سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
بي إم مونيكا لي
كما يوحي العنوان، فإن “الميثاق العالمي للهجرة المنظمة”، من المفترض ألا يكون مثيرًا للجدل، حيث يعدُّ ذلك الميثاق أول إطار دولي لمساعدة الدول على تحقيق الأهداف المشتركة بشأن الهجرة الدولية، مثل مكافحة الاتجار بالبشر، أو التأكد من أن جميع المهاجرين لديهم وثائق هوية سليمة، ذلك أنه من المستحيل لأي دولة أن تنجز هذه المهمة بمفردها مما يجعل إنشاء إطار للتعاون الدولي مسألة أكثر إلحاحًا.
لكن على الرغم من طابعه غير الإلزامي، فقد أصبح الميثاق هدفًا للسياسيين من اليمين المتطرف بأوروبا، الذين أثاروا موجة من اللغط السياسي والمناورات التي أسفرت عن اجتماع عُقد في العاشر والحادي عشر من شهر ديسمبر في مراكش، وقد وافقت الولايات المتحدة على مسودته النهائية.
لذا، بدأ تأثير “الدومينو” الذي أخذ يجتاح الدول الأوروبية التابعة لذلك الميثاق في النمسا، إذ قال المستشار “سيباستيان كورز” إن الميثاق يخلط العمال المهاجرين مع أولئك الذين يسعون إلى الحماية الدولية، رغم أن الميثاق ينص تحديدًا على أن “المهاجرين واللاجئين هم مجموعة متميزة تحكمها أطر قانونية منفصلة وأن الميثاق يعالج المهاجرين فقط. فالنمسا تتخذ منهجًا متشددًا بشأن الهجرة، وعلى ذلك فإن القرار لم يكن مفاجئًا تمامًا، ولكن بصفتها الرئيس الدوري الحالي للاتحاد الأوروبي، لا يزال من المتوقع أن تعمل النمسا كوسيط بين الدول الأعضاء في الاتحاد في الموضوعات الصعبة والمعقدة.
لقد رفضت النمسا إطار التعاون الدولي الذي استغرق نحو 18 شهرًا من التفاوض لوضع المسودة الخاصة به، لا سيَّما في وقت تعتبر فيه الهجرة موضوعًا مثيرًا للجدل في السياسة الأوروبية، ولا يلائم مشروع القانون، ويبدو أن القرار قد شجع السياسيين من اليمين المتطرف في أماكن أخرى في أوروبا على المطالبة برفض ذلك الميثاق.
وبعد النمسا، جاء الرفض من كلٌّ من بولندا وبلغاريا وجمهورية التشيك وسلوفاكيا ولاتفيا وجميعها تحت قيادة فيينا، كذلك لم تحضر الحكومة الإيطالية الاجتماع الذي عقد في مراكش باعتبار أن التوقيع على ذلك الميثاق يجب أن يتم من قبل البرلمان الأوروبي. غير أنه من المحتمل أن يوافق البرلمان الإيطالي على الوثيقة الخاصة بذلك الميثاق، مع الأخذ بالاعتبار قراره الأخير بتعريض الوضع القانوني الخاص بنحو 130 ألف شخص يتمتعون حاليًا بحماية إنسانية.
وفي بلجيكا وهولندا، وجدت الحكومات التي تتعرض لضغوط من أقصى اليمين، أنه من الضروري تقديم إعلان توضيحي يحمي من النتائج غير المقصودة أو المفترضة للاتفاق، وذلك رغم صعوبة تخيل العواقب التي ربَّما تنشأ عن هذا الميثاق الذي يبدو أنه ليس له ضمانات قوية بحسب تصميمه.
وفي حين أنه ليس من المستغرب أن يعارض السياسيون من اليمين المتطرف التوافق على تلك الوثيقة تحت مظلة الأمم المتحدة، فإن قوتهم المتزايدة في السياسة الأوروبية دفعت – أيضًا – الأحزاب المحافظة الرئيسية إلى مزيد من التطرف تجاه الهجرة. ففي بلجيكا، التي تنتظر انتخابات إقليمية وفيدرالية في عام 2019، انهارت حكومة ائتلاف يمين الوسط قبل يوم واحد من اجتماع مراكش، بعد رفض أحد أحزاب الائتلاف دعم التحالف الجديد وعملية الاندماج التي طالب بها تيار الوسط.
وليس من المستبعد أن يقوم الحزب القومي في بلجيكا بهذه الخطوة كإشارة لمغازلة الناخبين من اليمين المتطرف في الانتخابات المقبلة. ومن الجدير بالذكر أن بولندا وسلوفاكيا اللتين رفضتا التوقيع على الميثاق، ستشهدان انتخابات برلمانية ورئاسية على التوالي العام المقبل، وذلك بالإضافة إلى البرلمانات التي ستشمل كافة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
دروس سياسية
يجب أن يكون الاختلاف السياسي حول الاتفاق العالمي بمثابة تحذير بأن السياسات القومية لم تتلاشَ بعد، وخاصة مع احتمال أن تحقق الأحزاب اليمينية المتطرفة مكاسب كبيرة في الانتخابات البرلمانية القادمة في الاتحاد الأوروبي، وهو ما يشكك في قدرة الاتحاد الأوروبي على معالجة القضايا الصعبة مثل إصلاح “نظام دبلن”، الذي يضع القواعد التي تقع على عاتق دولة الاتحاد الأوروبي مسؤولية تسليم طلبات اللجوء.
لكن الطريقة التي تمكن فيها السياسيون من اليمين المتطرف من الاستفادة من الميثاق العالمي كأداة للتهيئة السياسية يمكن أن تكون مفيدة أيضًا. فلم يسمع الجمهور الكثير عن هذا الاتفاق، بل حتى عن الاتفاق العالمي المنفصل بشأن اللاجئين، الذي يخضع حاليًا لمرحلة التفاوض والصياغة. وهكذا، تمكن السياسيون من اليمين المتطرف من ذكر أي شيء أرادوه عندما تمَّ الكشف عن المسودة النهائية للميثاق. وقد خاض مؤيدو الميثاق نقاشًا حول ما إذا كان الميثاق مُلزمًا من الناحية القانونية، أم أنه ينتهك السيادة الوطنية.
وعلى الرغم من كل الاهتمام الحالي في السياسة الأوروبية، فإن إحدى الأولويات الرئيسة للوثيقة الحالية هي “تقليل العوامل السلبية والعوامل الهيكلية التي تجبر الناس على مغادرة بلدهم الأصلي”. وفي هذا الصدد، يمكن اعتبار الاتفاق العالمي امتدادًا من خطة التنمية المستدامة لعام 2030، وتعزز الوثيقتان بعضهما بعضًا. فقد فشل النقاش الأوروبي حتى الآن في الاستفادة من الزخم الأوسع الخاص بالتنمية المستدامة وبمساعدة الناس في جميع أنحاء العالم على التكيف مع تغير المناخ والكوارث الطبيعية.
أخيرًا، يبدو أن النقاش الأوروبي حول الميثاق العالمي يتجاهل الحقيقة كليًا، وتوضح ورقة نشرها حديثًا مركز دراسات السياسة الأوروبية، أن مواطني الاتحاد الأوروبي يصبحون مهاجرين عندما يكونون خارج الاتحاد الأوروبي. وهكذا، فإن الدول الأوروبية التي ترفض الميثاق، تدير ظهورها لمواطنيها الذين يسافرون أو يعيشون خارج الاتحاد الأوروبي.
وعلاوة على ذلك، يعزز الاتفاق العالمي العمل الحالي لبلدان الاتحاد الأوروبي كجزء من المشروع الشامل للتنقل داخل الاتحاد الأوروبي، مثل الجهود الرامية إلى التعرف بشكل أفضل على المهارات والمؤهلات التي يتم الحصول عليها في بلدان أخرى؛ ذلك أن ما يقرب من أربعة في المئة من مواطني الاتحاد الأوروبي في سن العمل يعيشون في دولة عضو غير بلدهم. كما أن النسب المئوية أعلى بكثير بين مواطني بلغاريا وبولندا ولاتفيا وسلوفاكيا التي رفضت هذا الاتفاق.
لكن الحركة العامة داخل الاتحاد الأوروبي لا تزال غير تفاعلية، وما زال الإفراط في التأهل للوظائف يمثل مشكلة بالنسبة لمواطني الاتحاد الأوروبي الذين انتقلوا إلى دول أعضاء أخرى. وفي هذا السياق، يمكن لأهداف الاتفاق بشأن الإدماج وتكامل سوق العمل أن توفر دافعًا آخرًا لتحسين تنفيذ حقوق ومزايا مواطني الاتحاد الأوروبي.
وهكذا، فمن خلال الانغماس في نقاش حاد بشأن المعايير التي وضعها السياسيون من اليمين المتطرف، أهدر المؤيدون للاتفاق فرصة مهمة لإلقاء الضوء على أن الهجرة ليست مجرد أمر يحدث لأوروبا، ولكن الأوروبيين هم أنفسهم يبدون في حالة من السيولة والحركة الكبيرة جدًا، إذ يسعون للاستفادة بنشاط من الهجرة، فالميثاق العالمي للهجرة نفسه يعتبر هو الآخر مهمًا بالنسبة للأوروبيين.
المصدر: المرصد العالمي The Global Observatory
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر