سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
هو جون
منظمة حلف شمال الأطلسي “الناتو” هو تحالف عسكري حكومي دولي أنشأته الدول الغربية لأغراض التنسيق الدفاعي. وقد كان هذا الحلف نتاجًا للحرب الباردة التي بدأت في عام 1949 عندما وقّعت الولايات المتحدة معاهدة شمال الأطلسي مع 12 دولة بما في ذلك أوروبا الغربية. وفي عام 1955، أنشأ الاتحاد السوفييتي ودول أوروبا الشرقية حلف “وارسو” كنظير منافس للناتو. وفي تسعينيات القرن الماضي، ومع حل معاهدة “وارسو” وانهيار الاتحاد السوفييتي، عدلت الولايات المتحدة استراتيجيتها الأوروبية ودفعت باتجاه توسيع حلف الناتو شرقًا، وبذلك أصبح “الفراغ” في وسط وشرق أوروبا في قبضة حلف الناتو. وبعد عدة توسعات، أصبح لدى الناتو الآن 29 عضوًا.
وتتعمق “جينات الحرب الباردة” في داخل حلف الناتو. فمنذ نشأته، انخرطت مهمته الطويلة الأجل في التنافس الجيوسياسي والمواجهات العسكرية مع المعسكر السوفييتي، ثم مع روسيا فيما بعد الاتحاد السوفييتي. وبعد حل حلف “وارسو” وتفكك الاتحاد السوفييتي، فقد حلف الناتو هويته كتحالف عسكري مهيمن. وقد دخل حلف الناتو وروسيا في علاقات سلمية استمرت أكثر من عقدين. ومع ذلك، فبعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم من أوكرانيا في عام 2014، عزز الناتو مرة أخرى ضغوطه الجيوسياسية والعسكرية ضد روسيا.
يبيّن التاريخ أنه منذ ولادة “الناتو” قبل 70 عامًا، كانت أهدافه الأساسية دائمًا هي الاتحاد السوفييتي وروسيا فيما بعد. وقد كانت أهم أهداف مشاركة “الناتو” في مثل هذه المغامرات الجيوسياسية هي المصالح الأمنية للغرب، وخاصة أوروبا. وعلى الرغم من أن الصين لم تكن أبدًا في رؤية حلف الناتو، فإنه خلال مؤتمر الذكرى السبعين للناتو الذي انعقد أخيرًا في لندن، أصبحت بكين، وبشكل غير مسبوق، موضوعًا مهمًا للمناقشات الجادة بين أعضاء “الناتو”. ومن المهم التأكيد هنا على أن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها إدراج الصين في جدول أعمال “الناتو”.
يشير الباحثون المعنيون بشؤون الأمن الأوروبي إلى اعتقاد سائد بين العديد من الخبراء والقادة داخل “الناتو”، وهو أنه قد حان الوقت الذي يدرك فيه “الناتو” أن عليه التركيز بجديةٍ على القوات العسكرية الناشئة مثل الصين. وقد لاحظ الأمين العام لحلف الناتو، “جينس شتولتنبرغ”، في اجتماعات لندن الأخيرة، أن “نهوض الصين ينطوي على بعض الفرص، لكن هناك أيضًا بعض التحديات، ونحن بحاجة إلى مواجهتها معًا”. كما يؤكد “شتولتنبرغ” أيضًا أن الأمر لا يتعلق بنقل “الناتو” إلى جنوب الصين. لكن الأمر يتعلق بحقيقة أن الصين تقترب منا وينبغي أخذها في الاعتبار بجدية، فالصينيون نراهم في القطب الشمالي كما نراهم في إفريقيا، ونراهم أيضا يستثمرون بكثافة في البنية التحتية الأوروبية. وبالطبع، نرى الصين في الفضاء الإلكتروني. في غضون ذلك، لاحظ “ستولتنبرغ” أن “الصين تحتل حاليًا المرتبة الثانية عالميًا من حيث الإنفاق على الدفاع، بعد الولايات المتحدة”. ويشير إلى أن هذا سيكون له عواقب معينة على “الناتو”، إذ سيحتاج الحلفاء إلى إيجاد “طريقة متوازنة” لمواجهة التحديات التي تفرضها الصين.
ووجّهت “كاي بيلي هتشيسون”، سفيرة الولايات المتحدة لدى الناتو، انتقادات أشد ضد الصين؛ إذ قالت في مقابلة مع قناة “سي إن بي سي” الأميركية إن “بقية العالم قد سمحت للصين بالمرور دون الوفاء بمعايير منظمة التجارة العالمية، ولكن حان الوقت لإيقاف ذلك. فقد تحولوا الآن إلى منافس، لكنهم ما زالوا يتوقعون أن يكون لديهم قبول بعدم الالتزام بالقواعد، وسرقة التكنولوجيا والملكية الفكرية. إننا نقول حاليًا للصين لا يمكنك الاستفادة من المزايا التي كانت لديك في الماضي، وعليك أن تدخلي ساحة لعب مستقيمة لأنكِ في نموٍ مستمر؛ فمبادرة الحزام والطريق سيطرت بنجاح على الموانئ والبنية التحتية في جميع أنحاء أوروبا وآسيا، وجعلت الصين منافسًا استراتيجيًا للولايات المتحدة”.
ومقارنة بقضايا الناتو السابقة، بات من الواضح جدًا أن الصين أصبحت محل اهتمام “الناتو”. وفي التقرير الخاص بالبيئة الاستراتيجية الصينية لعام 2035، أشار باحثون إلى أن البيئة الاستراتيجية لبكين تتطور بشكل يجعلها تخضع في المستقبل لتغييرات كبيرة. وبالانتقال من “فترة الفرص الاستراتيجية” في سياق العولمة، أصبحت الصين حاليًا في “فترة المنافسة الاستراتيجية” وذلك في سياق مناهضة العولمة، كما تغيرت من “وجود غير ضار” في نظر الغرب في الماضي إلى “منافس استراتيجي” ملموس مع تهديدات متزايدة. وتجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من أن منظمة حلف شمال الأطلسي منظمة تحالف عسكري، فإن رؤيته في مراقبة وتقييم تأثير الصين آخذ في الاتساع؛ إذ يمتد الأمر من الرؤية العسكرية إلى الاقتصاد، ومن الصناعة إلى البنية التحتية، ومن التكنولوجيا إلى حقوق الملكية الفكرية، وهو ما يشبه إلى حد بعيد الرؤية الأميركية والاتحاد الأوروبي بشأن الصين فيما يتعلق بالحرب التجارية. ومن الواضح أن الناتو في سبيله لتعديل مخاوفه واستراتيجياته العالمية، ذلك أن أحد الشواغل المهمة التي يسعى لإعادة تعريفها هي علاقاته مع الصين، والتي ستؤثر على رؤية الاتحاد الأوروبي وسياساته بشأن بكين.
ويعتقد الباحثون أن التنافس والتعارض بين الناتو وروسيا قد تضعف في المستقبل، ولكن مع دمج “الناتو” الصين في رؤيته الأساسية، من المؤكد أن المنافسة بين “الناتو” وبكين ستتعزز عاجلاً أو آجلاً. وقد يستخدم حلف الناتو علاقاته مع روسيا كنقطةٍ مرجعيةٍ ويسعى لإقامة حوار وآلية تعاون مع الصين. فقد قال “شتولتنبرغ” أخيرًا إن الناتو كتحالفٍ عسكريٍ لا يريد إنشاء خصوم جدد، ولكنه يود إنشاء آلية للتواصل مع الصين. فلا توجد حاليًا خطة لإنشاء “مجلس الناتو – الصين” مماثلة لخطة إنشاء “مجلس الناتو – روسيا”، على الرغم من أنه من الممكن تمامًا إنشاء آلية مماثلة في المستقبل المنظور.
وفي الأخير، فقد سقطت الصين تحت مجهر “الناتو”. وبغض النظر عن الاختلافات بين أعضاء الحلف، فقد أصبحت الصين “منافسًا” مهمًا بدأ الناتو ينتبه إليه. وقد بات من المتعين على الصين أن تستعد مقدمًا للتغييرات المعقدة التي يمكن أن تحدثها مثل هذه الحالة.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: Eurasia Review
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر