“المعسكر الإصلاحي” الإيراني في أزمة | مركز سمت للدراسات

“المعسكر الإصلاحي” الإيراني في أزمة

التاريخ والوقت : الأحد, 20 يناير 2019

شهير شاهد ساليس

 

لا يمكن وصف الرئيس الإيراني حسن روحاني، بأنه “رئيسٌ إصلاحيٌ”؛ ولهذا السبب، فقد احتفظ “روحاني” بمنصبه باعتباره كان يعمل ممثلاً للمرشد الأعلى في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني لمدة 23 عامًا، أي منذ إنشائه حتى انتهاء فترة رئاسته الأولى في 2013.

ونجا “روحاني” من إعادة انتخاب سلفه محمود أحمدي نجاد عام 2009، في حين أنتجت تلك الانتخابات والاحتجاجات الجماهيرية العديد من الاختلالات السياسية التي أصابت ما يعرف بـ”المعسكر الإصلاحي”، إذ لم يبدُ “روحاني” سليمًا فقط، بل كان في موقع جيد أتاح له التقدم كمرشح براجماتي متفق عليه.

وخلال الانتخابات الرئاسية التي أُجريت عام 2013، وكذلك خلال حملته الانتخابية في عام  2017، اتخذ “روحاني” موقفًا بدا إصلاحيًا متطرفًا ضد “التيار المحافظ” من أجل حشد القاعدة الاجتماعية للإصلاحيين الإيرانيين. ومع ذلك، ومنذ عام 2017، فإن “روحاني” حاول النأي بنفسه تدريجيًا عن “المعسكر الإصلاحي”، حتى إنه تبنى سياسة الصمت والتوافق في تفاعلاته مع المحافظين، مما أثار انتقادات مكثفة ممن يعرفون بـ”الإصلاحيين المؤثرين”.

وفي السابع من يناير الجاري، واجه “محمود فايزي”، رئيس هيئة الأركان الرئاسية، وهو واحد من ثلاثة أشخاص يتمتعون بتواصل دائم مع “روحاني”، بجانب “محمد ناهافانديان” و”محمد باقر نوباخت” اللذين ينتميان إلى ما يعرف بـ”التيار الإصلاحي”، الذين ينتقدون روحاني وإدارته. وكما ذكرنا مرارًا، أوضح “فايزي” أن “أولئك الذين يعتقدون أن انتقاد السلطة الحاكمة سيقودوهم إلى مزايا في الانتخابات المستقبلية، هم على خطأ بكل بساطة”.

وبعد يوم واحد، قال عبدالله نصري، وهو أحد القيادات البارزة المنتمية إلى ذلك التيار، وهو مستشار للرئيس السابق محمد خاتمي، إنه “لسوء الحظ، فإن ولاية روحاني الثانية تغافلت مطالب الأربعة والعشرين مليون شخص الذين يشكلون المجتمع المدني الإيراني. إذ يعتقد معظم المنتمين إلى ما يعرف بالتيار الإصلاحي أنه لم تعُد هناك رغبة في التفاعل مع ما يعرف بـالحركة الإصلاحية، ذلك أن كل ما يهم روحاني خلال العامين المقبلين نهاية (ولايته الثانية) سليمًا، وبالتالي الحفاظ على مكانته المتميزة في هرم السلطة”. وقبل سنوات أربع، وفي إشارة واضحة إلى “فيلق الحرس الثوري”، قال روحاني “حيثما وجدت الأسلحة والأموال والصحف والدعاية، يمكن للمرء أن يكون واثقًا من أن الفساد سيستشري”.

لا يُعدُّ “روحاني” وحده فيما يعرف بـ”التيار الإصلاحي” ممن خالفوا “الحرس القديم”، فقد كان من المفترض أن يمثل بارقة الأمل من خلال “حركة الإصلاح” بالبرلمان الإيراني، لكن خلال السنوات الثلاث الماضية، كانت هذه المجموعة سلبية تمامًا. وكما يقول “صادق زيبا كلام” أحد النشطاء السياسيين البارزين، فإنه خلال العام الماضي كان “روحاني” يبدو كـ”كارثة ضخمة” بالنسبة لنحو 24 مليون إيراني صوتوا لصالحه، مضيفًا أن من بدا بمثابة بارقة أمل بالنسبة لهم، كان أداؤه السياسي غير عادي، وأن المرء لا يستطيع ببساطة افتراض أن الناخبين سيكونون متحمسين للذهاب لصناديق الاقتراع في الانتخابات البرلمانية القادمة عام 2020، وكذا الانتخابات الرئاسية عام 2021 كما كان الأمر في الماضي. ويتوقع “زيبا كلام”، أن ما بين 56 و60 مليون ناخب، سيشارك معظمهم في الانتخابات المقبلة، إذ صوت 16 مليونًا منهم لصالح المنافس المنتمي إلى التيار المحافظ “إبراهيم رئيسي” في 2017.

وانطلاقًا من هذا، يزعم القادة الفكريون لـ”الحركة الإصلاحية”، أنه إذا استمر الوضع الراهن، فإن الحركة ستفقد أهميتها تمامًا؛ فمن وجهة نظرهم، بدأت الأزمة عندما استسلموا لفحص المرشحين من قبل “مجلس صيانة الدستور” المحافظ بشدة. ذلك أنهم يخشون من رفضهم من قِبَل مجلس صيانة الدستور. ويقولون إن الإصلاحيين تخلوا عن حقهم في تقديم مرشحين حقيقيين، وبدلاً من ذلك أُجبِرُوا على تشكيل تحالفات مع آخرين مثل روحاني وعدد كبير من أعضاء البرلمان الحاليين الذين لا يمثلونهم إلا بشكل رمزي.

وفي هذا، يقول محمد رضا خاتمي، الشقيق الأصغر للرئيس السابق خاتمي، وأحد قادة ما يعرف بـ”الحركة الإصلاحية: “ليس من المفترض أن أُوَقِّع على أي قرار يتخذه هؤلاء السادة (المتشددون)”. ذلك أن المقاطعة المحتملة للانتخابات المقبلة قد تؤدي إلى ظهور أحمدي نجاد آخر. ويضيف خاتمي بأنه “ليس لدي شك في أن الضغط على الإصلاحيين والنشطاء سيزداد. لكننا اليوم لا نعيش في عالم سيؤدي فيه قمع الصحافة أو رمي الناس في السجن إلى انقراض (معسكر الإصلاح)”.

ويقول عباس عبدي، أحد أكثر الإصلاحيين نفوذًا في إيران، “إذا كنا سنجري اليوم انتخابات في ضوء القواعد ذاتها، فإن مجلس صيانة الدستور سيقوم بفحص المرشحين بموجب مفهوم (الإشراف الحميد)، فلن يتمكن (الإصلاحيون) من تقديم أي مرشحٍ، ليس لدي أي شك في ذلك”.

ويضيف سعيد هاجريان، الذي غالبًا ما يُنظر إليه باعتباره منظرًا لـ”الحركة الإصلاحية في إيران”، بأنه خلال الآونة الأخيرة، كانت الطريقة التي تُجرى بها الانتخابات قد شهدت ما يمكن اعتباره تسولاً من أجل السلطة، فقد تجلى منطق القوة على الساحة السياسية، ذلك أنه إن لم يكن لديك مال، فمن الأفضل عدم الدخول إلى الساحة السياسية، وإذا فعلت ذلك، فإن التسول سيكون خيارك الوحيد، وإذا لم تتغير السلطة أبدًا نتيجة للانتخابات، فما الفائدة من الاحتفاظ بها. ورغم تزايد أصوات الذين يطالبون بالمقاطعة، فإن جميع النشطاء الإصلاحيين لا يعتنقون هذه الفكرة؛ ذلك أن “زيبا كلام” سيصوت، على سبيل المثال، رغم القيود التي يفرضها النظام.

بجانب ذلك، يقول محسن أرمين، العضو البارز في “الحركة الإصلاحية” ونائب رئيس البرلمان السابق، إن الإصلاحيين يجب ألا يتخلوا عن صناديق الاقتراع؛ لأن هذا من شأنه أن يمهد الطريق لانتصار كاسح من قِبَل المتشددين. وبدلًا من ذلك، يجادل “أرمين” بالقول إنه يجب ممارسة الضغط على “مجلس صيانة الدستور” من أجل قبول المرشحين للحركة.

وفي الوقت الذي يواصل فيه الاقتصاد الإيراني دوامة الهبوط، نتيجة للعقوبات الأميركية الشاملة، وسوء الإدارة والفساد المستشري، فقد أدى تصاعد الفقر والتوتر الذي يعاني منه الإيرانيون إلى دفع الناس إلى التنفيس عن غضبهم تجاه النظام ككل، كما رأينا في ثورات وسائل التواصل الاجتماعي، والإضرابات، وكذلك الاحتجاجات المتفرقة التي اجتاحت الشوارع. في ظل هذه الظروف، كان قادة الإصلاح المؤيدون لمقاطعة الانتخابات المقبلة، يتوقعون سيادة حالة من الإجماع واسع النطاق عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فضلاً عن احتمالات حدوث شلل في عمليات التصويت. وفي حين أن هذا يمكن أن يضر بشرعية النظام السياسي بشكل خطير، إلا أنه قد يؤدي إلى عواقب أخرى مثل التأثير السلبي على علاقات إيران مع أوروبا.

وأخيرًا، يبدو أن جزءًا كبيرًا من المجتمع الإيراني يفقد الأمل في التغيير. فوفقًا للرئيس المنتمي لما يعرف بالتيار الإصلاحي، محمد خاتمي، “إذا أصرَّت مؤسسة (النظام) على أخطائها، مع فشل التيار الإصلاحي، فإن المجتمع سوف يتحرك نحو الإطاحة بالنظام الحاكم”.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: المجلس الأطلنطي

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر