الموقف الأميركي في اليمن.. الاتجاهات والدلالات | مركز سمت للدراسات

الموقف الأميركي في اليمن.. الاتجاهات والدلالات

التاريخ والوقت : الإثنين, 16 أبريل 2018

 عساف المسعود

تمهيد  

الموقف الأميركي من القضايا العالمية لطالما كان له أثر مهم منذ الحرب العالمية الثانية، والذي غيّر المعادلة في ذلك الوقت. فمحاولات فهم الموقف الأميركي في قضايا النزاعات مهم جدًا، لا سيَّما في منطقة الشرق الأوسط، فالموقف الأميركي إيزاء التدخل العراقي في الكويت كان مهمًا، كما هو الحال – أيضًا – في الموقف الأميركي في معاهدة كامب ديفيد، أو كتدخله العسكري في العراق. فمن هذا المنطلق، سنحاول تقدير المواقف الأميركية اتجاه الوضع القائم في اليمن، ومستوى التدخل والتصريحات؛ مما قد يشكل تصورًا مستقبليًا للمواقف الأميركية، حيث ستتم القراءة التاريخية لهذه المواقف، والتقديرية لها، حيال الواقع اليمني منذ اندلاع الثورة إلى الانقلاب على النظام الشرعي من قبل الميليشيات الحوثية.

المرحلة الأولى: التاريخ في العلاقات الأميركية اليمنية  

 الرجوع إلى البدايات في العلاقة الأميركية اليمنية، قد لا يعطي مؤشرات ودلالات واضحة عمَّا يحدث الآن في اليمن من عراك واحتراب داخلي سياسي وعسكري، لكن نعتقد أنه قد تكون هناك بعض القواسم المشتركة مع الواقع الآن، قد تمكننا من فهم الاتجاهات للموقف الأميركي في اليمن. ومن المهم هنا، الإشارة إلى الدكتور محمود محمد هملان الجبارات، الذي أرَّخ لتلك العلاقة في الفترة ما بين 1904 – 1948 في كتابه (العلاقات اليمنية الأميركية ١٩٤٠ -١٩٤٨ عهد الإمام يحيى حميد الدين)، الذي يُعتبر مرجعًا مهمًا في هذه الورقة التقديرية، وخصوصًا في بدايات القرن التاسع عشر، حيث يؤرخ في كتابه أن العلاقات الأميركية اليمنية بدأت كنظيراتها من العلاقات في الشرق الأوسط تحت عنوان (تطوير السياسة التجارية)[١].لكن في عام 1927 كانت البدايات الدبلوماسية الفعلية في العلاقة الأميركية مع اليمن من خلال مسودة مشروع معاهدة يمنية أميركية، كان أهم ما جاء فيها هو اعتراف الحكومة الأميركية بالاستقلال الكامل والمطلق للإمام يحيى وحكومته. لكن، وبالرغم من ذلك، لم تعترف أميركا بشكل نهائي باليمن، بل إنها قدمت للحكومة البريطانية رأيًا بعدم الاعتراف باليمن الذي يحكمه الإمام يحيى، تحت أسباب قدَّمها محللو وزارة الخارجية بأنه متعصب ويفضل التعاون العسكري مع العراق ومصر، وبأن الجماعات الزيدية الذين يشكلون ذراعه العسكري، لديهم أفكار متطرفة ضد الأجانب. وبالرغم من وجهة النظر الأميركية، فإن التعاون الاقتصادي مع الإمام يحيى استمر. كما أن الإمام يحيى قد فضل أن يكون محايدًا في الحربين العالميتين، حيث عقد عدة اتفاقيات مع الإيطاليين والاتحاد السوفييتي والأميركان في الشأن الاقتصادي والأمني. والجدير بالذكر، أن أهم اتفاقيات اليمن – كما لاحظ الإيطالي سلفادور  أبونتي – هي اتفاقية الطائف عام ١٩٣٤ التي تضمنت اشتراك الدولة السعودية واليمنية في التمثيل الخارجي. وكان ذلك، النداء الأول للوحدة العربية.[٢]

وفي عام ١٩٤٤ نشب نزاع حدودي بين اليمن والمحمية البريطانية في عدن، وكانت أميركا طرفًا رئيسًا في فض النزاع بين الأطراف. ومن الأحداث التاريخية المهمة في الموقف الأميركي، أنه بعد تقدُّم الإمام يحيى في السن وعجزه عن تولي مفاصل الدولة، تقدَّم الأمير علي إلى القنصلية الأميركية في عدن بطلب لمساعدته في تولي الحكم عن طريق انقلاب يزعم فيه أنه برغبة من الشعب اليمني، لكن الرد الأميركي كان واضحًا وذلك من خلال القنصل “تشارلز” آنذاك، وهو أن الولايات المتحدة لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول، وبأن تلك ليست سياستنا، وبأنه لا يمكن أن نسمح لأنفسنا على أن نقدم على تورط في التدخل في الشؤون المحلية اليمنية، بل إن “تشارلز” في إحدى رسالته لوزارة الخارجية الأميركية أشار إلى أنه يصعب تقييم ما يجري في اليمن[٣].

أمَّا بعد الانقلاب في اليمن واغتيال الإمام، فقد وصفت الوثائق الأميركية – كما ذكر الدكتور محمد هملان – بأن الخارجية الأميركية تابعت الأحداث من خلال الصحف المصرية، وقد التقت عدة شخصيات مصرية، أحدها كان “حسن البنا” زعيم حركة الإخوان المسلمين، حيث التقى السكرتير الأول فيليب إيرلندا، ونقل “إيرلندا” عن البنا وجماعة الإخوان المسلمين بأنه كان لهم دور في تنظيم الانقلاب الأخير في اليمن، وعلق على ذلك بأنه يصعب إيجاد أي علاقة بين جماعة الإخوان المسلمين وحزب اليمنيين الأحرار الذي كان وراء الانقلاب، وبأن هناك تكهنات بأن البريطانيين هم من دعم البنا، وذلك رغبة في تغيير النظام في اليمن، والتخلص من النفوذ الأميركي. وقد أنكر البنا – حينها – أنه تلقى أي دعم أو توجيهات من البريطانيين، وإنما كان التحرك في اليمن من قبله ومن قبل منظمته. كما أن الأميركان لم يعترفوا بنظام عبدالله الوزير – آنذاك – المدعوم من بريطانيا، ولا الحزب اليمني الحر. وبذلك كانت فترة الملكية في اليمن هي بداية العلاقة، وكانتتتسمىبنوع من التوازن وعدم التدخل، وكانت فرص نجاح تلك العلاقة غير واضحة.[٤]

المرحلة الثانية: ثورة اليمن عام ١٩٦٢م وغموض الموقف الأميركي  

كانت الستينيات من القرن الماضي، فترة تعُج بالصراعات المسلحة في الشرق الأوسط، فالحرب في فلسطين لم تضع أوزارها والعراق، وسوريا ملتهبة، وصعد جمال عبدالناصر على حكم مصر، والكثير من الأحداث التي شكلت ملامح المنطقة في حينها، والتي لم تخلُ من التدخلات الدولية بالمطامع والمصالح، وفي أحيان أخرى بالمساعدات.

 اليمن لم تكن بمنأى عن ذلك، فكانت الثورة اليمنية جزءًا من الأحداث المهمة التي تابعها المجتمع الدولي بدقة، وكان له رأي في ذلك، حيث “سارعت الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية معًا إلى الاعتراف بالحكومة الجمهورية (في اليمن)، وكان قرار الأمم المتحدة نتيجة لاقتراح تقدمت به مصر وأيدته الدول الشيوعية والكتلة الأفروآسيوية، وجاء اعتراف الولايات المتحدة في ١٩ ديسمبر ١٩٦٢ ولا تزال دوافعه غامضة”، وهذا نص ما قاله الكولونيل البريطاني ديفيد سمايلي، وهو المتمرس في المنطقة العربية في كتابه (مهمة في الجزيرة العربية).[٥]

عارض البريطانيون هذا الاعتراف الأميركي المتسرع بالحكومة الجمهورية في اليمن، واستعداد جونكيندي للعمل مع جمال عبدالناصر. وبالرغم من ذلك، بقيت العلاقات بين الولايات المتحدة واليمن منخفضة. وبعد الحرب الأهلية في اليمن، رحبت واشنطن بالنهاية التفاوضية لها، وكانت هناك دائمًا سفارة أميركية في صنعاء توفر كمية معتدلة من المساعدات. ومع ذلك، فإن مصالح الولايات المتحدة تقع على عاتق المملكة العربية السعودية، وكان اليمن في الغالب هامشيًا بالنسبة للسياسة الخارجية الأميركية. ومن بين المصالح الرئيسية للولايات المتحدة، الخوف من انهيار النظام وانزلاق البلاد إلى حالة من الفوضى تهدد الأنظمة في شبه الجزيرة العربية الحليفة. حيث بدت كمية المساعدة الصغيرة، التي قدمتها الولايات المتحدة، وكأنها عرض جانبي محلي صغير في الحرب الباردة العالمية، تنافست فيها الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي بتقديم المعدات العسكرية إلى شمال اليمن، في حين كان يُنظر إلى نظام صنعاء على أنه حصن ضد اليمن الجنوبي الأكثر راديكالية.

المرحلة الثالثة: وحدة اليمن وعلاقات جديدة مع الولايات المتحدة الأميركية

كان الرئيس علي عبدالله صالح، الذي جاء إلى السلطة في عام 1978، ذكيًا في تقديم مظهر متنامٍ من الدمقرطة، كما هو موضح في إجراء انتخابات حرة للبرلمان. هذا جذب انتباه واشنطن في ضوء التأكيد على التحول الديمقراطي باعتباره حصنًا للسياسة الأميركية المعلنة تُجاه الشرق الأوسط في ذلك الوقت. وافتتح المعهد الجمهوري الوطني والمعهد الديمقراطي الوطني، مكاتب في صنعاء لمراقبة الانتخابات وتشجيع اتخاذ خطوات إضافية.[٦]

استمر علي عبدالله صالح، في محاولة تحسين الصورة أمام المجتمع الغربي وعدم القطيعة مع المقابل والمنافس للغرب الخندق الاشتراكي المتمثل في الاتحاد السوفييتي (روسيا) وحلفائها في المنطقة من حركات ومنظمات ودول، فقد زار علي عبدالله صالح، رئيس الجمهورية العربية اليمنية (ومن ثم الجمهورية اليمنية) موسكو أربع مرات، مرتين قبل تفكك الاتحاد السوفييتي في عامي 1981 و1984، ومرتين لاحقًا في روسيا الحديثة في عامي 2002 و2004 . وترتكز العلاقات بين الدولتين على قاعدة قانونية واسعة ممثلة بمعاهدتي الصداقة والتعاون مع جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (عام 1979)، والجمهورية العربية اليمنية (عام 1984)، وغيرهما من الوثائق الثنائية.[٧]

في حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، دعم اليمن العراق، بل إنه أرسل قوات لمساعدة الجيش العراقي.[٨]وهكذا، كان المشهد العربي في أغلبه مساندًا وداعمًا للعراق، وإن اختلفت أوجه الدعم، ما عدا السوري الذي كان يتحفظ بسبب مصالحه مع إيران والعلاقات غير الجيدة مع نظام صدام حسين.

تتالت الأحداث في المنطقة بعد ذلك، لتكشف أن التموضع في منتصف القوى الدولية لا يدوم طويلًا، كما كان يعتقد صالح، لا سيَّما في عدم وجود قاعدة قوية لهذا التموضع وموقع اليمن الاستراتيجي وسط هذه القوى. فكانت حرب الخليج الثانية، هي المحدد للموقف اليمني الذي اختار فيه أن يستمر في دعمه للعراق، فكان امتناعه عن التصويت على القرار ٦٧٨ الذي قرر مجلس الأمن الدوليفيه استخدام كل الوسائل، بما فيها الحربية، ضد العراق ما لم يسحب قواته من الكويت في فترة أقصاها15 يناير من العام التالي. وكان ذلك القرار إنذارًا للعراق طالما أن الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي وقعتا عليه. ووقتها، كلف ذلك اليمن الكثير، حيث قام المندوب الأميركي للأمم المتحدة بتمرير ورقة للممثل اليمني كتب فيها “سيكلفكم ذلك غاليًا”. وبالفعل قطعت واشنطن برنامج المساعدات الخارجية، الذي تبلغ تكلفته 70 مليون دولار، فكان ذلك فصلاً جديدًا من العلاقات.[٩]

واستمرت تلك الحساسية الأميركية في العلاقات الأميركية اليمنية، التي مبدؤها التوجس من تصرفات الحكومة اليمنية التي تعمل في اتجاه، وتتخذ مواقف مغايرة في نفس الوقت. ففي عام ١٩٩٤م، عندما بدأت المعارك بين الجيش في الشمالي والجنوبي، لم تتخذ الولايات المتحدة موقفًا حاسمًا بشأن الحرب، حيث اقتصرت إلى حدٍ بعيدٍ على دعم دعوات دول مجلس التعاون الخليجي لوقف إطلاق النار.

المرحلة الرابعة: القاعدة واستهداف المصالح الأميركية في اليمن

بعد الموقف الأميركي بقطع المساعدات عن اليمن، بسبب دعمه لنظام صدام حسين في التسعينيات، بدأت تتحسن العلاقات في مطلع الألفية، لكن مع بعض التوجسات الأميركية. وبالفعل، كانت هناك عدة أحداث أثبتت وجهة النظر الأميركية، وكان الحادث الأكثر تأثيرًا فيها، هو الهجوم على السفينة الحربية الأميركية “يو إس إس كول” في ميناء عدن في أكتوبر 2000، وكانت – حينها – الولايات المتحدة تعلم أن اليمن ملاذ للإرهابيين والقاعدة على وجه الخصوص، لكن بعد أحداث ١١ سبتمبر فضل الأميركان أن يتعاملوا مع اليمن في مكافحة التطرف. وعلى هذا الأساس، ذهب الجنرال تومي فرانكس، رئيس القيادة المركزية الأميركية إلى اليمن للقاء الرئيس اليمني علي عبدالله صالح. كما أن الرئيس بوش دعا صالح – آنذاك – وشكره على تعاون بلاده في الحرب ضد الإرهاب. وقال مسؤول أميركي – آنذاك – إن اليمن كان “من أهم الخطوط التنظيمية لتنظيم القاعدة في العالم، آلاف من قدامى المحاربين في الحرب السوفييتية – الأفغانية يعيشون في اليمن وقادرون على شن هجمات غير منسقة أو منسقة”. وقالت الحكومة اليمنية في ذلك الوقت، إنها قامت بترحيل نحو ٥٠٠٠ من المقاتلين غير اليمنيين منذ عام ١٩٩٨م، وأصدر وزير الداخلية اليمني – وقتها – تحذيرًا ضد إخفاء أشخاص يشتبه في أنهم أعضاء في تنظيم القاعدة. وفي ديسمبر كانون الأول من عام ٢٠٠٢، هاجمت القوات الخاصة اليمنية المدعومة بالدبابات وطائرات الهليكوبتر، قبيلتين يشتبه في دعمهما لتنظيم القاعدة، تمَّ تدريبها من قبل الولايات المتحدة.[١٠]غير أن ذلك لم يؤكد للأميركان مدى جدية علي عبدالله صالح في محاربة التطرف، حيث يقول المسؤولون الأميركيون إنهم أدركوا منذ فترة طويلة أن صالح شريك متقلب ضد القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وإنه هو وموالوه في الأجهزة الأمنية قد احتفظوا في بعض الأحيان بمقاتلين جهاديين سابقين، وأساؤوا استخدام المساعدات الأميركية لمكافحتهم.[١١]

المرحلة الخامسة: ما يعرف بالربيع العربي في اليمن والرئيس باراك أوباما

رحّب الرئيس أوباما، بما يعرف بالربيع العربي في المنطقة، بما يخدم المصالح الأميركية، فكان ذلك ساريًا على الثورة اليمنية، بل إنه رحّب – أيضًا – بما طرحه الرئيس صالح عن مبادرته للحوار الوطني وإعطاء مكتسبات للمعارضة.كانت الحكومة الأميركية تجد أن مصالح الولايات المتحدة ستخدم بشكل أفضل في تشكيل حكومة جديدة قد تسمح باستمرار الهجمات الأميركية على القاعدة. وقال أوباما – أيضًا – “في ظل قيادة الرئيس هادي، فإن لدى اليمن القدرة على أن تكون نموذجًا لكيفية حدوث التحولات السلمية عندما يقاوم الناس العنف ويتوحدون تحت قضية مشتركة”.[١٢]

المرحلة السادسة: اليمن بعد انقلاب الحوثيين على الرئيس المنتخب –عبد ربه منصور هادي – والموقف الأميركي

الحوثيون جماعة إرهابية، تتخذ من شمال غرب اليمن مقرًا لها. حاصر رجال هذه الميليشيا المتمردة، القصر الرئاسي ما جعل الرئيس يطلب المساعدة من المجتمع الدولي، الذي لم يكن يعتقد أن هذه الميليشيا قد تسبب أزمة في المنطقة، لكن المملكة العربية السعودية قادت تحالفًا عربيًا لدعم شرعية الرئيس عبد ربه، وذلك بعد أن استشعرت بأن النظام الإيراني سيصبح في الفناء الخلفي للمملكة، هذا الجار صاحب المطامع المعلنة والمتفاخر باحتلاله أربع عواصم عربية. الموقف الأميركي هنا، كان خجولاً ومترددًا، وهو في عهد الرئيس أوباما، لم يتجاوز إرسال طائرات بدون طيار، وبعض المعلومات الاستخباراتية؛ وذلك لعلم البنتاغون بأن التنظيمات الإرهابية والقاعدة لا تزيد قوة، إلا في أوضاع فوضوية.[١٣]

سيناريوهات التدخل الأميركي في اليمن (بين الدعم والتدخل الجزئي والكامل للقوات الأميركية)

منذ مطلع الستينيات وهناك مشاكل حدودية بين اليمن والسعودية، تمَّ حل بعضها، والبعض الآخر كان يذهب لمناوشات عسكرية على الحدود، ويعود ذلك لسبب رئيسي، وهو أقدم بكثير، يعزى لخلافات ترسيم الحدود بين الدولتين في عهد المغفور له الملك عبدالعزيز، والملكية في اليمن. بالإضافة إلى أن الجغرافيا الحدودية معقدة ووعرة. لكن ما أقدم عليه الحوثيون في عام ٢٠٠٩ من الدخول إلى الحدود السعودية ومحاولة الاعتداء على الأراضي السعودية، كان واضحًا ومدعومًا بأدلة قطعية الثبوت. وفي هذا يقول ديفيد سيكنر، مدير السياسات العربية في معهد واشنطن “ظهرت أدلة قوية على الدعم الإيراني المباشر للحوثيين، ويقول اليمنيون إن لديهم دليلاً على أنهم قد شاركوه مع نظرائهم الإيرانيين، لكنهم لم يعترضوا علنًا، واتهم اليمنيون طهران بلا هوادة بمساعدة الحوثيين”. ويقول ديفيد “قال جيفري فيلتمان، مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى لـجريدة الحياة، إنه في الوقت الذي تأخذ فيه واشنطن الاتهامات على محمل الجد، ليس لدينا أدلة على أن التدخل الإيراني مع الحوثيين عميق مثلما هو الحال مع حزب الله”.[١٤]

الدعم الجزئي والتردد الأميركي في عهد أوباما، كان واضحًا للعيان منذ ٢٠٠٩، وقد يعود ذلك لمحاولة استكمال سير المفاوضات مع الإيرانيين في الملف النووي، والدعم الجزئي هنا للسعودية لكونها الحليف المهم. لكن يبدو أن هذا الخيار الأميركي في محاولة التوازن، فاقم من الأزمة في اليمن؛ مما جعل التورط الإيراني يتزايد، وهو ما أدى بالنتيجة إلى محاولة السيطرة على اليمن من خلال ميليشيا الحوثي.

كان للجمهوريين في الكونجرس والخارجية الأميركية – آنذاك – يد وتورط في مآلات الأزمة في اليمن، وذلك منذ البدايات، حيث تمَّ دعم الحوثيين بالسلاح عندما كانت هناك معارك ضد القاعدة، وذلك للمساندة، وهذا ما أكده رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية الدكتور عشقي لصحيفة سبق، بأن الولايات المتحدة الأميركية اعترفت بدعمها للحوثيين في خطاب ألقاه الرئيس أوباما قبل أشهر في أكاديمية “ويست بوينت” العسكرية، موضحًا أن واشنطن لم تستمع لتحذيرات السعودية بأنهم إرهابيون.[١٥]

لكن.. ماذا عن الموقف الأميركي في رئاسة دونالد ترمب؟

في بداية رئاسته دعا دونالد ترمب السعودية إلى إنهاء العمليات العسكرية في اليمن.[١٦]في المقابل، هذا ما كانت تبحث عنه من محاولة إيجاد حل سياسي في اليمن، كما جاء في تصريح وزير الخارجية عادل الجبير، على موقع التواصل (Twitter) بأنه”سواءً اختلفنا أو اتفقنا مع الحوثيين، فإنهم يظلون جزءًا من النسيج الاجتماعي لليمن”، مضيفًا في تغريدة منفصلة: “بينما داعش والقاعدة تنظيمات إرهابية يجب عدم ترك المجال لها للبقاء، لا في اليمن ولا في أي مكان آخر في العالم”.

وبالرغم من استمرار الموقف الأميركي في عدم الدعم العسكري الكامل للتحالف، فإن الصفقات التي عقدتها السعودية مع الولايات المتحدة، والتي تضمنت شراء أسلحة، قد تُحسب بأنها موقف جدي لأميركا في اليمن، ودعم مهم لقوات التحالف لاستكمال عملياتها في اليمن لتجنيبه السيطرة من قبل الحوثيين والإيرانيين، لا سيَّما أن المجتمع الدولي يكاد يجمع على أنهما في خندق وحلف واحد.

 تتغير بعد ذلك الأمور في الداخل الأميركي، بعد أن أقال دونالد ترمب، وزير الخارجية ريكس تيلرسون، وعيّن مكانه مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية مايك بومبيو، الذي بدأت معه وجهة النظر في الخارجية الأميركية تتغير نحو الوضع في اليمن والتدخل الإيراني.

إذ يقول متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية: “تتخذ الولايات المتحدة عددًا من الإجراءات لمساعدة التحالف الذي تقوده السعودية على دعم الحكومة اليمنية والدفاع عن الأراضي السعودية مع تقليل الإصابات بين المدنيين، بما في ذلك توفير المعدات والتدريب وتقديم المشورة للجيش السعودي”.[١٧]

وقال رئيس القيادة المركزية للقوات البحرية الأميركية والمكلف بحماية المياه، قبالة السواحل اليمنية، إن الولايات المتحدة وحلفاءها اعترضوا خمس شحنات أسلحة من إيران متجهة إلى الحوثيين. كما أن القادة الأميركيين مقتنعون بأن إيران تقوم بتدريب المتمردين على تشغيل الأسلحة المتطورة وأنظمة الرادار.[١٨]

الملخص والنتائج   

بعد فحص تلك المواقف الأميركية، في عدة مراحل من الحياة السياسية في اليمن، يمكن لنا أن نتفهم الموقف الحالي للقيادة الأميركية التي تخشى التوغل في اليمن، في شكل إنزال قوات صريحة إلى الأراضي اليمنية للمواجهة العسكرية، سواء ضد القاعدة، أو ضد الميليشيات الشيعية المتطرفة (الحوثيين)، وهذا عقب تجربة العراق التي قد لا تكون مماثلة، لكن لها نفس البعد العسكري مع صعوبة أكثر في اليمن بسبب وجود التضاريس الصعبة، وتوفر السلاح، وكثرة التجمعات القبلية التي لا تمانع في الاشتراك في اشتباكات مسلحة.

الولايات المتحدة تجد – أيضًا – أن مصالحها منخفضة جدًا في اليمن، وأن مستوى تدخلها الآن في اليمن يتناسب مع هذه المصالح، وما يهتم به الأميركان – استراتيجيًا – هو وجودهم في خليج عدن التي تقف فيه البارجات الأميركية الحاملة للطائرات التي استخدمت في انطلاق الطائرات إلى إفريقيا في بعض التدخلات العسكرية في مناطق الصراع، وضرب القاعدة في اليمن، وتزويد الطائرات بالوقود، ونقطة تمركز استراتيجية لإطلالها على ميناء الحديدة.

تمارس السعودية – اليوم – سياسة احتواء تمظهرت في التدخل السياسي، والعسكري، والدبلوماسي، ودعم القوى في اليمن. لكنها في المقابل، تواجه تدخلاً إيرانيًا غير عربي لا ينتمي للمحيط الجغرافي أو الثقافي لليمن، يرمي بكل ثقله لفكرة استنزافية خطيرة تأخذ الكثير من حياة الشعب اليمني وأمنه واستقراره. فإيران تحاول إطالة الأزمة قدر الإمكان بوسائل عدة، منها: تهريب الأسلحة للميليشيات الحوثية، ودعم الموقف الحوثي في المفاوضات الدولية، وتقديم المعلومات الاستخباراتية. لكن بالنتيجة، كل تلك الأعمال المتراكمة ستحرك القوى الدولية تُجاه تدخلها في اليمن الرامي لتدميره. وهذا ما حدث في سوريا التي كررت – بشكل ما – نفس الاستراتيجية، وها هي الآن روسيا تحيد الإيرانيين في كثير من المواقف والصراعات في سوريا، بل إن الضربات الأميركية للإيرانيين في سوريا بدأت تتصاعد. ومن هنا، يمكن القول إن عامل الوقت الذي تعتمد عليه إيران لاستنزاف اليمن في المقام الأول وقوى التحالف العربي، قد يكون وبالاً عليها.

الموقف الأميركي قد يتبدل متى تأكد له أن التهديد لحلفائه في الخليج (السعودية والإمارات) قد يهدد مصالحه، وهذا ما حذر منه كثير من الاستراتيجيين الأميركان. لكن إلى الآن السعودية والإمارات تسيطران بقوة على انفلات المشهد اليمني بفرض الحصار الجوي والبحري والعمل السياسي مع القوى.

 تعلم أميركا – أيضًا – أن الأيديولوجيا في اليمن، سواء الإسلامية بشقيها الشيعي والسني، أو اليسارية، تحمل العداء للولايات المتحدة، وأن التدخل بمواجهة علنية قد يكلفها الكثير، ويتفهم حلفاؤها في السعودية والإمارات هذا التوجس. كما أن الداخل الأميركي في البنتاغون والمؤسسات العسكرية يرفضون التدخل، بل إن رفض بعضهم لصفقات السلاح، قد يعزى لأجل مكاسب حزبية؛ لأن المشهد في الشارع الأميركي والإعلام محتقن اتجاه سياسات ترمب، ومن الصعب التورط في مواجهة معه في الفترة الحالية.

لكن، بعد زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الأخيرة، من المرجح أن تخدم وجهة النظر السعودية، خصوصًا في اليمن، لا سيَّما أنه تخللها عدد من الزيارات للقوى الناعمة في أميركا من ملاك لمؤسسات عابرة للقارات، ومؤسسات إعلامية؛ وهذا مهم جدًا، فلتلك المؤسسات دور كبير في السياسة الأميركية.

الموقف الأميركي سيكون مطلوبًا منه التدخل – بشكل كامل – في حال قام الإيرانيون بمواجهة مباشرة في اليمن، وتدخل عسكري يتحدون فيه سيادة اليمن. وبالرغم من أنهم يقومون بذلك في اليمن، فإن الأميركان، وقوى دولية أخرى، تجده غير واضح أو غير مباشر. لكن ما يحدث في الفترة الأخيرة من هذا العام ٢٠١٨، من إطلاق الصواريخ على الرياض ذات المصادر الإيرانية، بدأ في تبديد بعض الشكوك الدولية، وقد نشهد تطورات في الموقف الأميركي والدولي خلال الفترات القادمة.

كاتب وباحث أكاديمي سعودي*

@AlmsaudAssaf

المراجع العربية والأجنبية 

[١] كتاب (العلاقات اليمنية الأميركية ١٩٤٠م-١٩٤٨ عهد الإمام يحيى حميد الدين) للدكتور محمود محمد هملان الجبارات، ص ١٢٤.

[٢] المرجع السابق.

[٣] المرجع السابق.

[٤] المرجع السابق [١]

[٥] كتاب (مهمة في الجزيرة العربية)، ديفيد سمايل، ص ١٢٩.

[٦] The United States and Yemen- A history of unfulfilled expectations J. E. Peterson-http://cutt.us/0rNYR

[٧] الموقع الرسميRTلقناة روسيا اليوم. http://cutt.us/dWljw

[٨] كتاب (الأزمة السياسية اليمنية 1990 – 1994م)، ناصر محمد ناصر‎، ص ٢٠٦.

[٩] A Costly Vote? Yemen Paid a High Price For 1990 Security Council Veto- Washington Report on Middle East Affairs – http://cutt.us/y0Snm

[١٠] Suspect in USS Cole bombing kills self in Yemen-http://cutt.us/CphEx

[١١] Playing a Double Game in the Fight Against AQAP- FOREIGN POLICY-http://cutt.us/jHhU

[١٢]Ex-President Saleh to leave Yemen after handover,- officials say- CNN http://cutt.us/u4z9O

[١٣]Quiet Support for Saudis Entangles U.S. in Yemen –The New York times –http://cutt.us/nIq7Q

[١٤]Who’s Behind the Houthis? ByDavid Schenker – The Washington Institute. http://cutt.us/iHWJN

[١٥] أميركا تعترف بدعم “الحوثيين”.. وأكاديمية ويست بوينت العسكرية تشهد.   https://sabq.org/Esxgde

[١٦]Donald Trump calls on Saudi Arabia to end Yemen blockade immediately – Independent – http://cutt.us/ZLPRh

[١٧] Congress Sours on Saudi Arabia Over Yemen – FP-http://iu.sa/q9Kgi

[١٨]Analysis: Trump Turns Attention to Yemen, but Is Looking at Iran – NBCnews http://iu.sa/c4Y9Q

 

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر