الولايات المتحدة والصين | مركز سمت للدراسات

المدخل لإعادة تعيين العلاقات الصينية الأمريكية لتحقيق آفاق اقتصادية عالمية أكثر إشراقًا

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 16 فبراير 2021

دان شتاينبوك

 

بعد أربع سنوات من التوترات بين الولايات المتحدة والصين، بات بإمكان إدارة “بايدن” تسريع تعافي الولايات المتحدة، مع استعادة الثقة في العلاقات الثنائية مع الصين. ومن شأن ذلك أن يعزز الآفاق الاقتصادية العالمية، في حين أن خلاف ذلك من شأنه أن يقوض تلك الآفاق.

وفي الولايات المتحدة، بلغت الموجة الثالثة من وباء “كوفيد ـــ 19” ذروتها مع 250 ألف حالة مؤكدة يوميًا بعد فترة العطلة. وفي أعقاب سوء التعامل الكارثي مع الوباء من قبل إدارة “ترمب”، يقترب إجمالي الحالات من 27 مليونًا وتجاوز عدد الوفيات البالغ 440 ألفًا عدد القتلى العسكريين الأميركيين في الحرب العالمية الثانية.

وبعد الاحتواء الفعال، ظلت الحالات المؤكدة في الصين أقل من 90 ألفًا مع اقتراب عطلة عيد الربيع بعد أيام قليلة، حيث جددت المظاهرات الأخيرة المخاوف بشأن تفشي المرض، وحث الناس على تجنب السفر خلال العطلات. ورغم بعض القلق، تعتقد السلطات الصحية أن تفشي المرض بشكل كبير أمر غير مرجح.

إن السؤال الرئيسي هو: هل سيسود انتعاش الصين وسط المشهد العالمي السيئ؟ وهل سيبدأ انتعاش الولايات المتحدة في وقت لاحق من العام؟ ونظرًا للحجم الكبير للاقتصادين، يعدُّ الأول أمرًا حيويًا للعديد من البلدان الناشئة والنامية، في حين أن الأخير مهم للاقتصادات المتقدمة الرئيسية. ويتطلب كلا البلدين استعادة الثقة بينهما بعد سنوات من الدمار.

الولايات المتحدة: النمو مقابل الديون

في العام الماضي، عانى الاقتصاد الأميركي من انكماش بنسبة -3.5٪، وذلك رغم معدلات الفائدة المنخفضة جدًا، والتضخم المنخفض، وتراجع قيمة الدولار، والضخ المالي الضخم.

وقد حافظ قانون “كيرس”CARES  على استمرار الاقتصاد بين عمليات الإغلاق. ومع ذلك، تقلصت الصادرات. إذ بدأ الإنتاج الصناعي في الانتعاش، لكن بشكل أبطأ من الاستهلاك. وفي نوفمبر الماضي، قفز العجز التجاري في السلع الأميركية إلى مستوى قياسي. ولن تعود الأيام إلى الأفضل قبل تلقي كميات مناسبة من اللقاحات في حوالي الربع الثالث من العام.

هنا يمكن التنبيه بأن الانتعاش الذي يقوده الاستهلاك يمكن الاستفادة منه إلى أقصى حد، بالاعتماد على المحفزات المكلفة والديون الآخذة في الارتفاع بسرعة. وفي السنوات الأربع الماضية، ارتفع الدين المحلي للولايات المتحدة إلى أكثر من 28 تريليون دولار، مما يضع نسبة الدين الفيدرالي الأميركي إلى الناتج المحلي الإجمالي عند 128%.

كيف سيتعامل الديمقراطيون مع عبء الديون؟

بدلاً من التركيز على حجم الدين الأميركي، كما يقول “جيسون فورمان”، المستشار الاقتصادي الرئيسي السابق للرئيس أوباما، “يجب على صانعي السياسة تقييم القدرة المالية من حيث مدفوعات الفائدة الحقيقية، وضمان بقائها بشكل مريح أقل من 2% من الناتج المحلي الإجمالي”. ومن شأن ذلك أن يضمن الدعم المالي الكافي والاستثمارات العامة المطلوبة، مع الحفاظ على دين عام يمكن تحمله.

وكنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، انخفضت تكلفة خدمة الديون الأميركية منذ عام 2000، حتى مع زيادة الديون الفيدرالية، ذلك أن معدلات الفائدة المنخفضة تجعل من السهل سداد الديون. ومع ذلك، فإن العجز سيكون أكثر من الضعف 2010 – 2019 وفقًا لمكتب الميزانية بالكونجرس. وبحلول عام 2050، سيصل الدين كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي إلى ما يقرب من 200% من الناتج المحلي الإجمالي، إذ يمكن أن يتضاعف صافي الإنفاق للفائدة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي أربع مرات خلال الفترة من 2031 – 2050.

الصين: المؤشرات الرئيسية تشير إلى انتعاش واسع

في عام 2020، تجاوز نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للصين نسبة 2.3% التي كانت تشير إليها التوقعات فيما سبق. وكان الاقتصاد الصيني هو الوحيد الذي تجنب النمو الاقتصادي السلبي. وقد اعتمد الأداء على الدعم المالي والنقدي، ولكن مع تسارع التعافي، لم يعد التيسير النقدي مبررًا.

وعلى الرغم من أن الاستهلاك لا يزال مقيدًا، فمن المرجح أن يتم دعم الاستثمار من خلال مشاريع البنية التحتية الممولة من الحكومة والأداء القوي في سوق العقارات. وفي نوفمبر، كانت مؤشرات التصنيع والخدمات والتجارة والاستهلاك مشجعة، بينما ارتفع النمو في الربع الرابع من العام الماضي إلى 6.5% على أساس سنوي مع عودة المستهلكين إلى مراكز التسوق والمطاعم ودور السينما.

وبفضل الانتعاش الشامل، ارتفع اليوان بقوة مقابل الدولار الأميركي والعملات الرئيسية الأخرى.

وعلى الرغم من التوترات بين الولايات المتحدة والصين، تواصل الشركات الأجنبية ضخ الأموال إلى الصين، بفضل قانون الاستثمار الأجنبي الجديد لزيادة انفتاح الاقتصاد. وبالقيمة الحقيقية، فقد سجل الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد رقمًا قياسيًا بلغ 144 مليار دولار في عام 2020.

في نوفمبر، وقَّعت الصين اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة مع الدول العشر الأعضاء في الآسيان، بالإضافة إلى اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا؛ وهو ما يعزز التجارة الإقليمية ويدعم الانتعاش.

وقد أدت الزيادة المذهلة في صادرات الصين إلى ارتفاع الفائض التجاري إلى مستوى قياسي في ديسمبر، مع ارتفاع الطلب على المعدات الطبية لمكافحة الوباء. وبفضل الاحتواء الفعال للوباء في الربع الثاني من عام 2020، يمكن للمصانع الصينية الاستجابة للطلب العالمي على مثل هذه المنتجات، في حين تكافح دول أخرى مع الحجر الصحي والإغلاق.

وأهم من ذلك، أن اندماج السوق المالية الصينية مع الأسواق المالية العالمية قد تسارع، وذلك بفضل الإصلاحات التنظيمية في الصين. وبالتالي، من المرجح أن تزداد الملكية الأجنبية للأسهم والسندات الصينية الداخلية في عام 2021.

من الحرب الباردة إلى الشركاء والمنافسين

بعد عقود من التقدم الأميركي الصيني، ترك “ترمب” الحوارات رفيعة المستوى تنهار في الشؤون الاقتصادية، وإنفاذ القانون، والشؤون الثقافية، فضلاً عن العلاقات الدبلوماسية والأمنية. لذا، ينبغي استعادة هذه الحوارات متعددة المستويات لتعزيز الثقة الاستراتيجية التي استغرق بناؤها أربعة عقود وأربع سنوات للقضاء عليها.

وبعد اتفاق المرحلة الأولى، اضطرت الصين إلى شراء 200 مليار دولار من الواردات الأميركية الإضافية على مدى عامين، بالإضافة إلى مستويات الشراء قبل الحرب التجارية. وقد كان ذلك مستحيلاً وسط سياسة “ترمب” الحمائية والوباء العالمي. وبالتالي، فإن ما نحتاجه هو إعادة ضبط لإعادة بناء مسار جديد مناسب للحوار في التجارة الثنائية والتكنولوجيا المتقدمة.

وقبل الحروب التجارية، كان متوسط ​​الاستثمار الأميركي في الصين 15 مليار دولار سنويًا، بينما ارتفعت الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة إلى 45 مليار دولار. لقد استمر الاستثمار الأميركي في الصين، إذ تخطط معظم الشركات الأميركية للبقاء هناك. ومع ذلك، اضطرت الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة إلى التراجع. وقد حان الوقت لاستئناف محادثات الاستثمار الثنائية لتسهيل تقارب جديد.

وعلى الرغم من الاختلافات السياسية، كانت التبادلات العسكرية بين الولايات المتحدة والصين تتميز بزيارات عالية المستوى، ولقاءات بين مسؤولي الدفاع، وتفاعلات وظيفية. ونظرًا لانخفاض هذه الارتباطات بمقدار الثلثين في عهد “ترمب”، تصاعدت التوترات الثنائية في بحر الصين الجنوبي والشرقي، وقد يكون الصراع الرئيسي مجرد مسألة وقت. إذًا، فالمطلوب هو استئناف الحوارات العسكرية على كل المستويات وفي كل الساحات.

الصين تغذي أكثر من ثلث آفاق النمو العالمي

من المتوقع أن يرتفع النمو الاقتصادي في الصين هذا العام إلى 7% أو 8%، يليه الاستقرار إلى 5.5% في عام 2022. وقد أدى التعافي السريع إلى تقريب الاقتصاد الصيني من الناتج الاقتصادي الأميركي، الذي قد يتجاوزه بحلول أواخر عام 2020.

وبافتراض أن إدارة “بايدن” يمكن أن تتجنب المزالق الاقتصادية والجائحية الجديدة، فقد يرتفع النمو في الولايات المتحدة إلى 5.0%، يليه الاستقرار إلى 2.2% في عام 2022. وفي كلتا الحالتين، فإنه من شأن الآثار غير المباشرة الإيجابية أن تدعم الانتعاش الاقتصادي العالمي.

هنا يثار السؤال عمَّا إذا كانت إدارة “بايدن” ستختار سيناريو تعاونيًا، من شأنه أن يؤدي إلى بعض التعريفات الجمركية والحمائية المعتدلة والجهود المبذولة لتجنب الصراعات الزائدة عن الحاجة، التي من شأنها أن تسهل انتعاش الولايات المتحدة وآفاق الاقتصاد العالمي.

إن السيناريو العكسي سيدفع تلك الاحتمالات نفسها إلى حافة الكساد العالمي. ففي ديسمبر، توقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن يصل الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى مستوى ما قبل الوباء بحلول نهاية عام 2021. ومن هذا المنظور، ستمثل الصين أكثر من ثلث التوسع الاقتصادي العالمي.

 

إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات

المصدر: أوراسيا ريفيو Eurasia Review

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر