سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
إميل أفدالياني
رغم أن اليابان كانت من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال ثلاث ولايات جنوب القوقاز، فإن العلاقات مع “تبليسي” و”يريفان” و”باكو” ظلت محدودة في التسعينيات. لقد شاهدنا في عام 2010 فقط جهودًا متزايدة من قِبَل طوكيو لبناء تعاون اقتصادي أعمق. كما أن ميزة أخرى لتلك العلاقات تكمن في جهود طوكيو لتطوير ممر النقل في جنوب القوقاز الذي يعبر جورجيا وأذربيجان ويربط بحر قزوين والبحر الأسود.
وقد تطور موقع اليابان في جنوب القوقاز خلال العقدين الماضيين، حيث توسع الوضع الجيوسياسي التقليدي لليابان تاريخيًا في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. فنادرًا ما كانت تقوم اليابان بأي محاولات للاختراق الاقتصادي والثقافي في جنوب القوقاز. وبالتأكيد أدت الجغرافيا دورًا هامًا. لكن المسافة بين اليابان وجنوب القوقاز حالت دون التعاون بينهما. ولمَّا كانت أرمينيا وأذربيجان وجورجيا حصلت كل منها على الاستقلال في عام 1991 مع الانتشار السريع للعولمة، فقد تزايد الاهتمام الياباني بجنوب القوقاز.
فاليابان تنظر أولاً إلى المنطقة خارج البعد الجغرافي السياسي البحت مقارنة بالصين. أمَّا بالنسبة لطوكيو، ونظرًا لقيودها العسكرية، فقد كان من المهم بناء منصة تعاون تنطلق من خلالها لاحقًا لبناء العديد من المبادرات الهادفة لتعميق العلاقات الثنائية مع “باكو” و”تبليسي” و”يريفان”.
لقد كان هذا النهج ينطوي على برنامج المساعدة الإنمائية الرسمية لليابان. وقد شملت أولوياتها الحد من الكوارث، ورفع مستوى الأمن فيما يتعلق بالبرمجيات، وحشد الخبرات اليابانية وتكنولوجيتها وما إلى ذلك. وكما نلاحظ، فقد كان ثمة أهمية ضئيلة جدًا للجوانب الجيوسياسية المباشرة. ومن المؤكد أن روسيا وتركيا والصين والاتحاد الأوروبي تعمل في مجالات مماثلة وتساعد دول جنوب القوقاز، لكن تحركاتها كانت أكبر من الناحية الجيوسياسية مقارنة باليابان. وربَّما تكون تحركات طوكيو أشبه بتورط الولايات المتحدة في جنوب القوقاز. وفيما يلي أيضًا يمكن الإشارة إلى العديد من القيود، حيث تبدو الولايات المتحدة مهتمة بضمان ألا تعود المنطقة إلى مجال النفوذ الروسي، في حين لا يمكن لليابان التنافس مع روسيا. ومع ذلك، تشترك طوكيو وواشنطن، كقوى بعيدة، في تشابه واحد حيث تُضَخ الأموال لتحسين الأمن والبنية التحتية والظروف الاجتماعية لأولئك الذين يعيشون في المنطقة.
وربَّما كانت أرمينيا هي المستفيد الأكبر من مبادرات اليابان الاقتصادية بين دول جنوب القوقاز. وفي الواقع، يعتمد هذا على تاريخ العلاقات الأرمنية اليابانية؛ إذ كانت طوكيو واحدة من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال أرمينيا في عام 1919.
وقد توقف الغزو البلشفي لأرمينيا من خلال الاتصالات الأولى التي أجرتها اليابان، لكنها مع ذلك انتعشت حتى قبل انهيار الاتحاد السوفييتي عندما تعرضت أرمينيا لأحد الزلازل. ومنذ عام 1998، قدمت اليابان الدعم الفني والخبراء لإصلاح قطاع الطاقة الضعيف في أرمينيا. إضافة إلى ذلك، فقد تمَّ استخدام ائتمان بقيمة 40 مليون دولار أميركي لبناء وتحديث البنية التحتية المختلفة في قطاع الطاقة في أرمينيا. لكن لا يزال هذا التعاون مستمرًا، وتساعد اليابان حاليًا أرمينيا على إعادة ربط المناطق النائية بالطرق الحديثة والقدرات الأخرى للبنية التحتية.
ويتمثل بُعد آخر للتعاون في توفير الدعم التقني لتنفيذ مشاريع المساعدة الإنمائية الرسمية في القطاع الزراعي. بجانب ذلك، هناك أيضًا الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (JICA) التي تتعاون أرمينيا معها كمتلق رئيسي.
وتمتلك أرمينيا حاليًا سوقًا لتكنولوجيا المعلومات تتطور بشكل حيوي وتهتم بشكل خاص باليابان كمصدر رئيسٍ للتكنولوجيا المتقدمة، وهو ما يمكن أن يكون بمثابة أساس متين لتعميق التعاون بين الدولتين.
ومع ذلك، فعندما نتحدث عن مختلف مجالات التعاون بين اليابان وأرمينيا، ينبغي أن نتذكر أنه لا توجد فوائد اقتصادية فورية للمجتمعات المحلية. وعلى عكس استثمارات الصين في الاتحاد الأوروبي، وروسيا التي تجلب مكاسب اقتصادية معينة، فإن هناك القليل من مظاهر التنمية المحلية التي يمكن ملاحظتها في حالة تحركات اليابان. ومع ذلك، فإن هذه المبادرات لا تخلو من الجدارة تمامًا، بل هي طريق طويل الأجل يمهد لمبادرات جديدة. فبعض المشاريع فقط كالمنح التعليمية والمنح المقدمة للمنتجين الزراعيين فقط كان لها تأثير اقتصادي مباشر على المجتمعات المحلية.
كما أن هناك دولة أخرى، تتمتع بالمساعدة الاقتصادية اليابانية وإن كان بدرجة أقل، وهي جورجيا. فقد كان هناك تطور كبير في العلاقات اليابانية الجورجية على مدى العامين الماضيين.
وفي عام 2018، تمَّ الإعلان عن “مبادرة القوقاز في اليابان”، التي تضمنت اثنين من عناصر السياسة اليابانية، تمثلا في تقديم المساعدة في مساعي الدولة لتنمية الموارد البشرية، ودعم تطوير البنية التحتية وتحسين بيئة الأعمال. على أية حال، ففي كلتا الحالتين، أصبحت “تبليسي” في وضع أفضل.
في خضم ذلك، يمكن القول إن تحركات اليابان ومبادراتها تركزت على دعم التنمية المستديمة ذاتيًا في جورجيا، وقد شمل ذلك المساعدة في تحسين البنية التحتية للاتصال والنقل في البلاد، وتطوير الطاقة المتجددة من خلال توفير السيارات الهجينة والسيارات الكهربائية وما إلى ذلك. وفي الواقع، خصصت اليابان بالفعل 343 مليون دولار لتمويل بناء قسم بطول 14كم من الطريق السريع (الشرق والغرب) East-West، الذي يمر عبر جورجيا ويربط أذربيجان بتركيا وموانئ جورجيا في البحر الأسود.
وكانت هناك مبادرة هامة أخرى من الجانب الياباني لتخفيف عبء السفر على رعايا جنوب القوقاز؛ إذ أعربت طوكيو في عام 2018، عن قرارها بتخفيف متطلبات الحصول على تأشيرة للمواطنين الجورجيين لتعزيز وتعميق العلاقات بين البلدين.
إضافة إلى ذلك، قال الرئيس الجورجي “سالومي زورابيشفيلي” في يناير 2020: إن “تبليسي” تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي مع اليابان بهدف توقيع اتفاقية تجارة حرة.
وإذا كان التعاون مع أرمينيا يتعلق بالجغرافيا السياسية، فبالنسبة إلى “تبليسي” فإن العلاقات الأوثق مع طوكيو يمكن أن تنتج بعض نقاط التعاون. وفي الواقع، تعاني كلتا الدولتين مشاكل إقليمية مع روسيا، فكلتاهما تعتبر طموحات موسكو تهديدًا جيوسياسيًا معينًا. ومن المؤكد أن اليابان تبدو مترددة في الكشف عن وضعها في مثل هذا السياق، لكن بالنسبة إلى “تبليسي” أن يكون هناك تعاون أعمق مع طوكيو، إذ إن الأمر يتعلق باستراتيجية جورجيا لتنويع سياستها الخارجية، وإيجاد لاعبين جدد قادرين على موازنة وضع روسيا المنبعث في جنوب القوقاز.
وتعمل اليابان على تطوير تعاون أوثق مع أذربيجان. وقد كان تطوير البنى التحتية الأساسية والبيئة المعيشية في البلاد من أولويات طوكيو. فعلى سبيل المثال، يمكن الإشارة إلى مشروع محطة توليد الطاقة بنظام يشمل الغاز في السيارات تكلف 261 مليون دولار أميركي، ومشروع إمدادات المياه والصرف الصحي في مدن المقاطعات الذي تكلف 293 مليون دولار أميركي، وصيانة مرافق إمدادات المياه والصرف الصحي في المدن الكبرى في المناطق الإقليمية وما إلى ذلك.
كنقطة انطلاق في ممر الطاقة والنقل في جنوب القوقاز، فإن الموقف الاستراتيجي لأذربيجان يحظى بتقدير واضح من قِبَل اليابانيين، وهو ما ينعكس في المفاوضات الثنائية عندما يشيد المسؤولون اليابانيون بموقع أذربيجان الاستراتيجي والتقدم الذي أحرزته في تطوير القطاع غير النفطي.
وغالبًا ما يعقد البلدان جلسات للجنة الاقتصادية اليابانية – الأذربيجانية في “باكو”، ويعملان على زيادة حجم التبادل التجاري الذي ينمو حاليًا، لكن ذلك لا يزال أقل بكثير من المتوقع. فعلى سبيل المثال، في عام 2018 شكلت الواردات اليابانية إلى أذربيجان حوالي 400 مليون دولار، حيث تستورد اليابان ــ بشكل أساسي ــ المنتجات الزراعية لأذربيجان، في حين أن أذربيجان مهتمة بزيادة الواردات من المستجدات التكنولوجية اليابانية.
ومرة أخرى، وكما هو الحال في أرمينيا وجورجيا، فإن طوكيو تبدو مترددة في الكشف عن موقفها بشكل علني في النزاعات الجيوسياسية الإقليمية مثل النزاع حول “ناغورنو كاراباخ”، إذ تقتصر اليابان على التصريحات الدبلوماسية حول الحاجة إلى حل القضايا سلميًا.
وبشكل عام، يمكن القول إنه بالمقارنة مع ما كان في فترة التسعينيات، فقد تنامت المصالح اليابانية في جنوب القوقاز في 2010. صحيح أن طوكيو ليس لديها أجندة جيوسياسية محددة للمنطقة، لكنها ترى بوضوح آثارًا جيوسياسية طويلة المدى لمساعدة ولايات جنوب القوقاز. أمَّا بالنسبة لليابان، فتعدُّ المنطقة بمثابة رابط بين آسيا الوسطى والبحر الأسود وأوروبا الشرقية. وبهذا المعنى، يمكن أن تتضمن أجندة اليابان الجيوسياسية السرية مساعدة جورجيا وأذربيجان على تطوير قدراتهما العابرة. وفي الواقع، فإن المبادرات المذكورة أعلاه التي تنفذها طوكيو تعكس هذا التفكير، إذ قد تكون أرمينيا هي المستفيد الأكبر من حيث الجوانب المالية، ولكن بالمعنى الجيوسياسي طويل الأجل، فإن تقديم المساعدة لتطوير البنية التحتية للطرق في جورجيا وأذربيجان سيكون لهدف أكبر بكثير، هو تعزيز قدرة هذه الدول على التحايل على الأراضي الروسية. ومن ثَمَّ، بالنظر إلى التحركات اليابانية السابقة في جنوب القوقاز، نجد أنه من المحتمل أن نرى محاولات متواصلة من جانب طوكيو لصرف الأموال في جنوب القوقاز، وتقليل متطلبات الحصول على التأشيرة، وزيادة التجارة وتنمية تعاون تعليمي أعمق مع الولايات الثلاث.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: قوقاز ووتش
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر