الكراهية والانتقام أحد أسرار التوريث الإخواني | مركز سمت للدراسات

الكراهية والانتقام أحد أسرار التوريث الإخواني

التاريخ والوقت : الثلاثاء, 8 يونيو 2021

طارق أبو السعد

 

يعد التوريث أهم سر من أسرار جماعة الإخوان المسلمين، فاستمرار الجماعة في دورها الوظيفي في المجتمع لا يرتكز على فكرة دينية خالصة؛ بل يعتمد على ترسيخ أفكار تنظيمية في ثوب  ديني، والأخطر أنّ هذه الأفكار لا تدعم الانتماء ولا تشيع السلام، ولا تعمل على تنشئة صحيحة لعناصرهم؛ فالتربية عند الإخوان ليست كما يفهم التربويون أنها تعديل في السلوك أو الوصول بالمربى لأن تكون سلوكياته إيجابية في كثير من النواحي؛ بل الوصول بالعنصر الإخواني لأن يكون تابعاً شديد الولاء للجماعة على حساب أي كيان آخر.

إنّ عملية التوريث في الإخوان هي القدرة على غرس قيم الجماعة التنظيمية ونقل المشاعر السلبية مثل عدم الانتماء للوطن، الاستعلاء والإحساس بالتفوق النوعي، والشعور بالحقد والكراهية والتشفي، وأخيراً الرغبة في الثأر والانتقام، كل تلك المشاعر التي حصدوها في كل تجاربهم الفاشلة السابقة ينقلونها إلى الأجيال التالية، وتحتاج إلى ثلاثة أركان؛ المورثون: وهم الأجيال السابقة، والوارثون وهم: الجيل الحالي، والميراث وهو: قيم الجماعة التنظيمية، أما آلية التوريث: فهي نقل حصاد تجارب التنظيم السابقة للأجيال التالية عبر وسائل مختلفة؛ منها لقاءات الأسرة التربوية (الخلية الأولى في التنظيم)، ولقاءات الكتائب ولقاءات التثقيف ووضوح الرؤية التي تعد الحبل السري الممتد من القيادة إلى القاعدة.

في البداية يتم ضخ تقليل الشعور بالذات وبقيمة الفرد، ففي سبيل ضمان بقاء عضو الجماعة في التنظيم يتم غرس فكرة أنّ لا قيمة له منفرداً، وإنّ قيمته تتحدد حسب انتمائه للجماعة، بل حسب درجته في التنظيم، لهذا يتصارع الإخوان على مناصب التنظيم ليس لأنّ فيها مكاسب مادية بل لأنّها شهادة بقيمته، من خلال آلاف الكلمات الموجهة حول أهمية الجماعة والعمل الجماعي، وأنّ الفرد لن يكون بغير جماعته، والجماعة ستكون دائماً به أو بغيره، لذا لا يقبل القادة شركاء في الانتماء، فلا يقبلون أن تكون محباً لجماعة أخرى، أو أن تتواصل معهم، أو يكون لك رافداً ثقافياً غير كتبهم، ثم يورثون لأعضائهم مفهوماً مغلوطاً عن الولاء والبراء، فيجعلون أنّ الولاء الحقيقي يكون للجماعة والتنظيم لأنّها هي التي تعمل للإسلام دون غيرها، وأنّ هذا الولاء فوق أي ولاء آخر، سواء للوطن أو للعائلة أو حتى لأسرتك الصغيرة إذا كنت متزوجاً.

كما يستخدمون أحاديث نبوية ويفسرونها بما يتوافق مع توجهاتهم، ويستخرجون من الحكايات ما يناسبهم ولو قسراً، حتى لو اضطروا أن يطمسوا الحقائق، ويكذبوا في سرد الوقائع؛ فمثلاً يوظفون خبر ورد عن أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، أنّ ابنه الأكبر قال له بعد أن أسلم، إنّه كان يهرب من مواجهته في بدر حتى لا يلتقيا، فرد عليه أبو بكر حازماً أنّه كان يبحث عنه ليقتله، أو ذلك الخبر الذي يذكر أنّ أحد الصحابة وجد أخاه أسيراً، فقال للصحابي الذي أسره أشدد عليه، فإنّ له أماً غنية ستدفع له الفدية، وهكذا حتى أن أحدهم كان يفاخر أمامنا أنّ الجماعة لو أمرته أن يطلق زوجته لطلقها امتثالاً لأوامر الدعوة (التنظيم)، كما فعل نبي الله إسماعيل عندما نصحه نبي الله إبراهيم، عليهما السلام، أن يغير عتبة بيته (كناية عن الزوجة)، فيرث عضو الجماعة ضعف انتماء للعائلة ولو وصل الحال لقطع الرحم إذا دعت الحاجة إلى ذلك.

ثم يورث الإخوان لاتباعهم أنهم يحتكرون الحق والإيمان، ولذلك يدعون المجتمع إلى ما هم عليه، وليس إلى ما عليه الإسلام، هذا الاستعلاء يبدأ بالتأكيد على أنّهم متفرّدون عن أقرانهم وأقاربهم لأنّهم يعملون للإسلام، وأنهم الأكثر فهماً للإسلام بل هم وحدهم من حباهم الله تعالى بفهم صحيح للدين، وأنّ غيرهم متردد ونفعي، وأنّهم وحدهم ورثة رسول الله، والذين يحملون رايته، وأنّ وعد الله لهم أنهم سينتصرون كما انتصر الرسول، صلى الله عليه وسلم، وأنّ العالم أجمع سيحاربهم، وعليهم ألّا يغتروا بأهل التدين وبصلاحهم، ولا بأصحاب الهيئات ورؤساء الحكومات، ولا برجال الأعمال ورؤساء الأحزاب، ولا بعلماء الدين من غير الإخوان، فالكلّ سيعادي الإخوان، لا لشيء إلّا لأنهم إخوان، لذا لا يقبل أعضاء الجماعة أي نقد لجماعتهم أو قادتهم، أو أي دراسة عن أخطاء الجماعة سياسياً وتنظيمياً، ولا يسمحون حتى لقراءة جديدة لتاريخ الإخوان، فميراثهم الذي استلموه من الأجيال السابقة يؤكد أنّهم الحق وغيرهم هو الباطل، ولا يمكن لهم أن يسمحوا لأهل الباطل أن ينتقد أهل الحق!!

ثم يورثون الحقد والكراهية، مطبقين عملياً فكر سيد قطب في “معالم على الطريق” إذ يقول: “ليست مهمتنا أن نصطلح مع واقع هذا المجتمع الجاهلي، ولا أن ندين له بالولاء، فهو بهذه الصفة الجاهلية غير قابل لأن نصطلح معه، إنّ أولى الخطوات في طريقنا هي أن نستعلي على هذا المجتمع الجاهلي وقيمه وتصوراته، وألا نعول من قيمنا وتصوراتنا قليلاً أو كثيراً لنلتقي معه في منتصف الطريق، كلاً، إننا وإياه على مفترق الطريق، وحين نسايره خطوة واحدة فإننا نفقد المنهج كله، ونفقد الطريق”.

لهذا دائماً ما يشيع الإخوان أنّ الوطن ظالم وقاسٍ غير عادل، ويستحضرون مواقف متراكمة لما يزعمون أنّهم لاقوه عبر العقود الماضية أو الحالية، فيولدون في الجيل الحالي ميراث الكراهية القديم الذي لم يشهده الجيل الحالي، فيصبح من الطبيعي أن يكره عضو الجماعة الرئيس جمال عبد الناصر رغم أنه مات قبل أن يولد عضو الجماعة نفسه أو حتى والده، ويتجاوز ميراث الكراهية للأشخاص إلى الوطن ذاته، حتى انتقلت الكراهية للمتأثرين بخطابهم تجاه الوطن باعتباره دار حرب يستحق البراء منه ومن أهله ومن جرائمه ويفرحون لهزائمه ويحزنون لأفراحه.

كما يورثون أخطر مفاهيمهم كحتمية الثأر، أو حتمية الانتصار، فعناصر الجماعة تؤمن أنّهم يعملون للإسلام، وأن ما واجهوه إنّما هو ضريبة الجهاد في سبيل الله وليس لخرقهم القانون، لذا لم ولن يتقبلوا أي عقوبة، بل يرونها كما يرون جرائم قريش ضد الصحابة، ولأنّهم يؤمنون أنّهم يحملون راية رسول الله، فهم يؤمنون بالتبعية أنهم سينتصرون كما انتصر الرسول الكريم، وهم لا يقصدون الانتصار بمعنى انتصار قيم العدل الخير والحرية التي يحملها الإسلام، بل يقصدون الانتصار العسكري الذي يتم عبر معركة تسيل فيها الدماء، ويمنّون أنفسهم بالانتقام بعد الانتصار من كل من تسبب في هزيمتهم السابقة، ويتركون لخيالهم العنان في تصور الطرق البشعة التي سيستخدمونها ضد أعدائهم.

في النهاية لا يمكن أنّ نعتبر أنّ الثقافة الإسلامية “القشرية” التي يتمسح بها الإخوان هي ميراث الجماعة، بل ميراثهم الحقيقي بث الكراهية والفرقة وعدم الانتماء والاندفاع نحو الثأر والانتقام،  وكل من يعتبر جماعة الإخوان “جماعة دعوية” دون أن يرى الآثار الجانبية لها يرتكب خطأ كبيراً في حق الأجيال التالية، التي يجب أن تعرف حقيقة الدور الوظيفي لهذه الجماعة، وكيف شوّهت روح وعقل أتباعها، وسهّلت الخيانة للوطن بزعم اختلاف وجهات النظر.

المصدر: حفريات

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر