الواقع الافتراضي وتعزيز الإرهاب العابر للحدود | مركز سمت للدراسات

الواقع الافتراضي وتعزيز الإرهاب العابر للحدود

التاريخ والوقت : السبت, 9 أبريل 2022

نور الشيخ

 

تسارعت وتيرة الحركة والأحداث حتى إنها أصبحت أسرع من زمن دوران الأرض حول محورها، وتزاحمت الأخبار والمعلومات والبيانات داخل الغلاف المعلوماتى حتى أضحينا لا نفرق بين الكاذب منها والصادق، التلقائى والموجه. ومع تلك السرعة ومع تعدد الغلافات المعلوماتية، تغيرت تعريفات العديد من القضايا بتعدد أطرافها واختلاف أهدافها وتكاثر الوسائل المساعدة، ليس هذا فحسب بل تطورت وتبدلت علوم وإجراءات بأخرى.

كان أكثر المتفائلين سابقاً لا يستوعب التغيير الكامل فى الأدوات المستخدمة للسيطرة على العالم والمجتمعات الأمنة، وهو تغير كامل فى أدوات إثارة الفتن وبث الفرقة، ويمكننا القول إنه تطور استراتيجى كامل ترتبت عليه تغيير خططى وتكتيكى استوجب الخوض أولا فى تصحيح المفاهيم والتعريفات والولوج إلى مفردات التطور  السريع لتحديد سُبل الوقاية والمقاومة.

« الخطأ في تسمية الأشياء يزيد من بؤس العالم » Albert Camus

دأبت دول العالم على مقاومة الإرهاب داخل وخارج حدودها فى ظل عدم وجود تعريف حاسم وواضح وجامع يحول دون تفشى هذا الوباء ويحول دون وضع استراتيجية وقاية ومقاومة فعالة، وتطورت التعريفات مع الزمن بتطور المعاناه من ويلات الإرهاب .

تعريف الإرهاب لغة واصطلاحا:

– الإرهاب لغة:

استخدمت للإرهاب كلمات متقاربة المعنى في اللغات الحية ، ففي اللغة العربية يعود جذر الكلمة اللغوي إلى الفعل الثلاثي ( رَهّبَ ) ، الذي يعني أخاف الطرف الآخر . وفي المعاجم العربية تعني لفظة الإرهاب الذكر المصحوب بالفزع والخوف والذي ينجم عنه اضطراب في الحركة والتفكير.

وفي اللغة الفرنسية، استخدمت الكلمة (Terrorisme) لوصف الحالة التي شهدتها فرنسا في أثناء حكم روبسبير لفترة ( 1793 ـ 1794 ) والتي استخدمت فيها القوة بشكلٍ لم تألفه فرنسا في تاريخها السابق من حكم روبسبير.

وفي الـــلغة الإنجلـــــــيزية تعــني كلمة Terrorismسياسة أو أسلوبا يراد به إرهاب أو فزع الخصم أو المعارض للحكومة  .

وبصورة عامة فإن الإرهاب لغويا يشير إلى الترويع وإفقاد الأمن بمعناه الأوسع ، بهدف تحقيق منافع معينة ، وهو مجموعة أعمال العنف ( فردية أو جماعية ، تدمير ، تخويف ) الذي تقوم به جماعة سياسية للتأثير  في الناس وخلق جو من عدم الأمان بغية تحقيق بعض الأهداف ذات الطبيعة السياسية.

كلمة «الإرهاب» ذكرت في قواميس اللغة الإنجليزية لأول مرة عام 1798 كمعنى للاستعمال المنهجي للرعب كسياسة… في الأوقات الحديثة، يشير  «الإرهاب» عادة إلى قتل الأشخاص من قبل ناشطين سياسيين غير حكوميين لأسباب سياسية، وقد بدأ هذا مع الراديكاليين الروسيين في 1870.

أما وكالة المخابرات المركزية الأمريكية فقد حددت الإرهاب عام 1980كما يأتي:
«الإرهاب هو التهديد باستعمال العنف أو استعمال العنف لأغراض سياسية من قبل أفراد أو جماعات، سواء كانت تعمل لمصلحة سلطة حكومية قائمة أو ضدها، وعندما يكون القصد من تلك الأعمال إحداث صدمة، أو فزع، أو ذهول، أو رُعْب لدى المجموعة المُسْتَهدَفَة والتي تكون عادة أوسع من دائرة الضحايا المباشرين للعمل الإرهابي».
أما لجنة الخبراء العرب التي اجتمعت في تونس، في الفترة من 22 الى 24 أغسطس 1989 لوضع تصور عربي أولي عن مفهوم الإرهاب والإرهاب الدولي والتمييز بينه وبين نضال الشعوب من أجل التحرر، فقد وضعت تعريفًا يعد أكثر الصيغ شمولية ووضوحًا. حيث ينص هذا التعريف على أن “الإرهاب هو فعل منظم من أفعال العنف أو التهديد به يسبب فزعًا أو رعبًا من خلال أعمال القتل أو الاغتيال أو حجز الرهائن أو اختطاف الطائرات أو تفجير المفرقعات وغيرها، ما يخلق حالة من الرعب والفوضى والاضطراب، بهدف تحقيق أهداف سياسية، سواء قامت به دولة أو مجموعة من الأفراد ضد دولة أخرى أو مجموعة أخرى من الأفراد، في غير حالات الكفاح المسلح الوطني المشروع من أجل التحرير والوصول إلى حق تقرير المصير في مواجهة جميع أشكال الهيمنة أو قوات استعمارية أو محتلة أو عنصرية أو غيرها، وبصفة خاصة حركات التحرير المعترف بها من الأمم المتحدة ومن المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية بحيث تنحصر أعمالها في الأهداف العسكرية أو الاقتصادية للمستعمر أو المحتل أو العدو، ولا تكون مخالفة لمبادئ حقوق الإنسان». وأوضح التعريف أن نضال الحركات التحررية يجب أن يكون منسجمًا مع أغراض ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة وسواه من قرارات أجهزتها ذات الصلة بالموضوع.

وفى خطاب فخامة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي فى  اجتماعات الدورة الـ 74 للجمعية العامة للأمم المتحدة، بنيويورك، للمرة السادسة على التوالي، ألقى سيادته كلمة مصر  قائلاً: “الإرهاب ينطبق عليه مبدأ ضرورة المعالجة الشاملة، فقد طالبت مصر دائما باتباع نهج شامل لمكافحة الإرهاب، يقوم على ضرورة التصدى لجميع التنظيمات الإرهابية دون استثناء”، مؤكدا ضرورة التزام الجميع بالتنفيذ الكامل لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وضرورة محاسبة داعمي الإرهاب بالمال أو السلاح، أو بتوفير الملاذات الآمنة، أو المنابر الإعلامية، أو التورط في تسهيل انتقال وسفر الإرهابيين. وتم إعتماد مبادرة سيادته بالقرار رقم 2354/2017 .

ومن هنا ووفق الاستراتيجية المصرية الحديثة، وجب علينا أن يكون هناك تعريف للإرهاب أكثر تبسيطا، وأوسع مجالا ليتناسب مع أشكال الإرهاب اليوم والتى قد نذهب إلى تسمية أنواع منها بالإرهاب الناعم.

ويعرف الكاتب الإرهاب بــ ( هو كل فعل ينطوى على عمل من شأنه تحجيم إرادة الغير عن طريق بث الرهبة والخوف).

من الجغرافيا الطبيعية إلى الجغرافيا الافتراضية:

انتقلت الولاءات والانتماءات من الجغرافيا الحدودية المعروفة إلىأراضٍ افتراضية لا يحكمها أحدتتغذى على معلومات الفرد وتنتج له معلومات واقتراحات وترشيحات موجهة، تحافظ على وجودهداخل إقليم افتراضى جديد من خلال شبكات التواصل الاجتماعى.

تعتبر شبكات التواصل الاجتماعي تفاعلية، تتيح لمستخدميها التواصل في أي وقت وفي أي مكان في العالم. وقد انتشرت في السنوات الأخيرة، وكان من أبرزها فيسبوك وتويتر ويوتيوب، لتحدث في زمن قياسي تأثيراً عابراًللحدود، وتزيد من كثافة وسرعة الحركة العولمية والتأثيرات المتبادلة على المستويات المختلفة، بحيث أضحى أي تفاعل يحدث في أي منطقة في العالم يترك تأثيره في المناطق الأخرى. ومع تزايد اعتماد الفاعلين من غير الدول في تحركاتهم الخارجية على الجمع بين أدوات القوة الناعمة والصلبة، زاد الاعتماد على هذه الشبكات، ما جعل الجماعات الإرهابية لا تعتمد على القوة العسكرية فقط في تحقيق أهدافها، بل لجأت إلى استخدام وسائل الاتصالوالإعلام وشبكة الإنترنت والمواقع الإلكترونية بشكل واسع ودعائي لأفكارها وتحركاتها، وأيضا للحصول على الدعم المادي والمعنوي، وكأداة جديدة لنشر أفكارها المتطرفة ومعتقداتها، وزيادة عدد المنتمين لها عبر تجنيدهم باستخدام تلك المواقع العابرة للحدود القومية. ومن دون استخدام تلك الأدوات، لم يكن بمقدورها أن تحقق أهدافها مع توفير ذلك الوقت والجهد، بالإضافة لميزة الابتعاد والتخفي بعيداًعن قبضة الأجهزة الأمنية للدو ل المستهدفة.

وهذا التطور يفرض علينا مواكبته، لا المعايشة أو المهادنة، يفرض علينا تطوير أدوات الوقاية والمقاومة، فنرى اليوم الإرهاب الناعم، وإن كان المفهوم جديداً بعض الشىء، فإنه معمول به فى العقدين الأخيرين، وهو الترويع والإرهاب الافتراضى للمواطنين على صفحات التواصل الاجتماعى، فلم يعد الإرهاب هو القتل المادى الملموس فقط بل أصبح ترويع الآمنين والضغط عليهم بطريقة الأغتيال المعنوى.

الاستخدامات  العميقة لمواقع التواصل الاجتماعى:

يستخدم الإرهابيون شبكات التواصل الاجتماعي ليس لبث ثقافة التطرف والتجنيد وتمويل أنشطتهم الإرهابية وتخطيطها وتنفيذها فحسب، بل للاغتيال المعنوى و هو بث اليأس والإحباط والتشكيك فى الثوابت القومية والتقليل من شأن الشخصيات العامة والقادة والمؤسسات الوطنية، إما عن طريق عمليات الإلهاء وتضارب الآراء عن طريق الإشاعات الموسمية ونصب محاكم تفتيش رقمية  لحساب الأفراد أو إشاعات تشويهالسمعة أوالإشاعات الإحصائية وإشاعات الخوف.

فن الإلهاء هو إحدى أهم أدوات أو استراتيجيات الحرب النفسية و هو من الوسائل المستخدمة من قديم الأزل وعلى نطاق واسع أفراداًوحكومات. فالإلهاء أوتشتيت الانتباهيعني تحويل انتباه الشخص من حدث أو موضوع رئيسى إلى آخرفرعى بغرض صرف انتباهه عن الحقيقة إلىى أىمؤثرات أخرىتحول دون إيمانه بالأمر أو  إنجازهلأمر، والحفاظ على الحالة السلبية المنسوجة من حولهكشباك العنكبوت.

فتطلعنا وسائل التواصل الاجتماعى بشكل دورى على أزمات مفتعلة خيالية تستقى حجتها من كثرة الترديد فقط عن ظهور بقرة بخمس أرجل، أوظهور زائف للمهدى المنتظر أوشاهد قبل الحذف أوشاهد بعد الحذف والممثل الفلانى فى وضع مخل مع الفنانةالفلانية إلخ، والسجادة الحمراء و”التريننجالبراند” والساعة البراند” إلى آخره.

يقول هرمينان روسشنج، سياسى ألمانى فترة الحرب العالمية الثانية ومن المقربين لهتلر  فى كتابة، (مذكرات هتلر) أوصوت التدمير إن( أسلحتنا هى الارباك العقلى وتضارب المشاعر واشاعة الذعر واثارة التردد وعدم استطاعة خصومنا الخروج بقرار حاسم)1933-1934.

الاستخدامات الرقمية للحرب النفسية:

ومن وسط علميات الإلهاء تمارس المنظمات الإرهابية عملها فى معزل تام عن أعين الأفراد والأجهزة الأمنية، سواء كان عمليات تجنيد أوتدريب أواستقطاب أوتمويل أوتخطيط، فهى لم تترك لك المساحةالكافية للتفكير فى الأمور المهمة بل تواصل توجيه الأنظار إلىالموضوعات  التى تطرحها بكثافة فى صورة تريند لينشغل بها المجتمع ككل، فلا يلتفت أحد للقضايا المهمة أولتوقع عمل تلك المنظمات أودراسة نمط تحركاتها الإلكترونيةلانشغالهم بموضوعات روج لها بأنها غاية الأهمية الآن.  فكل هذهالعمليات هى الفارق الجوهرى بين الحرب النفسية الإستراتيجية التى تتميز  بالاستقلالية وعدم ارتباطها بزمن أوحدث أوعمليات عسكرية. والحرب النفسية كاستراتيجية مكملة للعمليات العسكرية قديماً.

الحرب النفسية الاستراتيجية: تتميز بالشمول والامتداد لأنها توجه إلى جمهور كبير ومساحة شاسعة وغير محددة بزمان أو مكان فهى تشمل الجسد القومى بأكمله وهدفها الأساسى التأثير فى الآراء ووجهات النظر والسلوك لمساعدة السياسة الخارجية فى تحقيق أهدافها، فهى تسعى لاستغلال الأوقات الصعبة وفترات التدهور الاقتصادى والعجز فى المواد الغذائية وفترات الانحطاط الاجتماعى وفترات المقاومة والإصلاح الاقتصادى وفترات النمو، ولا تستهدف تحقيق انتصار شامل وإنما خلخلة وتقويض المقاومة الوطنية.

تستخدم الحرب النفسية الاستراتيجية كل الأساليب النفسية من محاولات الضغط على الخصوم و تقسيم المعسكرات الرياضية لزيادة حدة التراشق، زيادة وتيرة الفتن الطائفية، بجوار أساليب الشائعات المستحدثة وفق الاستراتيجية الأفقية.

ومن أساليب الحرب النفسية المستخدمة من المنظمات الإرهابية ( الضغط على الخصم، استثارة النخوة الدينية، ونشر الفوضى، النكتة، التشكيك، الإلهاء) .

الحرب النفسية فى الواقع الافتراضى:

فى عصر العولمة والرقمية انتقلت ساحة المعركة إلى الوسائل الافتراضية عوضا عن المواجهات المباشرة فعلى سبيل المثال انتقل التجنيد المخابراتى من الطرق المباشرة والتى اعتدناها سابقا فى الأعمال السينمائية إلى وسائل التواصل الاجتماعى والديب ويب والديب فيس بوكوت عرف  فى بعض الأحيان بالتنمر الإلكترونى وفى أحيان أخرى بالإرهاب الإلكترونى نظراً لأنه ينتشر فى وسائل التواصل الاجتماعى، وفى حقيقة الأمر فالحروب النفسية والشائعات الآن أصبح موطنها الأصلي هو العالم الافتراضى ووسائل التواصل الاجتماعى بنسبة تتخطى التسعين فى المائة، ولكن نقصد هنا بالحرب النفسية الإلكترونية أو التنمر الإلكترونى أو الإرهاب الناعم هو طريقة استخدام محددة وهو ممارسة هذه الأساليب ( التنمر، الإرهاب ) بالكتابة أو فى صور أو ڤيديوهات لإخافة وإرباك آخرين، لإيقاف هواهم أو رغبتهم فى ابداء رأيهم فى منابرهم.

فنجد مثلاً فى الصفحات الرسمية للوزارات والحكومات المختلفة، ومن المعروف أن الصفحات الرسمية لهؤلاء هى صفحات إخبارية من الطراز الاول ومن المفترض أن يدخل عليها المهتمين بتلك الأخبار ثم أصحاب الشكاوى ثم أصحاب الاقتراحات، ولكن تتفاجئ بوجود جيش من الإرهابيين الإلكترونيين كل هدفهم التقليل من شأن الحدث والتشكيك فى الحدث والهجوم اللاذع على شخص الصفحة ( المسئول) وتكييل الاتهامات، والهدف الأهم فى هذه الحالة هو إيقاف تقدمك نحو هدفك وإبداء رأيك والإعلان عن تأييدك للشخص أو للحكومة أو للدولة.

وتنتشر هذه الظاهرة فى التعليقات وليس فى صورة منشور مستقل حتى إذا ما قررت التعليق فتجد أمامك مجموعة من البلطجية يتناوبون الاعتداء على الأبرياءأمثالك بهدف إشاعةالذعر ومنع رغبتك فى الكتابة خوفاً من الإصابة باللعنات والشتائم.

فتمرير أكاذيبهم عبر التعليقات هو أحدث الوسائل المستخدمة فى إرهاب المواطنين الصالحين. هو لا ينتظر دخولك إلى صفحاته المشبوهة، ولكنه يهرول إلى صفحاتك أنت أيضاً يغزوها لينفرك منها ومن أرائك ويحيط مجتمعك الإفتراضى البسيط، حتى يصيبك بالإختناق فتسرى عليك أحكام الدعاية وتكون فريسة سهلة من كثرة تضييق الخناق تماماً  كدور الاعلانات التى تحيط بك فى الشوارع والميادين وأعلى الكبارى فمن شأنها التأثير على عقلك اللاواعى حتى يتخذ عقلك الواعى القرار بتجربة أى من هذه المنتجات التى اقتحمت طريقك أثناء الذهاب أو العودة.

وفى هذه الأثناء لا نغفل عن دور الشائعات التى من شأنها  التأكيد على عمليات الإلهاء، فالاستراتيجية الأفقية تعمل بكل الأسلحةفى وقت واحد بخلاف ما كان يتم العمل به قديما يتم بشكل فردى، حيث تُطلق الشائعة تلو الأخرى بعد أنتكون الأولى قد أتت ثمارها، وتطلق أدوات الحرب النفسية تلو الأخرى بعد أن تكون قد نصبت الفخ وتم اصطياد الفريسة إنما اليوم تطلق جميع القاذفات الإلكترونية أسلحتها فى وقت واحد وبشكل مستمر لتنفيذ عمليات الإرباك العقلى وعدم التوحد والخروج بقرار حاسم.

أنواع واستخدمات مختلفة للشائعات:

تهدف الشائعات لاستثارة الغرائز الحيوية للإنسان فتثير قلقهنحو أمور يهتم بها، وما أنيقع الإنسان فريسة للقلق حتى يصبح مهيأ لقبول واستقبال الشائعات المناسبة لاهتماته، ويّعرف القلق الشخصى  بأنه:

 الحالة الوجدانية التى يقترن بها الخوف من النتائج السيئة للأحداث الحالية أوالمتوقعةفنجد أنالقلق الشخصى من محفزات الفرد لاستقبال الشائعةأوحتى لترويجها ،فكونها محفزاً او دافعاً لاستقبالها وتصديقها هو بالأمرالمفهوم والمقبول فالانسان تحت وطأةالتوتر والقلق يبحث عن خبر ما يطمئنه أويقضى تماما على أحلامه، فالإنسانيكذب الصدق إذاما خالف هواه ويصدق الكذب إذاما صادف هواه.

وفى العصر الرقمى أصبح تعداد متابعة ونشر الإشاعة فى الوسائط الرقمية هو الحُجة، فأصبحت حُجة كثرة الترديد بديلا لوجود المصدر، وبالتالى تحول القلق الشخصى إلىقلق جمعى، وباتت الشائعة تخاطب الجموع فى وقت واحد، وتؤثر فيهم فى وقت واحد.

التجنيد فى الواقع الافتراضى:

وعليه وفى هذهالأثناء نرى نوع جديد من الشائعات لم يكن موجوداًقديماً، فى الكتب أوالتعريفات وهو الشائعات الإحصائية وهى أولىدرجات التجنيد الإلكترونى والغرض منها الفرز والتجنيب، فهى شائعة لا تخاطب أى عقل أومنطق ولا تحتوى على أىشئ من الحقيقة الشائعة الحقيقية أوشائعة تشوية السمعة أوشائعة الخوف ولكنها كاشفة لحجم الإرتباط بالشائعات والأكاذيببشكل عام يتم من خلالها فرز وتصنيف المواطنين إلىإهتمامات، فنرى شائعات تمس الأمورالدينية يهرول إليهاالمهتمون بالشئون الدينية بعد استثارة نخوتهم الدينية بشكل لا يمت للحقيقة بصلة، ونرى شائعات تمس الحلم المادى للمواطن وهو حلم الثراء  ونرى شائعات تمس الغريزة الجنسية وشائعات أخرى تمس المهتمين بالشئون ذات السلطة او السياسية وتلك هى أهم مداخل التجنيد ( الغريزة، الجنس ، المال، العقيدة).

فإذا ما  انجرفت مع التيار المقرب لك تجد هناك مجتمعا مشابها لاهتماماتك يسعى باستمرار للحفاظ على تلك الحالة والهالة المفروضة من حولك لتظل تحت تأثيره لسهولة تمرير العديد من الأكاذيبمن خلالهاأومضمون إيمانك بها، وتبدأ هنا مرحلة المجموعات المغلقة لتعزيز المفاهيم الخاصة لاهتماماتك، كل هذا وأنت لا تعلم أنك فى مرحلة تجنيد، ببساطة أصبح التجنيد فى العصر الحديث هو تجنيد للعقل اللاواعى .

يظن البعض أن قنوات اليوتيوب هى المسئولة عن تدريب المجندين الجدد، ولكن فى حقيقة الأمر دور منصة اليوتيوب لا يتعدى المحاضرة النظرية أو عرضا لبعض القدوات لمحاولة محاكاتهم والرغبة فى الوصل لمكانتهم الجهادية أو البطولية، ولكن المحاكاة الأصلية أو مرحلة التدريب المهمة تكون فى ألعاب الڤيديو ، والألعاب الإلكترونية.

لقد  انتهى عصر المشاهدة وبدأنا عصر المحاكاة وهو ما تعززه شركة ميتا الأن (فيسبوك سابقاً) بدأنا عصر القتل أونلاين كحادثة كرايستشيرش 2019، والتى فيها نفذ الشخص المسلح الهجوم على مسجد النور في شارع دينز أفنيو في ريكارتن حوالي الساعة 13:45 بتوقيت نيوزيلندا. وبث هجومه بثًا مباشرًا على موقع فيسبوك وقال فيهِ إنه يدعى برينتون تارانت (28 عاما) مولود في أستراليا، وأنه من المؤمنين بضرورة سيادة البيض في العالم. وكانت الأسلحة التي استعملها تارانت مكتوبا عليها باللون الأبيض أسماء لأشخاص قد شاركوا في نزاعات تاريخية وحروب ومعارك ضد المسلمين منذ زمن بعيد. وقبل إطلاق النار مباشرة قال تارانت تذكروا أن تشتركوا في قناة بيوديباي لتشاهدوا القصف المباشر.

وحادث أخر في ليلة أول أكتوبر 2017 فى حدود الساعة 22:08 حسب التوقيت المحلي، حيث أطلق الأمريكي ستيفن بادوك النار من غرفة فندق على حاضري الدورة السنوية الرابعة لمهرجان هارفست 91 لموسيقى الكانتري في لاس فيغاس ستريب، ببارادايس  وخلف الهجوم 58 قتيلا ومئات الجرحى ويعتبر حادث إطلاق النار هذا هو الأكثر دموية في تاريخ الولايات المتحدة.

إخراج مشاهد عمليات القتل هذه هى مشاهد أصلية فى ألعابالقتال الأونلاين وألعاب الفيديو، حيث يتم تجميع فريق العمل فيها من كل أنحاء العالم دون معرفة سابقة ولكن ما أدراك أن يكون أحد اللاعبين معك هو مدربا إرهابيا عتيدا، موجودا لصقل شغفك بإراقة الدماء، دون أن تدري؟

فلسفة الألعاب الالكترونية ليست فى الوقت الضائع فيها، بل فى الانتصار الافتراضى والإبداع الافتراضى والشعور الزائف بالسعادة الافتراضية لانتصارات افتراضية ، فمن الممكن أن تفور ببطولة كأس العالم لكرة القدم على البلاى ستيشن لكن فى اللعبة الواقعية أنت لا تقوى على فعل الحركات نفسها، وتقديم الأداء نفسه، بإمكانك جنى محاصيل زراعية وتصبح من أكبر إقطاعيى  العالم ولكن فى واقع الأمر أنت لاتملك شيئا ، فيظن بعض اللاعبين أنهموفقاًلهذه السعادة الزائفة بإمكانهم غزو العالم، وفى حقيقية الأمر هم لا يقدرون على تحقيق أبسط أحلامهم .

الألعاب الإلكترونية وسيلة لتحقيق الذات افتراضيا لتزدادا الفجوة بين الواقع والخيال ويزدادسخطك على الواقع الفعلى لأنه لا يسبب لك السعادة فنشوة النصر المزيفة أعطتك الشعور بأنك شخصية ناجحة ومظلوم ولم تحصل على الفرصة المناسبة.

الألعاب الإلكترونية ليست هدفا فى حد ذاته وبيع  الألعاب الإلكترونية بملياارت الدولارات ليس هو الغاية، الربح من بيعها ليس هو المنتهى ولكن تغير السلوك البشرى بما يخدم أطماع أسياد التجارة والسياسة هو الهدف تحويل دفة القيم هو الهدف فقد السيطرة على الذات البشرية هو الهدف، لتسهيل تمرير المزيد من البضائع الأخرى والأفكار الأخرى، للمزيد من الاحتلال الفكرى والتجارى والسياسىى، فكيف لاتكون هى مسرح العمليات والتدريب .

ومن سمات  التجنيد الإلكترونى للعقل اللاواعى، عدم نسب العمليات المنفذة أو الأراء المتطرفة إلى منظمة بعينها أوجهة بل هى تعزيز لنظرية الذئاب المنفردة التى تم اعتمادها فى العمليات الإرهابية فى السنوات الخمس الماضية، وهنا يبدأ منفذ العملية فى الانتباه أنه بلا منظمة أو مجموعة عمل. الوضع أصبح مختلفا تماماً عما يشاهده تليفزيونياً أو عبر اليوتيوب.

ماذا بعد؟

لا مفر من الاستمرار فى معركة القرن، معركة التكنولوجيا والفضاء الرقمى، المعركة التى ستكون الغلبة فيها لصاحب الكم الأكبر من المعلومات والمعارف، الغلبة فيها للمحرك والمتحكم فى العوالم الافتراضية المختلفة، لأنه لا يوجد فى هذه المعارك سوى مقعدين مقعد للمشاهدة والقبول والرضوخ للأمر الواقع،  ومقعد للمتحكمين الفارضين أسلوب إدارتهم على المشهد.

·  توطين التكنولوجيا هو حجر زاوية فى الحرب التكنولوجية الحالية والقادمة،فمن يملك الأدوات والمبادرة يملك المستقبل وحصة فى الإدارة لا يستهان بها.

·  تحفيز الوعى الجمعى والفردى نحو مخاطر عدم فرز المعلومات وتحرى المصادر وأن تظل مستخدما تابع فى الوقت الذى يتناحر العالم فيه حول الريادة التكنولوجية.

·  يحتاج العالم إلى صحوة  سريعة مع زيادة جرعات التوعية حول استخدامات الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى، فكيف يلهو الشباب يوميا بالألعاب الإلكترونية فى الوقت الذى يسعى فيه شباب آخر إلى اختراع ما يفيد العالم ويعزز من مكانته فى إدارة المشهد؟ يحتاج العالم إلى صرخة استفاقة من الحياة الافتراضية والعمل على أرض الواقع  نحو مستقبل أفضل.

المصدر: مجلة السياسة الدولية

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر