الهند واتفاقيات التجارة الحرة | مركز سمت للدراسات

الهند واتفاقيات التجارة الحرة

التاريخ والوقت : الإثنين, 1 نوفمبر 2021

د. ذِكْرُ الرحمن

 

لسنوات عديدة، كانت الهند حذرة من اتفاقيات التجارة الحرة وسط ضغوط محلية ضد انفتاح السوق الهندية.

لكن جائحة فيروس كورونا التي أثّرت سلباً على الاقتصاد دفعت الحكومةَ إلى إعادة التفكير في إبرام اتفاقيات تجارة حرة مع دول أخرى. وتعمل الهند على تسريع وتيرة المفاوضات بشأن عقد مثل هذه الاتفاقيات مع دول ومجموعات مختارة على مدار عام ونصف العام بعد أن آثرت الانسحاب من «الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة»، أكبر صفقة تجارية في العالم.

وبعد أن ألحق فيروس كورونا باقتصادها ضرراً كبيراً، وبعد المخاوف من استبعادها من الأسواق العالمية، تعمل الهند على تسريع مفاوضاتها مع بلدان عدة مثل دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا وكندا وبلدان الاتحاد الأوروبي.

وهذا يغيّر سياسة الانطلاق البطيء التي وجدت الحكومات المتعاقبة أنها صعبة سياسياً بسبب معارضة المجموعات المحلية. في عام 2019، آثرت الهند الانسحاب من الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة التي تضم جميع أعضاء مجموعة «الآسيان» العشرة والشركاء الرئيسين –أستراليا والصين ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية– على خلفية معارضة محلية شديدة من جانب بعض الصناعات.

وتواجه الهند عجزاً تجارياً مع 12 من أصل 15 عضواً في «الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة».

وكان القلق بشأن تدفق البضائع الصينية من بين عدة عوامل وراء قرار الهند الانسحاب. فقد كانت الهند حذرة بشأن فتح أسواقها أمام الصين بسبب العجز التجاري الذي بلغ 53.56 مليار دولار في عامي 2018 و2019. ويعد العجز التجاري أحد العوامل الرئيسة الأخرى التي أدت إلى تباطؤ الهند في إبرام مثل هذه الاتفاقيات. وصرح مركز الأبحاث التابع للحكومة الهندية (نيتي إيوج) مؤخراً أن العجز التجاري للهند مع دول الآسيان وكوريا واليابان قد زاد بعد إبرام اتفاقيات التجارة الحرة. وأشار إلى أن واردات الدول الشريكة في هذه الاتفاقية إلى الهند فاقت صادرات الهند إلى تلك الدول بعد توقيع على الاتفاقيات.

لكن في عالم ما بعد الجائحة، يبدو أن الحكومة الهندية أعادت النظر في رؤيتها. وفي حين أنه من غير المرجّح أن تعيد الهند فتح باب الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، فإنها تمضي قدماً في العديد من الصفقات التجارية الأخرى. فهي ترمي إلى إبرام صفقة تجارية تعتبر بمثابة حصاد مبكر، حيث يُنظر إليها على أنها مقدمة لاتفاقيات التجارة الحرة، مع أستراليا بحلول ديسمبر 2021، حتى مع استمرار المفاوضات بشأن إبرام اتفاقية ثنائية للتعاون الاقتصادي الشامل. وتتيح اتفاقيات الحصاد المبكر للبلدان تجنب القضايا الخلافية والتفاوض بشأن تخفيضات الرسوم الجمركية على أنواع مختارة. ومن المقرر أن تُستأنف المحادثات التجارية بين الهند والاتحاد الأوروبي بعد خمس سنوات من توقفها، بينما تعمل الهند والمملكة المتحدة أيضاً على إبرام اتفاقية حصاد مبكر.

ومن ناحية أخرى، تجري الهند حالياً مفاوضات بشأن إبرام عشرين اتفاقية تجارية، أسرعها اتفاقية بين الهند ودولة الإمارات العربية المتحدة. فقد بدأ البلدان مفاوضات رسمية بشأن اتفاقية تسمى أيضاً اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة. ويسعى البلدان إلى توقيع الاتفاقية بحلول مارس من العام المقبل. تُعد الاتفاقية ذات فائدة للبلدين، إذ تمنح دولة الإمارات ميزةً في واحد من أكبر الاقتصادات في العالم. ومن جانبها، تعتبر الهندُ دولةَ الإمارات بوابة لأفريقيا وأجزاء أخرى عديدة من العالم، كما تضم جالية هندية كبيرة، وهي سوق ضخم لمنتجات متنوعة مثل المنسوجات والأحجار الكريمة والمجوهرات والجلود والأحذية والمنتجات الغذائية.. بالإضافة إلى أنها توفر فرصاً اقتصادية مهمة.

من جانبه، وصف وزير التجارة والصناعة الهندي بيوش جويال هذا الشهر المفاوضات مع المملكة المتحدة وأستراليا وكندا وبنجلاديش والاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي بأنها تكتسب «زخماً إيجابياً».

وما زاد من الحاجة الملحة لإبرام هذه الاتفاقيات هو أن الصادرات الهندية تعمل بشكل جيد حالياً بسبب الانتعاش في الأسواق العالمية والطلب المحتجز. وقد سجلت صادرات البضائع من الهند رقماً قياسياً بلغ 35.43 مليار دولار في يوليو 2021، وهو أعلى مستوى تصل إليه في تسع سنوات. وكانت هذه الزيادة بنسبة 49.91% مقارنة بنفس الشهر من العام السابق.

وأكدت الحكومة، التي تهدف إلى رفع قيمة الصادرات إلى 400 مليون دولار في هذه السنة المالية، لوزارة الصناعة أنها ستجري مشاورات قبل أي اتفاقية للتجارة الحرة. وهو تحول مشجع ومن شأنه أن يدفع الإصلاحات التي أجرتها الحكومة خلال الوباء للمساعدة في دفع الاقتصاد، وسيساعد الهند أيضاً على القيام بدور أكبر في سلسلة التوريد العالمية.

لقد جعل الوباءُ البلدانَ تدرك أنها بحاجة إلى تنويع سلاسل التوريد بعد مواجهة الكثير من الاضطرابات بسبب الوباء. وفي الهند، تضمنت الإصلاحات تقديم حوافز مرتبطة بالإنتاج في 13 قطاعاً لتعزيز التصنيع والصادرات.. وهذا في إطار الجهود المبذولة لدفع التصنيع الذي ما يزال مجالاً كانت الهند متأخرة فيه. ومع ذلك، يُنظر إلى السعي لإبرام اتفاقيات التجارة الحرة في هذه المرحلة على أنه ميزة للهند التي تختار البلدان الشريكة لها بعناية شديدة.

 

المصدر: صحيفة الاتحاد

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر