سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
بول كروجمان
ألفت انتباه القراء إلى أنني شاركت في بودكاست مع الكاتب عزرا كلاين في الأيام القليلة الماضية، وركزت غالباً على التضخم الذي ما زال قصة شيقة بعد أن فاجأ كل من ظنوا أنهم فهموه.
لكني اليوم أريد أن استريح قليلاً وأتحدث عن السياسة البيئية، وعلى وجه التحديد، العلاقة بين حماية البيئة والنمو الاقتصادي.
وكما تعلمون- على الرغم من أن عدداً مدهشاً من الناس لا يعلمون- اتخذت إدارة بايدن خطوة كبيرة إلى الأمام في التصدي لتغير المناخ. وقانون خفض التضخم، وهو مسمى مضلل استراتيجياً لأنه في الأساس مشروع قانون مناخي، يستخدم الإعانات والإعفاءات الضريبية لتعزيز الطاقة الخضراء. ويعتقد من أتابعهم من خبراء البيئة أنها صفقة كبيرة جداً، وإذا تم تنفيذها بنجاح، ستقلص انبعاثات غازات الاحتباس الحراري كثيراً. صحيح أن القانون ليس بجرأة خطط المناخ في تشريع «إعادة البناء للأفضل» الأصلي لجو بايدن، لكن واضعي القانون يرون أنه سينجز نحو 80 بالمئة مما كان تشريع «إعادة البناء للأفضل» يحاول القيام به.
والعامل الأكبر الذي يجعل هذا النوع من المبادرات المناخية ممكناً، بعد سنوات من التقاعس عن العمل، هو التقدم التكنولوجي المذهل في مجال طاقة الموارد المتجددة منذ 2009 أو نحو ذلك. وهذا يعني أنه يمكننا تقليص الانبعاثات كثيراً باستخدام الترغيب أكثر من الترهيب. وهذا يعني منح الناس حوافز لاستخدام تقنيات منخفضة الانبعاثات بدلاً من محاولة فرض لوائح أو ضرائب عليهم لنبذ الأنشطة كثيرة الانبعاثات. ومن الواضح أن سياسة الترغيب أسهل بكثير من سياسة الترهيب. لكن في هذه اللحظة بالذات وهي أكثر اللحظات تفاؤلاً بالنسبة للبيئة، يمتلئ صندوق بريدي بمزاعم محزنة تدعي أن حماية البيئة لا تتوافق مع النمو الاقتصادي. والغريب أن هذه الادعاءات يبثها الحزبان. ويأتي بعضها من يساريين يصرون على أنه لا يمكن إنقاذ الكوكب ما لم نتخل عن فكرة استمرار النمو الاقتصادي. وبعضها الآخر صادر عن يمينيين يصرون على أنه يجب التخلي تماماً عن نزعة المحافظة على البيئة إذا أردنا استمرار الرخاء.
دعونا إذن نتحدث عن أسباب خطأ كل هذه الادعاءات. جزء من المشكلة أن الكثير من الناس لا يفهمون معنى النمو الاقتصادي، ويتخيلون أنه ينطوي بالضرورة على إنتاج الأشياء نفسها التي كنا ننتجها من قبل، وبالوسائل نفسها، لكن فقط على نطاق أوسع. لكن هذا ليس معنى النمو على الإطلاق.
وفي الوقت الحالي، زاد الإنتاج المحلي الإجمالي الحقيقي لأميركا الثلث عما كان عليه عام 2007. لكن اقتصاد عام 2023، ليس مجرد اقتصاد عام 2007 الذي توسع الثلث. فقد انخفض إنتاج بعض السلع كثيراً، وانخفض إنتاج الفحم إلى النصف تقريباً. وتحاول مقاييس النمو الرسمية أيضاً أخذ تحسن الجودة في الاعتبار. فنحن ننتج عدداً أقل من السيارات مما كنا ننتج عام 2007، لكن الناتج الحقيقي في صناعة السيارات أعلى بالقياس، لأن الإحصائيين الحكوميين يعتقدون أن السيارات المنتجة في الآونة الأخيرة أفضل من عدة نواحٍ من النماذج القديمة، ويحاولون تقدير عدد الناس المستعدين للدفع مقابل هذه التحسينات.
وبالإضافة إلى هذا، لا يقول الإنتاج المحلي الإجمالي الحقيقي شيئاً عن كيفية إنتاج الأشياء. فالكهرباء تحسب بالكيلووات في الساعة، سواء تم توليدها عن طريق حرق الفحم أو طاقة الرياح، لكن التأثير البيئي مختلف تماماً. ونتيجة لذلك، لا يوجد سبب يدفع الاقتصاد المتنامي إلى فرض عبء متزايد على البيئة. وفي الواقع، غالباً ما تكون جودة البيئة أفضل في البلدان الغنية المتمتعة بنسبة مرتفعة لنصيب الفرد من الإنتاج المحلي الإجمالي، عن البلدان ذات الدخل المتوسط. ولنأخذ في الاعتبار، على سبيل المثال، المقارنة بين منطقة نيويورك الحضرية ودلهي. فيوجد في دلهي عدد أكبر من السكان لكن الإنتاج المحلي الإجمالي أصغر بكثير. فهل يعني الاقتصاد الكبير لنيويورك بيئة شديدة الضغط؟ لأخذ مؤشر واضح بشدة، كيف تقارن جودة الهواء في المدينتين؟ كما يعلم أي شخص زار كلا المكانين، فإن هواء نيويورك لا بأس به نسبياً، بينما هواء دلهي ليس كذلك.
ولذا لا توجد علاقة ضرورية بين النمو الاقتصادي والعبء الذي نضعه على البيئة. صحيح أن الثورة الصناعية أدت إلى زيادة التلوث بجميع أنواعه بشكل كبير. ودول مثل الهند التي مازالت في المراحل الأولى من تطورها الاقتصادي، تدفع إلى حد كبير ثمناً بيئياً باهظاً. لكن في المستويات العليا من التنمية، ليس من الممكن فحسب فصل النمو عن التأثير البيئي من حيث المبدأ، بل هو أمر يحدث كثيراً في الممارسة العملية. ويُظهر موقع «Our World in Data» الذي لا يقدر بثمن، نسبة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون للفرد في بريطانيا البلد الذي بدأت فيه الثورة الصناعية. فقد ارتبطت المراحل الأولى من التصنيع في بريطانيا بالفعل بارتفاع هائل في الانبعاثات. لكن في الآونة الأخيرة، تراجعت الانبعاثات مرة أخرى إلى مستويات خمسينيات القرن التاسع عشر.
كيف فعلت بريطانيا ذلك؟ جزء من الإجابة هو أنه بمرور الوقت تحول الاقتصاد البريطاني من الاعتماد على الفحم إلى الاعتماد على الهيدروكربونات التي يولد حرقها كميات أقل من ثاني أكسيد الكربون. وتعلمت بريطانيا أيضاً استخدام الطاقة بكفاءة أكبر بمرور الوقت. لكن في الآونة الأخيرة، كان العامل الأكبر هو ظهور الطاقة المتجددة، وطاقة الرياح بخاصة في حالة بريطانيا. وحين تسمع أحد علماء البيئة يقول شيئا مثل «نحن نعيش على كوكب محدود، لذا لا يمكننا تحقيق نمو اقتصادي غير محدود»، فإن ما يكشفونه في الواقع هو أنهم لا يفهمون معنى النمو الاقتصادي. وعلاوة على ذلك، من الناحية العملية، يقدمون المساعدة والراحة لمناهضي حماية البيئة الذين يريدون منا أن نعتقد أن حماية البيئة لا تتوافق مع ارتفاع مستويات المعيشة.
وصحيح أنه من الممكن فصل النمو عن الإضرار بالبيئة، لكن هذا لا يحدث من تلقاء نفسه. وكي نجمع بين ارتفاع مستويات المعيشة وتحسن البيئة، يتعين علينا اتباع سياسات تشجع على استخدام التقنيات التي تسبب ضرراً بيئياً أقل. والنبأ السار هو أن الولايات المتحدة تقوم أخيراً بتنفيذ مثل هذه السياسات. لكننا بحاجة إلى مزيد من العمل في هذا المضمار، ليس فقط في أميركا بل في بقية العالم. وعلينا محاولة هذا وعدم الاستسلام لمشورات اليأس.
المصدر: صحيفة الاتحاد خدمة نيويورك تايمز
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر