سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
سوبهاش كابيلا
في الوقت الذي تتصاعد فيه المجاملات الدبلوماسية بين الهند واليابان، من المتوقع أن يتمكن كلا البلدين من القضاء على “تهديد الصين” باعتباره ضارًا بالأمن الآسيوي ومصالح الأمن القومي لكلٍ من اليابان والهند. لكن الواقع الاستراتيجي من دون شك، يشير إلى بقاء ذلك التهديد الصيني بالنسبة لليابان والهند من خلال قيام بكين بإنشاء وكلاء للأسلحة النووية على عتبات اليابان والهند مثل كوريا الشمالية وباكستان. ذلك أن الأسلحة النووية لكوريا الشمالية وباكستان ووسائل إيصال الصواريخ متوسطة المدى، قد ظهرت إلى حيز الوجود بمساعدة الصين والمساعدة التقنية. فكوريا الشمالية تقوم بدور “الخطر الإقليمي” نيابة عن الصين في منطقة شمال شرق آسيا، أمَّا باكستان فتتميز بكونها تقوم بنفس الدور في جنوب آسيا، فيما تستهدف الهند في المقام الأول التأثير على الحدود مع دول جنوب آسيا.
لقد كانت كوريا الشمالية وباكستان من الدول المصنفة بكونها “راعية للإرهاب”، ومن الملاحظ بشكل فريد أن الصين باعتبارها تقوم بدور “راعي الخير” لم تمارس أي ضغوط على هذه الدول لكبح دوافعها الإرهابية تجاه دول الجوار.
لذلك، فمن الواضح أن لا يقتصر “تهديد الصين” لليابان والهند على الجوانب الجيوسياسية والعسكرية المباشرة فحسب، بل ربَّما يسهم في مضاعفة النزاعات الإقليمية، بالإضافة إلى التحديات التي يمثلها وكلاء الأسلحة النووية الذين تدعمهم الصين في صورة كوريا الشمالية وباكستان.
لذلك، كان ظهور شراكة استراتيجية خاصة ناشئة بقوة بين اليابان والهند استجابة منطقية استراتيجيًا لمظاهر “تهديد الصين” المباشرة وغير المباشرة المشار إليها سابقًا.
فمع انتهاء العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، يجب التأكيد على أن التهديدات التي تمثلها الصين في المحيط الآسيوي لا يمكن الحيلولة دونها، ذلك أنها تمثل الموازن الأساسي للأمن في تلك المنطقة، الذي تمَّ تصميمه لوضع ثقل موازن وجودي ضد الصين في شكل من أشكال الشراكة الاستراتيجية الخاصة بين اليابان والهند مع مناهج تطورية قوية.
هنا نلاحظ وجود آفاق استراتيجية متقاربة حول “تهديد الصين” الذي يربط نيودلهي وطوكيو بقوة في عام 2020 في إطار شراكة استراتيجية خاصة. إذ يوجد اليوم في كلا البلدين بشكلٍ ملحوظٍ وبالصدفة رئيس وزراء قوي مثل “شينزو آبي”، و”مودي”، اللذَين شرعا في اتخاذ تدابير جيوسياسية وعسكرية لتعزيز القدرات العسكرية الوطنية لدرء أي مخاطر سياسية أو عسكرية محتملة من جانب الصين ضد اليابان أو الهند.
فكلتا الدولتين تتأثر بالصراع الإقليمي الذي يواجه أية حلول لأزمات المنطقة، ذلك أن المطالبات الصينية بالمناطق المتنازع عليها تستند إلى مزاعم مشكوك فيها. حتى إن بكين أجبرت الهند على خوض حربٍ عدوانيةٍ في عام 1962 بسبب مطالبها الإقليمية المتنازع عليها. وفي حالة اليابان، أصبحت الاستفزازات العسكرية الصينية في المناطق البحرية حول جزر “سينكاكو” التي تطالب بها الصين أمرًا عاديًا.
لقد برزت الشراكة الاستراتيجية العالمية الخاصة بين اليابان والهند في مطلع الألفية وتزامنت مع النهوض العسكري للصين في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وهو ما توازى مع تحول الصين من استراتيجية “القوة الناعمة” في العقود السابقة إلى استراتيجية “القوة الصلبة” في المحيط الآسيوي، كما يتضح من المغامرة العسكرية الصينية في بحر الصين الجنوبي ما يؤدي إلى “الهيمنة العسكرية الكاملة” لهذا الامتداد البحري الحيوي للأمن والاستقرار الاقتصادي العالمي.
وبالتوازي، تشدد الصين على تصعيد المواجهات العسكرية ضد الهند على مرتفعات الهيمالايا وبالقرب من حدودها في التبت المحتلة من الصين. كما بدا ذلك في المواجهة العسكرية التي استمرت أشهر في منطقة “دوكالام” Dokalam عام 2018 عندما كانت الهند تحت قيادة رئيس الوزراء “مودي”، وذلك بخلاف ما سبق.
ومن الناحية التحليلية، تبرز بعض الأسئلة المهمة في هذا الصدد، وخاصة فيما يتعلق بردود فعل الصين وموقفها من التقارب الاستراتيجي المتزايد بين اليابان والهند وطول مدة الشراكة الاستراتيجية الخاصة بينهما.
فلا يمكن أن نتوقع من الصين أن تستجيب بشكل إيجابي لظهور أي محاولات لاحتواء سلوكها في المنطقة من خلال عبارات إنشائية، لكن على مستوى كافة الأغراض العملية التي تتفق على نفس الهدف النهائي. وهو ما يعود إلى أنه لا يمكن للصين امتلاك مساحة خالية من المساحات الاستراتيجية في المحيط الآسيوي، وكذلك المجالات البحرية دون وجود عثرات.
إن الموقف الصيني من هذا التقارب الهندي الياباني يحتاج إلى النظر فيه من منظور مختلف وعلى مستويين مختلفين أيضًا. ففي حالة اليابان، نجد أن بكين لا ترى أنها تشكل تهديدًا منفردًا بسبب قيود الحجم، وكذلك القيود المادية والبشرية. ولكن في التصورات الخاصة بالتهديد الصيني، تبرز اليابان كتحدٍ قوي عندما تضاف إليها أبعاد أخرى مثل معاهدة الأمن المتبادل بين الولايات المتحدة واليابان، وكذلك عوامل أخرى مثل إضافة كبيرة من مشاة البحرية وسلاح الجو الأميركي في المجال الياباني باعتبار أن ذلك يمثل قوة إضافية للولايات المتحدة.
فالموقف يتجه نحو تعزيز الوجود العسكري في غرب المحيط الهادئ، حتى إنه وصل بالفعل على أعتاب أقاليم “شيا” و”هيمينغ” في الصين.
ومن ثَمَّ، يصبح الموقف الصيني من التقارب الاستراتيجي المتنامي بين الهند واليابان أكثر تعقيدًا، فترى الصين أن الهند هي منافسها الاستراتيجي الرئيسي في آسيا وذلك مع الامتداد الجغرافي شبه القاري، حيث تتقارب مستويات الموارد البشرية والقوات المسلحة الضخمة التي تسعى نيودلهي من خلالها الآن لتضييق الفجوة الحالية مع الصين. فعلى خلاف اليابان، نجد أن المخاوف الاستراتيجية للصين بشأن الهند تثير قلقًا أكبر مع التمكّن من التميز فيما يتعلق بالبرامج النووية والصواريخ الباليستية العابرة للقارات القادرة على ضرب بكين.
وقد بدأت أخيرًا كل من اليابان والهند عملية مشتركة لتطوير قدرات حرب الإنترنت وحرب الفضاء الخارجي وذلك لمواكبة التقدم الصيني في هذه المجالات. بينما تتمتع الصين بميزة نسبية هنا، إلا أنه من المتوقع أن تقفز قدرات كلٍ من اليابان والهند في هذه المجالات الحساسة.
إذ لا يتم تحديد طول مدة الشراكة الاستراتيجية الخاصة بين اليابان والهند فقط من خلال “تهديد الصين” الذي ستواجهه كلتا الدولتين في العقود القادمة. فكلتاهما لديها تاريخ طويل من روابط الصداقة والتقارب الحضاري. كما أن اليابان والهند تمثلان الديمقراطيتين الناشئتين الوحيدتين بالمعنى الأدق لهذا المفهوم السياسي. بجانب ذلك فإن كلتيهما تمثل مجتمعات مفتوحة وحرة. باختصار، تُعَدُّ اليابان والهند بالفعل “حليفتين طبيعيتين”.
لقد أكدت مرارًا خلال العقد الماضي أنه في حالة اختيار الولايات المتحدة الانسحاب من الالتزامات الأمنية تجاه الهند، فإن طوكيو ونيودلهي سوف تمثلان نواة لتحالف أمني آسيوي قد تنضم إليه بلدان أخرى مثل فيتنام وإندونيسيا دون تردد.
وبالمثل كثيرًا ما رددت في كتاباتي خلال العقدين الأخيرين المعطيات الاستراتيجية المذهلة التي تتمثل في أن الصين ليس لديها “حلفاء طبيعيون” بخلاف باكستان وكوريا الشمالية. إذ إن كلتا الدولتين على وشك أن تصنفان على أنهما “حلفاء” لا يتجاوزان كونهما أدوات تسعى بكين لتوظيفهما إقليميًا.
أخيرًا، ينبغي التأكيد بشدة أنه مع عدم وجود مؤشرات على أن الصين مستعدة لاستيعاب نفسها كصاحب مصلحة مسؤول في المحيط الأمني الآسيوي، أو لديها القدرة على استيعاب التحول الجاري خلال عقدٍ من الزمان على المستوى الاستراتيجي نحو “القوة الصلبة” التي تشجع المغامرة العسكرية الصينية، يقع على عاتق كلٍّ من اليابان والهند تعزيز الشراكة الاستراتيجية الخاصة لموازنة أو إدارة التحديات التي تواجه الصين في مجال الأمن باعتبارها “قوة مراجعة”.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: مركز دراسات جنوب آسيا
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر