سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تيريزا فالون
أدّت جائحة “كوفيد- 19” إلى تفاقم الاتجاهات الجيوسياسية لا سيما التنافس بين الصين والولايات المتحدة، فقد استمر صعود الصين بثبات خلال العقدين الماضيين ووصل إلى نقطة تتحدى فيها بشكل مباشر القيادة الأميركية في العالم، وفي السنوات الخمس الماضية زادت من سماتها الاستبدادية تحت حكم “شي جين بينغ”، وفي ظل تزايد النفوذ الصيني وتدهور العلاقات الصينية الأمريكية يجد الاتحاد الأوروبي صعوبة متزايدة في الحفاظ على علاقات جيدة مع بكين وواشنطن، وتقع بشكل غير مريح على أحد طرفي المثلث.
في بداية الجائحة حجبت الصين المعلومات حول الفيروس وشنت حملة على المراسلين المستقلين محليًا، بعد ذلك حاولت زيادة نفوذها في الخارج من خلال “دبلوماسية الأقنعة” وتوفير اللقاحات، وقد ردت بغضب على أي انتقاد لأفعالها فيما يتعلق بالوباء، ووصلت إلى مستويات جديدة من الحزم مع دبلوماسييها “المحاربين الذئاب”، وعلى الرغم من الانتكاسة الأولية المحدودة فإن الجائحة في الواقع لم توقف من النمو الاقتصادي للصين، حيث يبدو أن الصين خرجت من الوباء في حالة أفضل نسبيًا من الاقتصادات الرئيسية الأخرى.
شجع ذلك الصين على مواصلة قمعها الداخلي وإبراز قوتها الخارجية، وصَعّدت الصين من قمعها في شينجيانغ وهونغ كونغ، فضلًا عن سعيها إلى التأثير الدولي من خلال مبادرة “الحزام والطريق”، وبعد توقفها عن الصراع الكامل جددت الصين من ضغطها على طول حدودها في جبال الهيمالايا وكذلك في بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي وتايوان، وذلك اختبارًا لالتزام الولايات المتحدة بالدفاع عن الشركاء في المنطقة.
أعلنت الولايات المتحدة أن الصين منافس استراتيجي بالفعل تحت إدارة “ترامب”، وقد أكد الرئيس الأميركي الجديد “جو بايدن” هذا الرأي، كما أشار إلى أن التنافس بين الولايات المتحدة والصين سيكون السمة الهيكلية للعلاقات الدولية في السنوات القادمة، كما سعت الولايات المتحدة إلى إنشاء تحالفات مع الديمقراطيات للرد على نفوذ الصين المتزايد، وتشمل هذه التحالفات الهند واليابان وأستراليا في المحيطين الهندي والهادئ، كما تشمل “أوروبا” الشريك التقليدي عبر المحيط الأطلسي.
تريد الولايات المتحدة من أوروبا أن تتخذ موقفًا أوضح، في الدفاع عن الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان في المنتديات متعددة الأطراف وأن لا تبتعد عن انتقاد الصين، كما تريد منها المساعدة في وقف التحديث العسكري الصيني، من خلال فرض حظر على نقل التكنولوجيا، ومنع الصين من السيطرة على الاتصالات السلكية واللاسلكية وعلى البنية التحتية والمنشآت الحيوية الأخرى في أوروبا، وذلك من خلال الفحص الأمني لصفقات الشراء والاستثمارات الحكومية، ولا تريد الولايات المتحدة أن تعتمد أوروبا على الغاز الروسي عبر خط أنابيب “نورد ستريم 2″، ولا على معدات الاتصالات الصينية عبر العقود المُبرَمة مع هواوي، الاتحاد الأوروبي لا يحب سماع ذلك لأن علاقته مع الصين أكثر دقة، وكان الاتحاد الأوروبي سعيدًا عندما انتقلت رئاسة الولايات المتحدة من “ترمب” إلى “بايدن”، الذي استأنف دعم الولايات المتحدة للديمقراطية الليبرالية والحلول متعددة الأطراف في ملفات مثل إيران وتغير المناخ، بينما لم يكن الاتحاد الأوروبي سعيدًا في عدم تغيير “بايدن” لمساره بشأن الصين، وطالب الاتحاد الأوروبي بتشكيل جبهة مع الولايات المتحدة لمواجهة بكين، حيث أعلنت المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل” في منتدى “دافوس الاقتصادي العالمي” وقالت: “أتمنى بشدة تجنب بناء الكتل”.
حدَّد الاتحاد الأوروبي في توقعاته الاستراتيجية بشأن الصين لعام 2019 ثلاث علامات كشريك؛ مثلًا بشأن تغير المناخ، ومنافس؛ في التجارة، ومنافس منهجي؛ فيما يتعلق بالقيم والحوكمة.
لا يزال الاتحاد الأوروبي يتبع هذه السياسة، وهي سعيدة بنهجها “متعدد الأوجه”، وتحجم عن الوقوف إلى جانب الولايات المتحدة ضد الصين عبر مجموعة كاملة من قضايا السياسة، وهي حريصة على الاستفادة من التجارة والاستثمارات الصينية، التي يغذيها النمو الاقتصادي المستدام للصين.
في ديسمبر الماضي توصل الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق سياسي مع الصين، بشأن اتفاقية جديدة للاستثمار الشامل ، مما يحسن من وصول الشركات الأوروبية إلى السوق الصينية، والشركات الصينية تتمتع بالفعل بوصول مجاني إلى حد كبير إلى السوق الأوروبية، فقد سارع الاتحاد الأوروبي إلى إبرام الصفقة في الأيام الأخيرة لإدارة “ترمب” في الولايات المتحدة، يمكن القول إن الاتحاد الأوروبي كان يمكن أن يكون لديه قوة تفاوضية أفضل إذا كان قد تصرف مع الولايات المتحدة، أو كان من الممكن أن يكون قد ذهب إلى اتفاقية متعددة الأطراف.
مع ذلك تدخَّل الرئيس الصيني “شي جين بينغ” شخصيًا، وقدم التنازلات النهائية اللازمة لتأمين الاتفاق الثنائي بين الصين والاتحاد الأوروبي، مما أدى إلى إحداث شرخ بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
دافع مسؤولو الاتحاد الأوروبي عن نهجهم المستقل في التجارة والاستثمار مع الصين، من خلال توضيح أنه على عكس الولايات المتحدة، لا يسعى الاتحاد الأوروبي إلى “فك الارتباط” الاقتصادي مع الصين، وفي الواقع لا تسعى الولايات المتحدة إلى “فك الارتباط”، لأن الاقتصادات متشابكة للغاية ولن يكون من الممكن قطع الروابط تمامًا، ومع ذلك تسعى الولايات المتحدة إلى تنويع سلاسل التوريد، لتجنب الاعتماد على الصين في الإمدادات الحيوية، ويود الاتحاد الأوروبي أن يفعل الشيء نفسه لكن بدرجة أقل اهتمامًا، على سبيل المثال، قررت ألمانيا السماح لشركة “هواوي Huawei” بتوفير المعدات لشبكات الاتصالات الجديدة الخاصة بها، وكانت فرنسا سعيدة لكونها الطرف المتلقي لكابل السلام الصيني للاتصالات الرقمية، من الصين إلى أوروبا كما رحبت بمصنع “هواوي” على أراضيها، وفي 22 مارس فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على أربعة أفراد صينيين، وكيان واحد متورط في القمع في شينجيانغ، وذلك في خطوة منسقة مع الولايات المتحدة وشركاء آخرين، وردت الصين بالمثل بسرعة بشكل غير متناسب في نفس اليوم، مع مجموعة من العقوبات على دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي، وعلى أعضاء البرلمان من جميع الفصائل السياسية والباحثين وعائلاتهم، ومن المفارقات أن هذا سيجعل من الصعب على البرلمان الأوروبي المصادقة على اتفاقية الاستثمار الشاملة، كما تدهورت النظرة العامة للصين في الاتحاد الأوروبي بشكل حاد مع “كوفيد- 19″، ومع الإكراه الاقتصادي والعقوبات المضادة فيبدو أن الصين نفسها تقود أوروبا إلى أحضان الولايات المتحدة.
ومع ذلك سيكون من الخطأ استنتاج أن الصين أجبرت الاتحاد الأوروبي على اتخاذ خيار واضح للمعسكر، ففي 16 أبريل عقد قادة فرنسا وألمانيا اجتماعًا خاصًا مع “شي جين بينغ” قالوا فيه إنهم تبادلا وجهات النظر حول تغير المناخ، لخانتها كـ”شريك” مع الاتحاد الأوروبي وذلك قبل قمة مناخية افتراضية تستضيفها الولايات المتحدة يومي 22 و 23 أبريل، وفي 19 أبريل أصدر الاتحاد الأوروبي استنتاجات بشأن استراتيجية الاتحاد الأوروبي الجديدة لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، والتي تضمنت إشارات في الحاجة إلى دعم القانون الدولي وحرية الملاحة، فضلًا عن التعاون مع شركاء متشابهين في التفكير، ولكن أيضًا بنية اتخاذ خطوات نحو الانتهاء من اتفاقية الاستثمار الشاملة، حيث حددت الوثيقة أن نهج الاتحاد الأوروبي تجاه منطقة المحيطين الهندي والهادئ “يشمل جميع الشركاء”؛ ليس موجهًا ضد الصين.
وتواصل الولايات المتحدة ضمان أمن أوروبا من خلال الناتو، والعلاقات عبر الأطلسي لا غنى عنها للاتحاد الأوروبي، علاوة على ذلك لدى الاتحاد الأوروبي المزيد من نقاط التقارب مع الولايات المتحدة في ظل إدارة “بايدن” ومع ذلك يرغب الاتحاد الأوروبي أيضًا في الاستفادة من فرص التجارة والاستثمار التي توفرها الصين، لذلك سيواصل الاتحاد الأوروبي في السنوات القادمة السعي وراء علاقات جيدة مع كل من الولايات المتحدة والصين، وتحقيق التوازن بين الأمن والقيم والمصالح الاقتصادية، هذا إذا لم تجعل الصين هذا الأمر محرجًا للغاية من خلال سلوكها الداخلي والخارجي.
يتوقف الكثير على الانتخابات الألمانية في سبتمبر لاختيار الزعيم الجديد لحقبة ما بعد ميركل، ومحاولات “شي جين بينغ” الحازمة لجذب القادة الأوروبيين من أجل استقطابهم وتحييدهم، تخلق إعادة حسابات مستمرة في مثلث واشنطن وبكين وبروكسل.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: Observer Research Foundation
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر