي” اليساري الذي يقوده وزير المالية السابق “يانيس فاروفاكيس”، من تجاوز الحد الأدنى، حيث سيتم تمثيلهم في البرلمان المكون من 300 مقعد بعشرة مقاعد وتسعة مقاعد على التوالي.
ومع ذلك، فقد انهار حزب “الفجر” اليميني المتطرف، حيث انخفض من 7% إلى أقل من 3%، مما يعني أنه لن يحصل على مقاعد في البرلمان المقبل. ويجادل زميل المجلس الأطلنطي “فرانسيس بورويل” بالقول إن الأداء السيئ نسبيًا لليمين المتطرف واليسار المتطرف “يمكن اعتباره بداية نهاية التطرف كإجابة جادة على المعضلات السياسية التي تواجه أوروبا في الوقت الراهن”.
التركيز على الاقتصاد
تولى “تسيبراس” وحزبه اليساري “سيريزا” السلطة في عام 2015 في أعقاب الأزمة المالية الكارثية التي شهدتها اليونان، حيث شهدت البلاد تدهورًا عميقًا وصل إلى نسبة 25% من إجمالي الناتج المحلي للفرد بين عامي 2007 و2014. وعلى الرغم من وجود مخاوف أولية بشأن معارضة “تسيبراس” لخفض الإنفاق الحكومي بما يتماشى مع حِزَم الإنقاذ المالي في اليونان، إلا أن حكومته دفعت بخطة الإنقاذ وخرجت اليونان بنجاح من برنامج الإنقاذ الأخير في أغسطس الماضي.
وقال “بورويل” إن “ألكسيس تسيبراس” يستحق قدرًا كبيرًا من الاحترام لكونه يدرك أن الدافع الأساس الذي قدمه بشأن الطريق إلى اليونان، برفض مطالب الاتحاد الأوروبي بالمسؤولية المالية والتقشف لن ينجح. وقد أصبح عضوًا محترمًا في القيادة السياسية الأوروبية، وبالتالي فقد ابتعدت اليونان عن حافة الهاوية المالية.
وعلى الرغم أن “تسيبراس” خسر الانتخابات، فإنه سيبقى في منصبه كرئيس لـ”سريزا”، الذي حل محل “باسوك”PASOKالذي يمثل ثقلاً تقليديًا من يسار الوسط، باعتباره ثاني أكبر حزب في اليونان. كما أشار “أرتميس سيفورد”، فإن “لدى تسيبراس الآن الفرصة لإكمال تحول سيريزا من تحالف يساري متطرف إلى كيان تقدمي أكثر يسارية من الوسط الذي يحظى باحترام الناخبين الرئيسيين، وكذلك الحلفاء الأجانب”.
ويجادل “ويلسون” بأن العديد من الناخبين اليونانيين توافدوا على “الديمقراطية الجديدة”، لأن “تسيبراس” لم يكن قادرًا على ترجمة الطفرة التي حدثت إلى انتعاش اقتصادي حقيقي. وأوضح أنه “بينما قطعت اليونان شوطًا طويلًا في إدارة أزمة ديونها، إلا أن النمو الاقتصادي الذي وصل 2% لا يكفي لإنتاج هذا النوع من الفرص التي من شأنها أن تبقي اليونان في وضع أفضل”. وقد انتهز حزب “الديمقراطية الجديدة” هذه الانتعاشة الضعيفة للحملة على “الإصلاحات الاقتصادية لتحرير الاقتصاد وتعزيز النمو، على أمل اجتذاب نحو 500 ألف يوناني كانوا غادرو بلادهم للعمل في مكان آخر”.
وبعد فوزه في الانتخابات، تحدث “ميتسوتاكيس” مقدمًا وعودًا لليونانيين بأن “مرحلة مؤلمة قد أغلقت”. وأضاف أن اليونان “سترفع رأسها بفخر مرة أخرى” وستدخل فترةً جديدةً من “الوظائف، والأمن، والنمو”. وهنأ “تسيبراس” “ميتسوتاكيس” على النصر في 7 يوليو، وقال إن حزبه “من مقاعد المعارضة سيكون حاضرًا لحماية مصالح الناس”.
وقال “بورويل”: لقد انتخب اليونانيون حزبًا سيستمر في الإصلاحات الاقتصادية، وعلى عكس “سيريزا” فإن حزب “الديمقراطية الجديدة” كان دائما واضحًا في أنه قادر على أن يفعل ذلك؛ فالتحدي الذي يواجه “ميتسوتاكيس” سيكون في قدرته على الوفاء بالتخفيضات الضريبية الموعودة وتحرير الاقتصاد، مع الحفاظ على فصيل أقصى اليمين بحزبه.
دور إقليمي متنامٍ لأثينا
كما كان “تسيبراس” فعالاً في التوصل إلى اتفاق مع جارته الشمالية مقدونيا، وهو ما أنهى نزاعًا دام سبعة وعشرين عامًا، فقد شهدت الأمة دعوة – حديثًا – للانضمام إلى الناتو. ورغم أن حزب “الديمقراطية الجديدة” صوت ضد الصفقة المعروفة باسم اتفاقية “بريسبا” Prespa، فقد ألمح “ميتسوتاكيس” Mitsotakisإلى أن الاتفاقية باتت ملزمة من الناحية القانونية ولم يظهر أي إشارة إلى أنه سيسير ضد التيار. وبالتالي، فإن اتفاقية “بريسبا” أعادت تحديد موقع أثينا كشريك استراتيجي رئيس للولايات المتحدة في تطوير استراتيجيات أكثر شيوعًا تجاه جنوب شرق أوروبا وشرق البحر المتوسط. لكن “ويلسون” يحذَّر من أن “ميتسوتاكيس” سوف يحتاج إلى إثبات أن اليونان يمكن أن تتمسك بالتزاماتها، كما أكد دومًا، بما في ذلك دعم انضمام مقدونيا الشمالية المحتمل إلى الاتحاد الأوروبي. وإذا كان الأمر كذلك، فسوف تستمر اليونان في دعم اندماج مقدونيا الشمالية في الجماعة الأطلسية وستظل لاعبة بناءة ورائدة في تشكيل مستقبل جنوب شرق أوروبا ومناطق شرق البحر المتوسط.
ومن المؤكد أن “ميتسوتاكيس” سيواصل العمل على بناء “أقوى علاقة مع الولايات المتحدة مقارنة بالسنوات الأخيرة”. ذلك أن الدعم المقدم من واشنطن خلال الأزمة المالية قد تُرجم إلى علاقة وثيقة جدًا بين واشنطن وأثينا، وهو ما بدا غير مرجح عندما تولت “سيريزا” السلطة لأول مرة.
وبدلاً من إظهار الانفصال عن “سيريزا”، يرى البعض بأن التقاليد الموالية للولايات المتحدة من جانب حزب “الديموقراطية الجديدة” تعني أن “هذه الروابط القوية من المرجح أن تتعزز في ظل التطلع إلى صفحة جديدة في العلاقات الأميركية اليونانية.
وبالتالي، فإن نجاح المركز السياسي على حساب الهامش، وكذلك التأكيد المستمر للعلاقات الثنائية القوية مع الولايات المتحدة، يدل على أن “الديمقراطية لا تزال قوية” في مسقط رأسها. كما أن الحكومة الجديدة ستبدأ عملها “بتفويض قوي للإصلاحات الاقتصادية للمساعدة في تعزيز الاقتصاد اليوناني وجذب المزيد من الاستثمارات المحلية والدولية”، في الوقت الذي تتطلع فيه البلاد إلى الخروج من عقدٍ من الأزمة إلى فترة جديدة من الازدهار.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: المجلس الأطلنطي
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر