سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
مي الشريف
لقد كان ٢٠١٥ عام التغيير السياسي لدولة كندا، فقد لفظ الشعب الكندي التطرف اليميني الذي كان يحكمه، فعبر صناديق الاقتراع استطاع الحزب الليبرالي الفوز بالرئاسة وذلك بعد ٩ سنوات مثيرة حكمها الحزب المحافظ برئاسة ستيفن هاربر وسياسته المثيرة للجدل التي تبناها طيلة السنوات السابقة. تلك السياسة التي بسببها رثى رئيس الوزراء السابق جان كريتيان بلاده قائلا: “أنا حزين أن أرى أنه في أقل من عشر سنوات استطاعت حكومة ستيفن هاربر أن تدمر سمعة كندا التي بنتها لأكثر من ستين عاما كدولة محبة وبانية للسلام والتقدم”.
كندا كما هي الحال مع الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر أرض أحلام المهاجرين والحالمين لتحقيق أهدافهم والحصول على حياة أفضل، ولكن في السنوات التي حكم فيها الحزب المحافظ اختلف الأمر. فلم تكن إجراءات الوصول لكندا بسهولة كالسابق، فقد تم تغيير وتعطيل عدة أنظمة أهمها أنظمة الهجرة، نظام لم الشمل الكندي، وقانون الجنسية وإجراءات الحصول على تصاريح العمل. ومع الأزمة السورية وزيادة عدد طلبات اللاجئين كانت حكومة هاربر بالمرصاد فتم تغيير قوانين الهجرة وتعقيدها باستمرار لتقليل عدد اللاجئين بطريقة غير مباشرة.
وفي سبتمبر ٢٠١٥ و قبل الانتخابات الرئاسية الكندية بشهرين، انصدم العالم بصورة الطفل السوري الغريق على سواحل تركيا “ايلان كردي” ليمتزج الحزن بموجة من الغضب الشعبي وصلت تباعاتها للمجتمع الكندي وذلك بعد نشر حديث عمة الطفل المقيمة في كندا عن محاولة والدي ايلان كردي المجيء ورفض السلطات الكندية طلب اللجوء ليتساءل الكنديين عن ادعاءات حكومة المحافظين والتي غيرت صورة كندا في العالم من الدولة المحبة إلى الدولة التي رفضت ايلان كردي ليغرق بلا حول ولا قوة. تلك الحادثة وصورة الطفل الغريق كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، فقد كان ستيفن هاربر رئيس حزب المحافظين على وشك الفوز برابع انتخابات على التوالي و لكن صورة إيلان كردي غيرت الأحداث فقفز الحزب الليبرالي من الترتيب الثالث إلى فوز تاريخي في الانتخابات البرلمانية الكندية محرزاً الأغلبية في البرلمان بإجمالي 184 مقعداً تمثل نسبة 39,5%.
“التغيير الحقيقي” هذا ما وعد جاستن ترودو مواطنيه في حملته الانتخابية، التغيير للأفضل الذي سيلامسه الغني والفقير، المواطن والمهاجر على حد سواء. وعد أن يعيد للأذهان صورة كندا كما كانت محبة ومضيافة كما فعلت منذ ستون سنة عندما استضافت مئة ألف مهاجر هنغاري بعد اضطرابات حدثت في بلادهم بالإضافة إلى ستون ألف لاجئ من فيتنام وكمبوديا ولاوس. وبعد فوز ترودو بأسابيع بدأت كندا تستقبل آلاف السوريين القادمين من لبنان. و كانت كلمة الرئيس الكندي عن هذا الموضوع : “سنستمر في الموازنة بين وجود نظام قوي وقبول أناس بحاجة للمساعدة”.
لم تكتفي الحكومة كندا بسياسة تسهيل إجراءات استقبال اللاجئين فقط وإنما أقرت قوانين ضد العنصرية وداعمة للمسلمين بالذات، فقد تم مؤخرًا إقرار مشروع من أجل محاربة ظاهرة معاداة الإسلام “Islamphobia الإسلاموفوبيا” المنتشرة في الدول الغربية. ويعود الفضل لهذا المشروع إلى من تقدمت بمشروع القانون النائبة ” اقرأ خالد” والتي انتقلت من باكستان مع أسرتها وهي صغيرة. هذا القانون هو العكس تماما لما كان يحصل للمسلمين في عهد المحافظين من محاولات فرض قانون لحظر ارتداء النقاب والتي لم تنجح، وتشبيه اللاجئين بأسلحة الدمار الشامل بالإضافة لقوانين الإرهاب والتي جعلت المسلمين والمهاجرين تحت الشكوك المستمرة وإشعارهم كمواطنين من الدرجة الثانية.
واليوم نرى الرئيس الكندي ترودو يمارس ما تعلمه من والده بيبر ترودو و الذي حكم كندا من ١٩٦٨ حتى ١٩٨٤ والتي تميزت سنواته بازدهار الحريات وإصدار ميثاق الحقوق والحريات إلى الدستور الكندي عام ١٩٨٤. فجميل أن نرى الحكومة الكندية اليوم تبحر عكس التيار السياسي والاجتماعي المناهض للحريات وانتشار العنصرية بأنواعها. حكومة تحترم الإنسان بغض النظر عن دينه، أصله، لونه ومعتقداته.
باحثة سياسية*
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر