سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
زياد زكريا
علي الرغم من الأزمات المتلاحقة التي تضرب (فيسبوك) والمواقع التابعة له، من انقطاعات للخدمة ومشاكل للمستخدمين واتهامات بتسريب المعلومات، وقرصنة الخوادم الخاصة بالشركة؛ فإن مارك زوكربرج خرج يوم الخميس 28 اكتوبر 2021، ليعلن عن رؤية شركة (فيسبوك) -والتي أصبحت تسمي (ميتا)- لما يسمي بميتافيرس، وهي الخطوة التي كان جري التخطيط لها منذ سنوات. لدى الشركة بالفعل ما يقرب من عشرة آلاف شخص يعملون في مشاريع الواقع المعزز والافتراضي، وفي وقت سابق كانت الشركة قد أعلنت أنها ستنفق نحو عشرة مليارات دولار على الاستثمارات المرتبطة بالميتافيرس هذا العام.
هناك عدة أسئلة يمكن طرحها فيما يتعلق باستراتيجية الميتافيرس، الأول والأكثر أهمية ما هو الميتافيرس، وكيف سيكون الإصدار الخاص بـ (فيسبوك)؟ تمت الإجابة عن هذا السؤال، جزئيًا على الأقل، من خلال العرض التقديمي لمارك زوكربيرج، حيث رسم صورة لـميتافيرس باعتباره عالمًا افتراضيًا تم إدخاله باستخدام أجهزة الواقع الافتراضي والمعزز في البداية ومستشعرات الجسم الأكثر تقدمًا في وقت لاحق، حيث يمكن للأشخاص ممارسة الألعاب الافتراضية، وحضور الحفلات الموسيقية الافتراضية، والذهاب للتسوق بالنسبة للسلع الافتراضية، ومتابعة الفن الافتراضي، بالإضافة لجمع الصور الرمزية الافتراضية للآخرين وحضور اجتماعات العمل الافتراضية. هذه الرؤية لعالم رقمي غامر ليست جديدة؛ حيث رسمها مؤلف الخيال العلمي نيل ستيفنسون منذ ما يقرب من 30 عامًا، لكن زوكربيرج يراهن على أنه سيصبح حقيقة. ولكن هل بالفعل ستنجح هذه الخطوة في ظل هذا الكم من التخبط والأزمات التي تلاحق (فيسبوك)؟
والسؤال الأكثر إثارة هو: لماذا يقوم زوكربيرج بهذا؟ إنها ليست مقدمة لإعادة تنظيم ضخمة للشركة أو علامة على رئيس تنفيذي يريد أن يمنح نفسه وظيفة أسهل بضغوط أقل. فعلي الرغم من أن البعض قد يتكهن بأن تغيير العلامة التجارية الي (ميتا) يهدف إلى تشتيت الانتباه عن أحدث جولة من فضائح (الفيسبوك)، فمن المؤكد أن الإعلان عن خطة جذرية لإعادة هيكلة وتنظيم العالم الرقمي من شأنه أن يجعل النقاد أكثر تشككًا وحيرة حول دوافع الشركة الحقيقية. ولفهم سبب إعلان زوكربيرج عن (ميتافيرس)، من المفيد أن نفهم أن المحور الناجح للمشروع الجديد من شأنه أن يقوم بحل أربع مشاكل علي الأقل يواجهها (فيسبوك) في واقعنا الحالي:
المشكلة الأولي، وهي أن أعمال وخدمات (فيسبوك) أصبحت قديمة، وأصبح الشباب يفضلون تطبيقات، مثل (تيك توك) و(سناب شات) عن فيسبوك وخدماته. وعلي الرغم من أن هذه المشكلة لم تؤثر حتي الآن علي (فيسبوك) ماليا، فإن هناك مؤشرات فعلية أن (فيسبوك) والتطبيقات الأخري التابعة له تفقد اهتمام المراهقين والشباب بشكل ملحوظ وسريع. يمكن للـ(ميتافيرس) أن يساعد في حل هذه الأزمة الديوجرافية للشركة؛ وذلك عن طريق تشجيع الشباب على قضاء الوقت علي تطبيقات الواقع الافتراضي التابعة للشركة بدلا من مشاهدة مقاطع (تيك توك) علي هواتفهم.
مشكلة ثانية يمكن أن تعالجها إستراتيجية (الميتافيرس) في حالة نجاحها، ألا وهي مخاطر النظام الأساسي، حيث إنه لسنوات كان زوكربيرج منزعجًا من أنه نظرًا لأن تطبيقات (فيسبوك) للهواتف تعمل علي نظامي أندرويد و“IOS”بشكل أساسي، فإن نجاح (فيسبوك) كان متعلقا بشكل كبير علي (جوجل) و(آبل)، وهما شركتان غالبًا ما تتعارض أولوياتهما تمامًا مع أولوياته. على سبيل المثال، وجهت تغييرات “شفافية تتبع التطبيقات” لهذا العام من قبل شركة آبل ضربة للأعمال الإعلانية لدي (فيسبوك) من حيث جعل من الصعب على الشركة جمع البيانات حول نشاط المستخدمين على الأجهزة المحمولة. وإذا ظلت الهواتف الذكية هي الطريقة المهيمنة التي يتفاعل بها الأشخاص عبر الإنترنت، فلن يكون (فيسبوك) هو المتحكم في مصيره. ولكن في حال نجاح استراتيجية (ميتافيرس)، سيصبح (فيسبوك) حرا بعيدا عن تقييد (جوجل) و(آبل)؛ من خلال توجيه المستخدمين إلى منصات مملوكة لـ(فيسبوك)، مثل (أوكولوس كويست)، حيث لا داعي للقلق بشأن طردهم من متجر التطبيقات للتطفل على المستخدمين أو المساعدة في الإتجار غير المشروع.
المشكلة الثالثة التي يواجهها (فيسبوك) هي المشاكل التنظيمية. فيسبوك ليس على وشك الانهيار، تمامًا، لكن المنظمين داخل الشركة يدعون كثيرا أن نمو الشركة وتوسعها أصبح مقيدا، وذلك من خلال وضع قوانين خصوصية جديدة من حين إلي آخر. ونظرًا لأن العديد من المشكلات التنظيمية الخاصة بـ(فيسبوك) تنبع من الطريقة التي تُستخدم بها تطبيقاته في الجدل السياسي العنيف، فإن (ميتافيرس) يمكن أن يسمح له بالإشارة إلى عالم اجتماعي أكثر لطفًا لم يتم استيعابه بعد من قبل الغاضبين من سياسات فيسبوك.
المشكلة الرابعة، بالطبع، هي الضرر الذي يلحق بسمعة (فيسبوك) نتيجة العديد من الزلات والفضائح على مر السنين. لسنوات، كان أي شيء يفعله (فيسبوك) -حتى المشاريع التي لا علاقة لها بالشبكات الاجتماعية، مثل تقديم محفظة للعملات المشفرة– مصحوبا بتساؤلات عديدة. وبالنظر إلى أن العشرات من وسائل الإعلام لا تزال تبحث وراء اتهامات فيسبوك ومارك، فإنه من المرجح أن تزداد الصورة العامة للشركة سوءًا.
انطلاق (الميتافيرس) لن يحل أي من هذه المشاكل بين عشية وضحاها. ربما لن يحلها على الإطلاق، ويمكن -في الواقع- أن يدعو إلى أنواع جديدة من التدقيق لم يكن فيسبوك ليواجهها إذا كان قد أمضى ببساطة السنوات العديدة التالية في تركيز كل اهتمامه على إصلاح المشكلات المتعلقة بمنتجاته وخدماته الحالية. ولكن سيكون من الخطأ سرد تحول (الفيسبوك) إلي (ميتافيرس) كمجرد وسيلة للتحايل التسويقي، أو حيلة استراتيجية تهدف إلى منح الشركة المزيد من النفوذ على منافسيها، علي الرغم من أنه كذلك بالفعل. إذا نجح الأمر، فإن (ميتافيرس) الخاص بزوكربيرج سوف يفتح حقبة جديدة من الهيمنة، أى حقبة من شأنها توسيع تأثير شركة فيسبوك، ليشمل أنواعًا جديدة تمامًا من الثقافة والتواصل والتجارة. وإذا لم يحدث ذلك، فسيتم تذكره على أنه محاولة يائسة ومكلفة لإضفاء لمسة مستقبلية على شبكات التواصل الاجتماعي، مع توجيه الانتباه بعيدًا عن المشكلات المجتمعية الملحة. كلا الاحتمالين يستحق أن يؤخذ على محمل الجد.
على أية حال، هذه ليست حيلة غرور للسيد زوكربيرج، ففي (ميتافيرس) وجد ما يمكن أن يكون طريقة للهروب من حاضر فيسبوك الفوضوي والمليء بالأزمات والاتهامات، وفتح الأرضية على حدود جديدة خالية من تلك الاضطرابات المتلاحقة.
المصدر: مجلة السياسة الدولية
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر