النزاع في بحر الصين الجنوبي.. الأسباب والتداعيات | مركز سمت للدراسات

النزاع في بحر الصين الجنوبي.. الأسباب والتداعيات

التاريخ والوقت : الأحد, 23 أغسطس 2020

تشهد منطقة بحر الصين الجنوبي توتُّراً متزايداً مع تواصل مساعي الصين لفرض سيادتها على معظم البحر المتنازع عليه مع دول أخرى في شرق وجنوب شرق آسيا، وهو ما يُثير مخاوف من اندلاع صراع مسلح أو حرب واسعة، خاصة في ظل الخلافات الأميركية – الصينية المتصاعدة.

هناك ست دول مُطلة على بحر الصين الجنوبي، الذي يُعَد مع البحر المتوسط أكبر بحار العالم، تتنازع السيادة على مناطق منه، وهي إضافةً إلى الصين: كل من فيتنام والفلبين وتايوان وماليزيا وبروناي، الأعضاء في منظمة «آسيان». ويتمحور الخلاف بشكل رئيسي حول عدة أمور مترابطة، هي على النحو التالي:

أولاً، السيادة: إذ ترى الصين أنها صاحبة الحق في السيادة على ثلاثة أرباع البحر الذي تبلغ مساحته ثلاثة ملايين ونصف مليون كيلومتر مربع تقريباً، بما فيه من جزر وخاصة جزر باراسيل وسبراتلي، وهما سلسلتان من الجزر تدعي عدد من الدول المطلة على البحر السيادة عليها؛ إلى جانب الصخور والشعاب المرجانية والكثبان الرملية الموجودة في مناطق كثيرة من البحر.

وتستند الصين في ادعاءاتها إلى وثائق تاريخية؛ إذ كانت سلسلة الجزر – كما تقول بكين – جزءاً لا يتجزأ من الصين منذ قرون. وترى الصين أن حدودها البحرية تمتد لـ 200 ميل بحري، وهي أكثر بكثير مما تقرره القوانين الدولية، ولهذا لا تعترف الصين باتفاقية البحار لعام 1982.

بالمقابل ترفض الدول الأخرى مزاعم الصين، وترى أن لها الحق في أجزاء كبيرة من البحر بموجب ما يقرره القانون الدولي، الذي يُحدد المياه الإقليمية للدولة بـ 12 ميلاً بحرياً، وهي التي تتمتع فيها الدولة بحقوق السيادة؛ والمنطقة الاقتصادية الخالصة التي تُقدر بـ 200 ميل بحري، وتعطى الدول فيها حق ممارسة حقوق خاصة مثل استغلال واستخدام الموارد البحرية، ولكن ليس لها حق السيادة عليها.

كما تستند الدول الأخرى أيضاً إلى معطيات تاريخية؛ إذ سبق لبعض هذه الدول أن تمتعت بالسيطرة على أجزاء واسعة من البحر؛ ففيتنام حكمت تاريخياً سلسلتي باراسيل وسبراتلي، وتقول إن لديها من الوثائق ما يُثبت ذلك؛ بينما تدعي الفلبين سيادتها على السلسلتين، وترى أن قربها الجغرافي إلى سلسلة سبراتلي يُمثل سبباً كافياً لتبعيتها لها. أما فيما يتعلق بشعاب «سكاربره»، فتدعي الصين سيادتها عليها برغم أنها تبعد عنها نحو 800 كيلومتر، بينما تدعي الفلبين أنها أحق بها لأنها تبعد عنها 160 كيلومتراً فقط. كما تدعي ماليزيا أيضاً السيادة على منطقة في البحر؛ لأنها تقع ضمن منطقتها الاقتصادية الخالصة، وملكية أجزاء من جزر سبراتلي. وكذلك الأمر بالنسبة إلى بروناي التي تقول إن لها حق السيادة على منطقة في البحر، ولكنها لا تدعي أي سيادة على جزر سبراتلي.

وترى هذه الدول أن استناد الصين إلى خرائط قديمة لا يعتد به؛ لأنه لا يثبت أي حدود لها، وتشير أيضاً إلى أن هذه الخرائط التي تستند إليها بكين ليست دليلاً كافياً؛ فبرغم أنها تحتوي على خطوط تقول الصين إنها كانت حدوداً تاريخية لها، فهي لا تحتوي على أي إحداثيات؛ ومن ثَم يصعب وفقاً للخرائط المذكورة تثبيت الحدود البحرية للصين فعلاً. هذا فضلاً عن أن القانون الدولي لا يدعم مثل هذه الادعاءات؛ فهناك بالطبع قوانين خاصة بالبحار تُحدد المياه الإقليمية للدول والجرف القاري أو المنطقة المجاورة والمنطقة الاقتصادية الخالصة؛ وهذا يُعطي حقوقاً لكل الدول المطلة على البحر؛ وليس للصين فقط.

ثانياً، الثروات: بحر الصين الجنوبي يحتوي على ثروات كثيرة، وفيه جزر حيوية وغنية. وهناك خلافات حول استغلال هذه الجزر؛ فالبحر يحتوي على ما يزيد على 17 مليار طن من النفط وفقاً لدراسات صينية، بينما تقول الولايات المتحدة إن الاحتياطيات المؤكدة تصل إلى 7.7 مليار طن. وبغض النظر عن الفرق الكبير بين التقديرين، فإن هذه الكميات مهمة جداً بالنسبة إلى دول تعتمد بشكل كبير على النفط والغاز.

كما يعتمد ملايين الناس على هذا البحر للحصول على الأسماك سواء للتجارة أو للغذاء، وينطوي هذا على أهمية كبيرة إذا عرفنا أن ما يقرب من نصف سفن الصيد في العالم تعمل في هذا البحر، وهذا يوفر عائدات ضخمة، ويُشغل أيدياً عاملة كثيرة، ولكن من دون أن نتجاهل – في الوقت نفسه – تداعياته السلبية على البيئة، وبالطبع على مخزونات البحر السمكية التي تتناقص بشكل كبير بسبب ضخامة عمليات الصيد هناك.

ثالثاً: تزايد أهمية البحر الاستراتيجية عالمياً: أهمية البحر بالنسبة إلى الدول المُطلة عليه لا تقتصر على الثروات فقط؛ فهو حيوي، وله أهمية استراتيجية كبيرة جداً، كمعبر تجاري، خاصة مع نمو التجارة العالمية التي تمر عبره؛ والبحر تتشارك سواحله اقتصادات كبيرة، مثل الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، وسنغافورة وهونغ كونغ وتايوان وماليزيا، وهي دول تجارية مهمة. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن نحو ثلث الشحنات البحرية العالمية بقيمة تزيد على خمسة تريليونات دولار؛ أي أكثر من خمسة عشر ضعف قناة بنما، وأكثر من ثلاثة أضعاف قناة السويس تمر من خلال هذا المعبر التجاري الحيوي. وتبلغ حصة الولايات المتحدة منها نحو 1.2 تريليون دولار، بينما تمر نسبة 80 في المئة من واردات الصين من الطاقة ونحو 40 في المئة من إجمالي تجارتها عبر هذا البحر، ما يزيد من أهميته الاستراتيجية إقليمياً وعالمياً.

النزاعات المسلحة التي وقعت بسبب هذه الخلافات

بالرغم من الأهمية الكبيرة لبحر الصين الجنوبي والخلافات القائمة حوله، لم تحدُث هناك حروب أو صراعات مسلحة إقليمية، كما هو الحال في مناطق أخرى من العالم. ومع ذلك، وقعت صدامات مسلحة عدة، سببُها غالباً استفزازات صينية؛ حيث تحاول بكين بشتى الطرق إثبات هيمنتها على البحر. فقد اندلعت مواجهات خَطِرة عام 1974 بين فيتنام والصين عندما قامت الأخيرة بالاستيلاء بالقوة على سلسلة جزر باراسيل من فيتنام، وأسفرت الصدامات عن مقتل أكثر من 70 من العسكريين الفيتناميين. وفي عام 1988، اصطدم الصينيون والفيتناميون مجدداً حول سلسلة سبراتلي، وخسر الفيتناميون نحو 60 عسكرياً.

وفي مايو 2014، قامت الصين بقطْر منصة استخراج نفط فيتنامية إلى منطقة في البحر قريبة من جزر باراسيل، ما أدى إلى حوادث تصادم عدة بين السفن الفيتنامية والصينية. وكادت تقع مواجهة واسعة النطاق منتصف عام 2019 بين العديد من سفن خفر السواحل من كلا البلدين، بعد أن دخلت سفن صينية للتنقيب عن النفط بالقرب من جزر سبراتلي.

كما اندلعت مواجهات بين الفلبين والصين أيضاً، ولكنها لم تتطور إلى إطلاق نار أو عنف خَطِر؛ ففي عام 2012، خاض الجانبان مواجهة بحرية مطولة تبادلا فيها الاتهامات بانتهاك السيادة في شعاب «سكاربره». وفي يناير 2013، رفعت الفلبين دعوى قضائية دولية ضد الصين، أمام محكمة التحكيم الدائمة، للطعن في الادعاءات الصينية واستصدار حكم حول الخلاف بموجب ميثاق الأمم المتحدة حول قانون البحار. ولكن الصين قاطعت جلسات المحكمة؛ بحجة أنها ليست مخولةً البتَّ في هذا الخلاف؛ وأكدت مراراً أنها لن تقبل أي قرارات تصدرها المحكمة.

الولايات المتحدة وإمكانية الصدام مع الصين

تُعَد الولايات المتحدة قوة رئيسية، ليس في بحر الصين الجنوبي فقط، وإنما أيضاً في منطقة شرق وجنوب شرق آسيا، وهي تتمتع بعلاقات تحالف رسمية وغير رسمية مع كل دول المنطقة تقريباً باستثناء الصين، ويُشكّل وجودها قوة رادعة لأي تحركات صينية واسعة في المنطقة، سواء فيما يتعلق برغبتها في السيطرة على البحر أو محاولاتها استعادة تايوان وفرض هيمنتها على منطقة شرق وجنوب شرق آسيا.

وبرغم الحديث المستمر عن ضرورة حل النزاعات القائمة بالطرق السلمية، فقد أصبح بحر الصين الجنوبي فعلياً منطقة تنافس أميركي – صيني؛ وهناك اتهامات مُتبادلة بين الجانبين بالمسؤولية عن عسكرة المنطقة. وتحولت هذه المنطقة فعلياً إلى أكثر مناطق العالم ازدحاماً بالسفن الحربية، وهذا بالطبع يزيد من فرص التوتر القائمة هناك بشكل مستمر؛ والأخطر أنه يزيد من احتمالات وقوع صدامات مسلحة، خاصة مع كثرة المناورات العسكرية هناك، وبأحدث الأسلحة البحرية. وبرغم أن المنطقة لم تشهد صدامات مسلحة بين البلدين، فقد وقعت أحداث خَطِرة عدة كانت تُنذر بصدامات مسلحة.

وفي الواقع، فإن التنافس الأميركي – الصيني في شرق آسيا ليس مرتبطاً بالمصالح المتشابكة هناك فقط، وإنما يأتي أيضاً في سياق التنافس بينهما على مستوى عالمي؛ فالولايات المتحدة تَعتبر الصين أكبر تحدٍّ أو ربما تهديد للهيمنة الأميركية في العالم؛ إذ تنمو الصين اقتصادياً بشكل متسارع، وفي الوقت نفسه تعمل على تحديث قوتها العسكرية، وهي تطمح إلى تغيير موازين القوى الدولية، ولهذا تسعى إلى توسيع نفوذها في العديد من مناطق العالم خارج مجالها الحيوي، شرق آسيا.

 

المصدر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر