سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
عبدالله الجنيد
جدول الجولة الأخيرة لوزير الخارجية الأميركية للشرقين الأوسط والأدنى، هي أقرب للمبعوث منها لجولة وزير خارجية الدولة الأعظم في تاريخ البشرية. ركس تيلرسون إبان جولته السابقة التي انطلقت من الكويت وكانت جدة نهايتها، قد أفضت إلى إفراغها من منجزها السياسي، حين افترض أن المناورة السياسية في الأزمة الخليجية الراهنة، قد تهيئ لمكانته السياسية المتماهية والاقتصادية في إدارة ترمب. تجلت معضلة تيلرسون في تجاوزه للتفاهمات القائمة بين الرياض وواشنطن، وأن الأولوية الآن، هي إعادة الاستقرار لا إهدار المزيد من الوقت في الأزمة الخليجية. لذلك ارتأت الرياض أن حضور الوزير تيلرسون، مراسم توقيع مجلس التنسيق السعودي العراقي، هو الأنسب لإيصال رسالتها السياسية، ولتأكيد أن مستوى التفاهم القائم بين واشنطن والرياض في شؤون الشرق الأوسط، قد يتجاوز الوزراء في بعض الأحيان، وفي حال تيلرسون قد تضطر العاصمتان إلى تقليص مهامه لرتبة مبعوث.
ذلك تمامًا ما أكده المؤتمر الصحفي في الدوحة، الذي جمع تيلرسون ووزير الخارجية القطري. فالدوحة كانت على ثقة أن الوزير تيلرسون، سيبدي بعض الانتفاض من على أراضيها، إلا أن تصريحه من الدوحة أغاظ حتى مراسلة قناة الجزيرة باللغة الإنجليزية “كيف لوزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية أن يقبل بكل هذا الازدراء السعودي دون إبداء أي اعتراض، أو امتعاض من أسلوب استقباله في الرياض، وأن يصل للدوحة ليقول إن الأطراف غير مستعدة للجلوس في الوقت الراهن لطاولة المفاوضات”.
تيلرسون وصل إلى الشرق الأوسط، وكان شاهدًا على تراجع دور الخارجية الأميركية في أهم ملفات الساعة، وهي الأزمة الكردية والأزمة الخليجية مع قطر. وتأتي هذه الزيارة على خلفية أزمة شخصية للوزير تيلرسون مع الرئيس ترمب، وأخرى داخل وزارة الخارجية الأميركية. فهو يدرك أن إدارة الشؤون الدولية، أقل وقعًا على شخصه من إدارة إكسون موبيل، عملاقة صناعة الطاقة، وذلك تحديدًا ما قاله تيلرسون لصحيفة Atlantic بعد عودته من آخر زيارة للرياض. لكن يبقى أن الرئيس ترمب قد أوكل للوزير تيلرسون مهمتين، إن استطاع تحقيق النجاح في أي منهما، فإنه سيضمن الخروج المشرف من إدارة ترمب حينما يقرر ذلك.
إسلام أباد ونيودلهي، هما وجهتا تيلرسون على جدول الجولة بعد زيارته المفاجئة لأفغانستان. فالرسالة التي يريد ترمب إيصالها للقيادة السياسية في إسلام أباد، أن واشنطن قد فقدت الثقة بهذا الحليف المفترض، وأن عليها تحديد موقفها من تفاصيل سياساتها الداخلية، ومع من يجب أن تتعامل واشنطن في القضايا التالية: طالبان باكستان، وطالبان أفغانستان، والموقف من دعم النظام السياسي في أفغانستان، ومفهومها لمحاربة الإرهاب ومسؤولياتها في إعادة الاستقرار، وموقفها من إيران. وأخيرًا، ما هو مفهومها الحقيقي لمصالحها القومية، وتحديدًا في اتخاذها لموقف متوازن في علاقتها مع الصين.
كذلك هو الحال في محطته الأخيرة في نيودلهي، فالهند اليوم قوة اقتصادية تحتل المرتبة السابعة بين اقتصادات العالم بناتج قومي يقارب 2.2 ترليون دولار. لذلك يجب على الهند أن تتخذ خطوات حقيقية تجاه مسؤولياتها في دعم أمن واستقرار محيطها الجيوسياسي والجيواستراتيجي، وعدم الاكتفاء بدورها التاريخي في منظومة عدم الانحياز، وتحقيق مكاسب اقتصادية على حساب حلفائها. الهند اليوم مطالبة بالاضطلاع بدور أكثر فاعلية يتناسب ومكانتها جيوسياسيًا. الهند والصين هما أكثر الدول المتمصلحة اقتصاديًا من حالة عدم الاستقرار في الشرق الأدنى (أفغانستان تحديدًا، والتجارة مع إيران). في حين أن الهند لا تستثمر بما يتناسب ومصالحها القومية في أمن الشرق الأدنى والمحيط الهندي.
يبقى أن يفهم الوزير تيلرسون، أن كلا الملفين لهما نفس الأهمية لدى واشنطن والرياض، فإن هو حقق ما يرضي واشنطن، فإنه سيجد في الرياض حليفًا في ملفات أخرى قد تحقق مجده السياسي، بشرط أن يتناول السياسة من منطلقاتها الخاصة.
كاتب ومحلل سياسي بحريني*
@aj_jobs
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر