المصالح الروسية في إفريقيا.. قراءات وتوقعات مستقبلية | مركز سمت للدراسات

المصالح الروسية في إفريقيا.. قراءات وتوقعات مستقبلية

التاريخ والوقت : الإثنين, 16 سبتمبر 2019

روسيا تستعد لغزو إفريقيا.. عبارة ترددت الأيام الماضية حول رغبة الدب الروسي في زيادة التوسع في القارة الإفريقية بمزيد من المصالح والمشاريع. ففي أكتوبر القادم، سوف تستضيف مدينة “سوتشي” قمة “روسيا – إفريقيا”، التي دعي إليها رؤساء جميع الدول والمنظمات الإقليمية في القارة السمراء. القمة سيرأسها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الاتحاد الإفريقي، وكذلك الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي – صاحب العلاقات الجيدة مع بوتين.

ويبدو أن تلك المبادرة الأولى من نوعها بهذا الحجم في سياسة موسكو الخارجية، إذ تعني القمة القادمة في “سوتشي” (23 – 25 أكتوبر) أن النخبة الروسية تتفهم دور إفريقيا في العالم الحديث، وأنها ترنو إلى تحقيق ميزة تنافسية في مجالات استكشاف المعادن وإنتاجها والاتصالات عبر الأقمار الصناعية، والأسلحة، والطاقة النووية من خلال عملها مع القارة، والمعزز لذلك. إن روسيا لديها اتفاقيات مع 20 دولة إفريقية حول الاستخدام السلمي للطاقة الذرية. فمع مصر، هناك عقد لبناء محطة طاقة نووية باستثمار رأس مال قدره 29 مليار دولار.

ومن الواضح أن الدور السياسي للدول الإفريقية يتنامى، وهي الآن شريك ضروري في إعادة تشكيل مؤسسات الحكم العالمي. فبعد سوريا، يطلقون هناك على روسيا اسم “المورد الرئيس للأمن والسيادة وعدم التدخل” في الساحة الدولية. ليس هذا وحسب، فإفريقيا تحتل المرتبة التاسعة بين قائمة المناطق العشرة الأكثر أهميَّةً بالنسبة للمصالح الروسية وفقًا لوثيقة السياسة الخارجيّة التي صدرت في عام 2008م التي وقَّعها الرئيس السابق ديمتري ميدفيديف.(1)

علاقات تاريخية

من المعروف أن منطقة القرن الإفريقي من أهم المناطق الاستراتيجية في العالم، نظرًا لموقعها الجغرافي المتميز وكونها تطل على ممرات مائية هامة، بالإضافة إلى احتوائها على العديد من الموارد الطبيعية. وخلال الحرب الباردة قدَّم الروس الدعم الدبلوماسي والاقتصادي والعسكري والتربوي للعديد من حركات التحرير الإفريقية. وفي أثناء الحرب الباردة، كان الاتحاد السوفييتي يمارس تأثيرًا واسعًا وعميقًا على الدول الإفريقية.

وبانهيار الاتحاد السوفييتي واجهت روسيا عددًا من الصعوبات والمشاكل الداخلية والخارجية، ما أثر على وجودها في مناطق نفوذها، وخاصة في قارة إفريقيا، إلا أن بوادر العودة القوية للاهتمام الروسي بالقارة السمراء قد لاح في الأفق منذ مطلع عام 2000م، وتولي فلاديمر بوتين السلطة رسميًا في روسيا، وذلك في محاولة لاستعادة مناطق النفوذ في القارة الإفريقية، ومحاولة روسيا استعادة نفوذها السياسي كقوة كبرى في النظام الدولي.(2)

دوافع التوجه الروسي لإفريقيا

يبدو أنه ثمة دوافع عدة قد دفعت الجانب الروسي لاستعادة العلاقات مع دول إفريقيا، ويمكننا إجمالها في النقاط الآتية:

– يبدو أن استعادة النفوذ الروسي في المنطقة، وإيجاد موطئ قدم لها في منطقة البحر الأحمر من الدوافع الهامة التي تضعها موسكو في الاعتبار، خاصة في ظل اشتداد التنافس الدولي والإقليمي على المنطقة.

– مما لا شك فيه أن روسيا تضع في حسبانها الرغبة في استغلال ما تنعم به المنطقة الغنية بالعديد من الموارد الطبيعية، مثل النفط والغاز الطبيعي، والأراضي الزراعية، والثروة الحيوانية.

– استغلال استمرار الصراعات والنزاعات الإقليميَّة في المنطقة بفتح أسواق جديدة لبيع السلاح الروسي بما يمنحها النفوذ، فضلاً عن المكاسب الاقتصادية، خاصة أن العقوبات الغربية تُمَثِّل عبئًا ثقيلاً على اقتصادها.

– تعزيز التعاون السياسي، والتفاعل مع دول المنطقة، لضمان دعم روسيا والتطابق في المواقف في المحافل الدوليَّة، وخاصة القضايا والملفات التي تهمُّ الجانب الروسي.

– المشاركة في احتواء خطر الجماعات والحركات الإرهابية مثل حركة “بوكو حرام” في نيجيريا، و”جيش الرب” في أوغندا، و”حركة الشباب” في الصومال؛ بما لا يهدد مصالحها في المنطقة.(3)

مصالح سياسية

تسعى موسكو إلى تجديد علاقاتها في المنطقة، وتعزيز تأثيرها السياسي، لكي تتمكن من مواكبة أميركا والصين والقوى الأخرى فيها. ومن الواضح أن الجانب السياسي بموضوعاته ومصالحه من الأمور القوية التي دفعت روسيا للاهتمام بتعزيز علاقتها مع القارة السمراء، فموسكو تحاول القيام بمبادرة جمع الأطراف المتصارعة في إفريقيا الوسطى من أجل تحقيق السلام، وهو ما يمكننا القول إن دافع موسكو من ورائه هو كون إفريقيا الوسطى من الدول الغنية بالمعادن، مثل: الماس واليورانيوم والذهب والفايبر والنفط، كما توجد الأخشاب وغيرها من الثروات الطبيعية.(4)

مصر أيضًا لطالما شكلت حجر الزاوية للسياسة الأمنية الإقليمية، وهو ما دفع روسيا لتطوير العلاقات معها بطرق متعددة في السنوات الأخيرة؛ فقد شهدنا نشوء علاقات ثنائية جديدة في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية.

وعلى الجانب الليبي، تنشط موسكو وتميل أكثر نحو التعاون مع خليفة حفتر، قائد الجيش الليبي الذي يسيطر على شرق ليبيا الغني بالنفط. ولكن بوتين بنى أيضًا علاقات قوية مع حكومة السرّاج كجزءٍ من نهج “الصداقة مع الجميع” الذي يعتمده في المنطقة.(5)

ليس هذا وحسب، فمخاوف روسيا من العزلة الدولية والدبلوماسية تبدو أنها من الأمور التي تجعل موسكو تتجه نحو القارة السمراء لتعزيز مصالحها. فروسيا مفروض عليها نوع من العزلة من قبل الغرب والولايات المتحدة بسبب سياساتها في سوريا وأوكرانيا وجورجيا؛ وهو ما دفع الكرملين إلى البحث عن حلفاء جدد، ومناطق نفوذ له في منطقة الشرق الأوسط، ومنها القرن الإفريقي.

مصالح اقتصادية

مجالات التعاون الاقتصادي والمصالح بين روسيا والدول الإفريقية متعددة، منها مجال الطاقة والصناعة النفطية، حيث إن روسيا لها استثمارات كبيرة جدًّا في إفريقيا على غرار حقول الذهب في جنوب إفريقيا التي جلبت حوالي 1.16 مليار دولار سنة 2004م، فضلاً عن كونها استثمرت في مجال الفحم في ساحل العاج وغانا، وبلغت العائدات من هذا الاستثمار 900 مليون دولار عام2010م.(6)

بيد أنه لا شك أن موسكو ترى في إفريقيا إحدى المناطق المهمة والغنية التي تؤمِّن لروسيا المزيد من الموارد الطبيعية التي تحتاج إليها، كما أنها ترغب في تعزيز سيطرتها على النفط والغاز الطبيعي وخطوط النفط في المنطقة.(7)

دليل مضاف آخر على المصالح الاقتصادية الروسية لإفريقيا يكمن في  كون العلاقات التجارية لموسكو مع شركائها الأفارقة قد تحسنت بشكل لافت في 2009، نظرًا لإنشاء اللجنة التنسيقية للتعاون الاقتصادي مع إفريقيا جنوب الصحراء للمساعدة في تعزيز المصالح التجارية الروسية.(8)

ويبدو أن موسكو تستند في تعاملها الاقتصادي مع إفريقيا إلى “استراتيجية الطاقة على المدى الطويل”، وهي استخدام الشركات الروسية لإنشاء تيارات جديدة من إمدادات الطاقة، وهو ما نستدل عليه من قيام الشركات الروسية بإنشاء استثمارات كبيرة في صناعات النفط والغاز الجزائرية وفي ليبيا ونيجيريا وغانا وساحل العاج ومصر. بيد أن روسيا أيضًا على الطريق الصحيح لبناء محطات نووية في مصر ونيجيريا والجزائر.

مصالح عسكرية

لعل مجال التسليح وتجارة الأسلحة والطائرات من أكثر المجالات التي تسعى روسيا للريادة بها، وبات واضحًا على السياسة الروسية كونها تستخدم العلاقات العسكرية مدخلاً للعلاقات السياسية، إذ تهدف إلى أن تكون مصدرًا أساسيًّا للأسلحة الروسية في إفريقيا.

واستنادًا للمعلومات الموثقة الصادرة عن “مركز ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي”، فقد عادلت صادرات روسيا من الأسلحة للبلدان الإفريقية نسبة 13 في المئة من إجمالي صادرات السلاح الروسية للعالم الخارجي خلال عام 2017.

وما يعزز ذلك كون الجزائر تشتري نسبة لا تقل عن 80 فى المئة من مبيعات السلاح الروسي للدول الإفريقية سنويًا. وفي العام الماضي باعت روسيا لبوركينا فاسو مروحيات وعربات مدرعة وراجمات صاروخية من الإنتاج الروسي المتقدم.

ويمكننا القول إن القيادة الروسية تسعى من وراء تعزيز نفوذها في إفريقيا إلى فرض نفسها على الساحة الإقليمية وبناء شوكة في ظهر حلف شمال الأطلنطي “ناتو” جنوبًا.(9)

تداعيات وتوقعات مستقبلية  

* تنامي المصالح الروسية في إفريقيا ورغبة موسكو في غزو القارة بمشروعات استثمارية عدة، من المؤكد أنه سيلقي بظلاله على السياسية العالمية، وخاصة في ظل التنافس الروسي الأميركي على مناطق النفوذ والتنافس الروسي الصيني على المناطق التجارية.

* وجود روسيا بقوة في القرن الإفريقي، إذ إن باب المندب ذا الأهمية الحيوية للتجارة الدولية، من المحتمل أن يعزز من كونها قوة اقتصادية صاعدة في الاقتصاد الدولي.

* إنْ تمكنت روسيا من تعزيز نفوذها في منطقة القرن الإفريقي، فإن ذلك يعطيها ميزة إمكانية بناء نفوذ دولي أكبر، وإعادة تشكيل مؤسسات السياسة الدولية.

* روسيا ترنو إلى ترويج نموذجها في مكافحة الإرهاب، معتمدة في ذلك على تجربتها في الشيشان. ومن هنا يبدو أن الدعم العسكري سيظل أحد أهم مجالات السياسة الروسية تجاه دول القرن الإفريقي.

*من المحتمل أيضًا في هذا السياق أن تقوم روسيا ببناء قاعدة جديدة لها في إفريقيا، على غرار القاعدة البحرية الروسية في طرطوس على البحر المتوسط.

* زيادة القوى الدولية والإقليمية في القارة الإفريقية، وهي حاليًّا الصين والولايات المتحدة الأميركية وروسيا، تنبئ بأنه من الوارد أن تصبح القارة الإفريقية مجالاً للتنافس بين هذه الدول، وربما مجالاً للصراع.

* قمة “سوتشي” القادمة ربَّما يترتب على تعزيز العلاقات الروسية الإفريقية ومزيد من الشراكة والاستثمارات والتعاون في مختلف المجالات.

إعداد: وحدة الدراسات السياسية

المراجع

1- روسيا تستعد لغزو إفريقيا، روسيا اليوم.

2- روسيا وإعادة اكتشاف إفريقيا من جديد: سيناريوهات “التعاون والمصالح والمخاطر”، المركز الديمقراطي العربي.

3- التوجُّه الرُّوسِيّ نحو القرن الإفريقي.. الدوافع والتَّداعيات، قراءات إفريقية.

4- سفير إفريقيا الوسطى لدى الخرطوم: لدينا تعاون اقتصادي وعسكري مع روسيا، سبوتنيك.

5- نفوذ روسيا المتنامي في شمال إفريقيا، معهد واشنطن.

6- التنافس الروسي الصيني على القارة الإفريقية، رؤية تركية.

7- التوجُّه الرُّوسِيّ نحو القرن الإفريقي.. الدوافع والتَّداعيات، قراءات إفريقية.

8- روسيا في إفريقيا: هل يمكنها أن تقدم بديلاً للولايات المتحدة والصين؟ citizen truth.

9- قمة روسيا وإفريقيا تجسد تطلعات موسكو لإعادة إحياء نفوذها في القارة السمراء، البوابة.

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر