سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
أنتونيس جياناكوبولوس
تقلَّص الاقتصاد اليوناني بنسبة قياسية بلغت 14% في الربع الثاني من عام 2020، بينما، في الوقت نفسه، أدَّت جهود الحكومة من أجل علاج الوضع الاقتصادي إلى وضع البلاد على الطريق لعبور أزمة نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي البالغة 200%، وفقًا لصندوق النقد الدولي. وفي غضون ذلك، بلغ عجز الموازنة الحكومية ارتفاعات جديدة (حوالي 7%).
استجابة الحكومة للركود
حاولت الحكومة اليونانية مكافحة الانكماش الاقتصادي بسياسة مالية ونقدية فضفاضة (من خلال البنك المركزي الأوروبي). وقد كان الهدف الأوَّلِي إلى حد كبير يتمثل في دعم كافة مؤسسات القطاعين العام والخاص خلال الأشهر السيئة من إغلاق “كوفيد -19” والأمل في الانتعاش الاقتصادي عندما حل الصيف، مع إنقاذ صناعة السياحة خلال الفترة الأخيرة. لكن سرعان ما اتضح أن هذا الأمر كان مجرد تفكيرٍ بالتمني. فقد اعترف أشخاص من قطاع السياحة أن الأمر قد يستغرق سنوات حتى تستعيد صناعة السياحة مستوياتها السابقة. فقد بدا الوضع أسوأ بمجرد أن أدرك الناس مدى اعتماد الاقتصاد كله على السياحة: إذ تمثل 20% من الناتج المحلي الإجمالي وتوفر 22% من جميع الوظائف في اليونان. وعلاوة على ذلك، فقد كانت حلول الحكومة اليونانية، مثل تلك الخاصة بمعظم الحكومات الأخرى في أوروبا، في الأساس تبدو كسياسات تتصل بجانب الطلب.
وكما أثير توقعات سابقة، فإن هذه الإجراءات يمكن أن توفر فقط راحة على المدى القصير، حيث إنها قد تؤجل الألم فقط إلى وقت لاحق. وشهد معدل البطالة زيادة بنسبة 1.2% من مارس إلى أبريل، وبنسبة 1.3% من أبريل إلى مايو، وقد شهد ذلك انخفاضًا طفيفًا خلال فترة السياحة الصيفية. وقدرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) أن معدل البطالة سيصل إلى ما يقرب من 20٪ بحلول نهاية العام.
في غضون ذلك، فقد شهد الناتج المحلي الإجمالي انكماشًا بنسبة 14% في الربع الثاني مما يعني أن الاقتصاد اليوناني سيحتاج إلى سنوات للوصول إلى أرقامه السابقة، لا سيَّما بالنظر إلى معدل نموه الهزيل على مدى العقد الماضي.
المصدر: صندوق النقد الدولي، تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، (الإغلاق العظيم: واشنطن، صندوق النقد الدولي، أبريل 2020)
ماذا حدث؟
لقد شهدت الموازنة العامة للبنك المركزي الأوروبي زيادة هائلة من 39٪ من الناتج المحلي الإجمالي إلى 54٪ خلال الصيف. وبالمقارنة، تبلغ الموازنة العامة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي حوالي 32٪ من الناتج المحلي الإجمالي. لقد أدى ضخ السيولة عبر البنك المركزي الأوروبي إلى القضاء على عدد كبير من الشركات في الاتحاد الأوروبي، حيث وصلت ديون الشركات إلى مستويات عالية جديدة. وفي حالة اليونان، استغلَّت الحكومة الحزمة المالية الجديدة التي أقرها الاتحاد الأوروبي، والتي سمحت لها بإدامة المشاكل الهيكلية في اقتصادها إلى جانب العجز الكبير. وخلال الموسم السياحي، كانت التكاليف مرتفعة للغاية لدرجة أن شريحة كبيرة من صناعة السياحة قررت عدم العمل حتى هذا الصيف لأنها ستخسر أموالاً أقل بهذه الطريقة.
لقد أدى تدخل الحكومة إلى جعل الأمور أسوأ من خلال الفشل في معالجة أكبر مشكلة في الاقتصاد، وهي قوانين العمل غير المرنة. وبدلاً من تحرير القوانين جزئيًا، جعلتها الدولة أكثر تقييدًا وغير مرنة. لهذا السبب، فشل رجال الأعمال في التكيف مع صدمة أزمة كورونا. إن جعل التوظيف أكثر تكلفة وأكثر خطورة إنَّما هو وصفة تؤدي إلى كارثة، خاصة في ظل اقتصاد هش يفتقر إلى المدخرات والاستثمارات مثل اليونان. وفي حين أن الإنفاق لم ينجح في تحفيز الاقتصاد، لا يمكننا القول إن كان ذات تأثير سلبي فوري على المدى القصير على الأقل أم لا، حيث تمَّ تمويله في الغالب من قبل الاتحاد الأوروبي. ومن الناحية الأخرى، أصبح الائتمان والقروض الرخيصة ممكنًا من قبل البنك المركزي الأوروبي ومن خلال الضغط السياسي على البنوك، ومن ثَمَّ إطالة أمد مشكلة هيكلية رئيسية أخرى للاقتصاد الكلي مثل نقص المدخرات والمزيد من الديون. كما يعدُّ عجز الميزانية أيضًا من الأمور التي يجب معالجتها، نظرًا لأنه وصل إلى مستويات عالية جديدة، مما يجعل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عقدًا ضائعًا بالنسبة للاقتصاد برمَّته، حيث كان الهدف من “التقشف الأوروبي” هو جعل الدين أكثر استدامة.
المصدر: إيكونيميست تريدينج
كما اعترف وزير المالية اليوناني بأن التخفيضات الضريبية التي تمَّ إجراؤها خلال الأشهر القليلة الماضية لن تكون دائمة، ذلك أن الهدف الجديد لليونان هو أن يكون لديها أكبر انخفاض في الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي في منطقة اليورو. وتحدث وزير المالية أيضًا، مؤخرًا، عن برنامج تقشف جديد محتمل مماثل لبرنامج العقد الماضي. وظاهريًا، تعتبر فوائض الميزانية أمرًا جيدًا وهناك حاجة ماسة إليه، لكن من المهم ألا نعتبر أن هذه الفوائض ستصبح حقيقة. فالتخفيضات الضريبية لن تكون دائمة، لذلك يبدو أن اليونانيين سيتبعون قريبًا نفس الاستراتيجية الفاشلة التي جربوها لعقد من الزمان والتي روج لها المسؤولون الأوروبيون في بروكسل، والتي تتضمن معدلات ضرائب عالية لزيادة الإيرادات الحكومية، لكن مع وجود حد أدنى من التخفيضات على النفقات في القطاعات العامة. غير أن المشكلة لم تكن تكمن في التخفيضات الضريبية، بل في الإنفاق والعجز الحكومي. فللعجز تأثير كبير على القطاع الخاص، وهو ما يؤثر في الإنفاق. وفي نهاية المطاف، سيتعين على الأجيال القادمة سداد هذا العجز. وقد تكون الزيادات الضريبية المحتملة في المستقبل كارثة أكبر بالنسبة للقطاع الخاص، حيث سيكون العلاج أسوأ من المرض.
وقد فشلت حكومة يمين الوسط التي وصلت إلى السلطة في يوليو 2019 في تحرير الاقتصاد وإجراء إصلاحات موجهة نحو السوق، كما زاد وباء “كوفيد – 19” الأمور سوءًا. حيث لم تقم الحكومة بأي تخفيضات ضريبية كبيرة وهو ما سيكون أمرًا دائمًا. ويمكن أن يكون له تأثير كبير في تخفيف بعض الضغط على القطاع الخاص. كما كان رفع القيود من القضايا الرئيسية، حيث كان الاقتصاد اليوناني ولا يزال في أمس الحاجة إلى الاستثمار الأجنبي. ومع ذلك، لم تشهد حرية الاستثمار زيادة كبيرة، واستثمارات كبرى، وكذلك برامج البنية التحتية تبدو متأخرة كثيرًا عن الجدول الزمني. كما تمتد العوائق البيروقراطية حتى إلى السلطة القضائية، مما يجعلها غير فعالة وبطيئة مع انتشار الفساد.
المصدر: Heritage Foundation, Index of Economic Freedom, 2020
يمكن أن يمنحنا مؤشر الحرية الاقتصادية التابع لـ”مؤسسة التراث” Heritage Foundation بعض الأفكار المفيدة عن الحرية الاقتصادية للدولة في اليونان. حيث يقارن الرسم البياني التالي حرية الاستثمار في اليونان مع البلدان التي تتنافس على الاستثمار في نفس المنطقة.
المصدر: Heritage Foundation، Index of Economic Freedom، 2020
الاستنتاج
يحتاج الناس إلى فهم أنه عندما يكون لديك اقتصاد ذو إنتاجية ضعيفة ومثقل بالديون، فإن إغلاق الاقتصاد مرتين في عام واحد له تداعيات ستبقى لسنوات اعتمادًا على سياسات التعافي. ويحتاج الاقتصاد إلى إصلاحات هيكلية كبرى. حيث تحتاج قوانين العمل إلى التحرير، ذلك أن فوائض الميزانية إنما هي بالفعل الهدف الصحيح، خاصة في الوقت الراهن من أجل تجنب أزمة ديون أخرى، لكن يجب أن تأتي الفوائض من التخفيضات التي تمَّ إقرارها في القطاع العام. هنا يجب أن تصبح التخفيضات الضريبية دائمة وكبيرة حتى ينمو الاقتصاد ويتوسع. وأخيرًا، فإن جعل الاستثمارات الأجنبية والمحلية أمرًا سهلاً وأقل تكلفة، وتقليل المخاطر المحتملة، يعدُّ أمرًا ملحًا للغاية، نظرًا لأن اليونان تتفوق عليها الدول المجاورة.
فاليونان بحاجة إلى الاستفادة من إمكاناتها، ذلك أن البيئة الملائمة للأعمال مع وجود سوق متحررة هي السبيل للخروج من الأزمة؛ إذ يمكن أن تقلل من الآثار السلبية لأزمة كورونا وتقوي الانتعاش البطيء، بما يجعل البلاد أكثر إنتاجية ويعطيها احتمالات الخروج من المشاكل الاقتصادية وأن تصبح قوة اقتصادية في المنطقة.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: Mises Institute
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر