الولايات المتحدة والصين بعد “صفر كوفيد” | مركز سمت للدراسات

الولايات المتحدة والصين بعد “صفر كوفيد”

التاريخ والوقت : الأحد, 8 يناير 2023

خافيير سولانا – أوخينيو بريجولات

 

يمثل القرار الذي اتخذه الرئيس الصيني شي جين بينغ بالتخلي عن سياسة «صفر كوفيد» تحولاً جذرياً في استراتيجية الصين لاحتواء الجائحة.

استجاب الحزب الشيوعي الصيني بالمسارعة إلى رفع القيود المرتبطة بالجائحة. ومن المرجح أن تهيمن السياسة الداخلية الصينية على عناوين الأخبار خلال الأشهر القليلة المقبلة. لكن تأجيل فاتورة حساب الجائحة في الصين لا يجب أن يطغى على المهمة العاجلة المتمثلة في منع وقوع مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة. إذ وَفَّـرَ اجتماع مجموعة العشرين في نوفمبر في بالي بيئة مثالية للقاء بين شي جين بينغ والرئيس الأمريكي جو بايدن.ما يدعو إلى التفاؤل أن القمة اختتمت أعمالها بنبرة إيجابية. فقد أعرب كل من بايدن وبينج عن استعدادهما لإعادة توجيه العلاقة الثنائية وإعادة فتح القنوات الدبلوماسية لمناقشة، بين أمور أخرى، مكافحة تغير المناخ. من جانبه، سعى بايدن إلى طمأنة العالم إلى أن الولايات المتحدة لا تريد حرباً باردة جديدة من شأنها أن «تحتوي» الصين من خلال تنظيم تحالفات ضدها أو خنق جهود التنمية الاقتصادية هناك، وإنها ستحافظ على سياسة «الصين الواحدة».

لم يكن من المفاجئ أن يؤكد شي جين بينج أيضاً على مواقف الصين المألوفة بشأن عدد من القضايا. فمن جانبها، لا ترغب الصين في فرض نظامها السياسي خارج حدودها. أي أن الصين لا تعتبر العلاقة الصينية الأمريكية صداماً بين إيديولوجيات، حتى أنها دعت إلى إنهاء الصراع الاقتصادي والتكنولوجي الجاري الآن.

في حين أن بعض قطاعات السياسة الأمريكية تريد الانفصال عن اقتصاد الصين، فإن أغلب حلفاء الولايات المتحدة يرون غير ذلك. أثناء زيارته الأخيرة إلى بكين، أوضح المستشار الألماني أولاف شولتز أنه برغم أنه يرى العديد من المخاطر في الإفراط في الاعتماد على الصين، فإن ألمانيا لا تدعم قطع العلاقات الاقتصادية معها. على نحو مماثل، يُـبـدي حلفاء الولايات المتحدة الآخرون، بما في ذلك بقية بلدان الاتحاد الأوروبي، واليابان، وكوريا الجنوبية، رغبتهم في حماية علاقاتهم الاقتصادية والتكنولوجية مع الصين، وخاصة في زمن الضائقة المالية.

يشير المعلقون إلى أشباه الموصلات على أنها «نفط» القرن الحادي والعشرين. في شهر أكتوبر، قررت إدارة بايدن تقييد قدرة الصين على الوصول إلى تكنولوجيات تصنيع الرقائق، وهو الإجراء الذي سيؤثر بدرجة كبيرة على الاقتصاد الصيني ويضع كلتا القوتين على مسار تصادمي.

أثارت هذه التدابير أيضاً مخاوف قديمة. فبعد أن وصلت الصين متأخرة إلى الثورة الصناعية، خسرت حروب الأفيون في القرن التاسع عشر لصالح بريطانيا العظمى. لكن الصينيين تعلموا الدرس ويطمحون الآن إلى أن يكونوا في الصدارة التكنولوجية. ونظراً لأهمية التطور التكنولوجي باعتباره ركيزة أساسية للقوة العسكرية لأي دولة، فليس من المستغرب أن تعتبر الصين تصنيع الرقائق الإلكترونية حتمية لتعزيز أمنها القومي.

من منظور الصين، يعادل الهبوط إلى مكانة القوة التكنولوجية من الدرجة الثانية الخضوع للقهر من قِـبَـل دول تتمتع بقدرات عسكرية متفوقة. ورغم أن حرب الرقائق الإلكترونية بين الولايات المتحدة والصين يمكن اعتبارها مجرد جزء من المنافسة الاستراتيجية الطبيعية بين القوى العظمى، فإن وجهة النظر الصينية أقرب إلى وجهة نظر مارتن وولف من صحيفة فاينانشال تايمز، الذي وصف القيود الأمريكية على أشباه الموصلات مؤخراً بأنها «عمل من أعمال الحرب الاقتصادية».

في عالَـم تتحدد هيئته على نحو متزايد بفعل الخصومة الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين، يطالب الاتحاد الأوروبي بقدر أعظم من الاستقلالية الاستراتيجية، وهذا من شأنه أن يخلف تداعيات جيوسياسية كبرى. سوف تكون إحدى مهام الاتحاد الأوروبي الرئيسية خلال السنوات القليلة المقبلة تحديد موقفه من الصين بشكل أكثر وضوحاً، دون أن يلحق الضرر بالدور الذي يضطلع به كوسيط بين الصين والولايات المتحدة.

الحق أن معالجة المشكلات الأكثر إلحاحاً التي تواجه البشرية ــ وخاصة الأزمات العالمية مثل تغير المناخ، والتعافي الاقتصادي، وفيروس كورونا، وانتشار أسلحة الدمار الشامل ــ تتطلب التعاون على أساس متعدد الأطراف. لكن المجتمع الدولي لا يستطيع حل أي من هذه المشكلات في غياب قدر ضئيل من الثقة بين القوتين العظميين في العالَـم. أشار اجتماع بايدن وبينغ في إندونيسيا إلى أن بعض الأمل لا يزال باقياً. وعندما يتعلق الأمر بالتوصل إلى كيفية التصدي لتحديات القرن الحادي والعشرين، فقد أشارت بالي إلى الطريق.

 

المصدر: صحيفة البيان

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر