الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني يغير قواعد اللعبة | مركز سمت للدراسات

الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني يغير قواعد اللعبة

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 18 أغسطس 2020

يهدف الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC)، الذي هو قيد الإنشاء وبتكلفة 46 مليار دولار، إلى تحسين البنية التحتية الباكستانية وتعميق العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الصين وباكستان.

ويعتبر هذا الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان مفيدًا لإسلام أباد، إلا أنه يحمل أيضًا فوائد اقتصادية واستراتيجية كبيرة بالنسبة للصين.إذ تتضح أهميتها بالنسبة للصين من حقيقة أنها جزء من خطة التنمية الخمسية الثالثة عشرة للصين.

وسيعزز الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني العلاقات بين البلدين، اللذين يشتركان في تاريخ من العلاقات الاستراتيجية المتجانسة، عبر مجموعة متنوعة من المصالح المشتركة التي تمتد على مدى ستة عقود.وفي السنوات الستة والخمسين الماضية، قام كلا البلدين بتطوير التعاون التجاري والاقتصادي بشكل قوي.

وتعدُّ الصين الشريك التجاري الأكبر لباكستان على مستوى الواردات والصادرات. إذ يذهب الممر إلى أبعد من ذلك لتعزيز التعاون الاقتصادي المربح بين البلدين.وإذا تمَّ إنجاز هذه الخطة، فإنها ستكون مصدر فخر للصين في برامجها الخاصة بالتنمية الاقتصادية مع دولة أخرى حتى الآن.

وعلى مدار خمسة عشر عامًا، كان هذا المخطط يهدف إلى إنشاء ممر اقتصادي بين ميناء “جوادر” ومنطقة “شسنجيانغ” شمال غرب الصين عبر الطريق السريع الممتد بطول 2700 كيلومتر من “كاشغر” إلى “جوادر”، وروابط السكك الحديدية لقطارات الشحن، وخطوط أنابيب النفط والغاز، ووصلات الألياف الضوئية الممتدة عبر المنطقة.

ومن شأن هذا المشروع أن يوفر نحو 77 ألف وظيفة جديدة، ويضيف نحو 2.5% لمعدل النمو الاقتصادي لباكستان. فللممر الاقتصادي الصيني الباكستاني أهمية اقتصادية واستراتيجية لا يمكن إنكارها لباكستان والصين؛ وهو ما جعل البعض يطلقون عليه لقب “مغير قواعد اللعبة” بالنسبة لباكستان، إذ سيربط الصين بالعديد من الأسواق في وسط وجنوب آسيا. فالصين تقع حاليًا على بعد حوالي 13 ألف كيلومتر من الخليج العربي مع مدة شحن يبلغ حوالي 45 يومًا.

وسيقلص الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني هذه المسافة إلى 2500 كيلومتر فقط (بنسبة 80%).كما سيقلل وقت الشحن إلى 10 أيام (بتخفيض 78%)، على أن الجزء الأكبر من تجارة الصين يتم عبر القناة البحرية الضيقة لمضيق ملقا؛ وهو ما يدفع كبار المحللين الأمنيين للقول إنه في حالة نشوب حرب مستقبلية في آسيا، يمكن للبحرية الأميركية إغلاق مضيق ملقا، وهو ما من شأنه أن يخنق طريق التجارة الصيني. بالإضافة إلى توفير طريق بديل، سيقلل الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني من وقت النقل من الصين إلى أوروبا.

وسيوفر الجزء الأكبر من المشروع الطاقة الكهربية لباكستان المتعطشة للطاقة، والتي تتأثر بشدة بساعات من انقطاع التيار الكهربائي يوميًا نتيجة لنقص الطاقة، وهو ما يعتمد في الغالب على بناء محطات طاقة جديدة تعمل بالفحم.

وقد استهدف تلك الخطط إضافة 10.400 ميجاوات من الكهرباء بتكلفة 15.5 مليار دولار بحلول عام 2018. وبعد ذلك جرت إضافة 6600 ميجاوات أخرى بتكلفة إضافية تبلغ 18.3 مليار دولار، مما يضاعف إنتاج باكستان الحالي من الكهرباء.

كما يجلب ذلك الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني العديد من الفوائد للصين وباكستان، إلا أنه يواجه أيضًا العديد من التحديات نتيجة للتهديدات الأمنية والسياسية، والتي ترجع إلى مصدرين رئيسيين هما: التدخل الهندي، والتمرد الانفصالي في بلوشستان حيث يقع ميناء جوادر.ويترابط هذان المصدران للتهديد بشكل واضح حيث تكشف الاعتقالات الأخيرة للجواسيس الهنود من قبل باكستان أن الحكومة الهندية تنفق أموالاً طائلة وطاقات هائلة على تخريب مشروع الممر الاقتصادي.وبصرف النظر عن أنشطة التجسس، فإن الهند تدعم أيضًا المتمردين البلوش.

ومع ذلك، فإن باكستان على درجة عالية من الجاهزية والاستعداد لمواجهة التحديات التي تهدد الأمن والبنية التحتية، ولديها الإمكانية للتعامل بفعالية مع هذه التحديات. فقد نجحت العملية العسكرية المعروفة بـ”ضرب عصب”،التي نالت اعترافًا دوليًا، في طرد الجزء الأكبر من المتطرفين بالأراضي الباكستانية.كما أن الجانب السياسي من المشروع الباكستاني ليس لديه نفس الصورة الوردية المتخيلة. فمن الصعب دومًا أن يتحقق الإجماع السياسي حول قضية ما. فعلى سبيل المثال، تعرض مشروع “سد كالاباغ”، الذي يعتبر على درجة عالية من الأهمية بالنسبة لمعالجة مشاكل نقص المياه في باكستان، لموجة هائلة من الجدل السياسي وهو لا يزال قيد الإنشاء.

ويتم شن العديد من حملات المقاطعة التي تهدف إلى جعل الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني أشبه بحالة “سد كالاباغ” أخرى. ومع ذلك، فقد ساد هذه المرة قدر من العقلانية بين القيادة السياسية، وتمَّ القضاء على الخلافات في مهدها في مرحلة مبكرة. وإلى جانب جهود القادة السياسيين، لا ينبغي أن تذهب مساهمة قائد الجيش دون وقفة مناسبة.فقد أبدى القائد اهتمامًا خاصًا بهذا المشروع، وقدم الجيش الباكستاني دعمًا كاملاً لهذا المشروع الاقتصادي الضخم.

إن الممر الاقتصادي لديه القدرة على تحقيق فوائد اقتصادية ضخمة لشعب باكستان والمنطقة. ووفقًا لتقديرات حديثة، فإن الممر سيخدم ثلاثة مليارات شخص، أي ما يقرب من نصف سكان العالم. وبالتالي، فإن كتلة اقتصادية ضخمة على وشك الظهور من هذه المنطقة.وعند الانتهاء من هذا الممر الاقتصادي الباكستاني، ستصبح باكستان جسرًا يربط بين ثلاثة محركات للنمو، وهي: الصين، وآسيا الوسطى، وجنوب آسيا.

وبجانب ما سيترتب على هذا الممر من خلق فرص عمل إضافية، فإنه سيدفع الاقتصاد الباكستاني لمصاف معدلات النمو الاقتصادي العالمية، ما يعني أنه سيضمن استقرار باكستان، ويعمل كرادع للتطرف والعنف.لكن لن يكون استكمال مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني مهمة سهلة، إذ إنه يتسبب في العديد من المؤامرات الدولية التي يجب حمايته منها.

أخيرًا، ستكون المكاسب الاقتصادية لهذا المشروع عالية جدية، من خلال ربط جميع اقتصادات المنطقة؛ ذلك أنه بمجرد أن يعمل هذا المشروع بكامل طاقته، يتوقع أن تنضم الهند إليه في نهاية المطاف ما يسهم في تشكيل نادٍ اقتصادي كبير.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: البوابة

 

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر