الكراهية: جناية الإخوان على أوروبا ومسلميها | مركز سمت للدراسات

الكراهية: جناية الإخوان على أوروبا ومسلميها

التاريخ والوقت : الخميس, 26 نوفمبر 2020

طارق أبو السعد

بات من الواضح أنّ جماعة الإخوان، المصنفة “تنظيماً إرهابياً” في عدد من الدول، لا تحمل سوى الكراهية والعداء والدعوة للاحتراب الداخلي، فبعدما تخلصت الأمّة العربية والإسلامية من التعصب الديني والمذهبي الذي أذاقها الويلات، وتقبلت فكرة التسامح والتعايش مع الآخر، إذا بها تعاني مرّة أخرى من هذه الأمراض المجتمعية، لكن على يد الإخوان هذه المرّة.

فمع ظهور الإخوان قبل 9 عقود في مصر، وتمدّدهم في بعض البلاد العربية والإسلامية، لوحظ أنهم ما حلوا في مجتمع إلا وزرعوا فيه عوامل الشقاق والخلاف والتمزق الداخلي، وما تمكنوا من خطاب جماهيري إلا وأثاروا النعرات العنصرية وكراهية الدولة باعتبارها دولة جاهلية، وما تعاملوا مع الجماهير إلا واستعلوا عليهم، ونظروا إليهم على أنّهم جاهليون، أو (في أحسن الأحوال) لا يفهمون دينهم بشكل صحيح، وأنّ إيمانهم إيمان مخدر، وأنهم عديمو التربية، وأنّ على الإخوان القيام بمهمتهم الأساسية وهي تربيتهم من جديد، وفي سبيل إعادة تربية المجتمعات نشروا بين الناس العداوة والبغضاء والكراهية، وجرفوا أيّ فكرة تدعو إلى التسامح والتعايش والسلام.

ويمكن القول إنّ الفكرة الإخوانية في ذاتها تساعد على نشر الكراهية والبغضاء، بما تزرعه في وجدان المؤمنين بها بأنهم يحملون الفكر الصحيح والفهم الصحيح والعقيدة الصحيحة وغيرهم ليس كذلك، وأنهم أفضل جماعة، وأنهم على الحق وغيرهم على الباطل. ولا يمكن لجماعة تؤمن بنفسها بهذه الطريقة التعايش مع المسلمين الآخرين، فما بالنا بالآخرين من ديانات مختلفة، أو أصحاب سلوكيات مغايرة ومنطلقات فكرية لا تلتقي مع فكر الإخوان؟ فتطبيقات الإخوان لأفكارهم تبدأ بالانتقاص من الآخر واتهامه، ثم النيل منه بزعم أنه يمنع الإسلام الصحيح من الانتشار والتمكين، ثم بثّ روح الكراهية بين الجميع، وأخيراً تكفير الآخر واستحلال دمه، هذه هي الجذور الكامنة للكراهية والعنف في فكر الإخوان، وإن أخفوها، وإن زعموا براءتهم، فإنّ آلاف الأدلة والمواقف والخطب والكلمات الواعظة تؤكد تورط جماعة الإخوان ومسؤوليتها في زيادة مستوى الكراهية، سواء ضد الغرب أو ضد المسلمين.

لم يتوقف دور الإخوان في نشر روح الكراهية والبغضاء في المجتمعات العربية والإسلامية، بل تعدى ذلك إلى الغرب الأوروبي، فقد سمحت أوروبا في ظل ضغوط الحرب الباردة، بتوطين الجماعات الإسلامية وتمكينها من السيطرة على منافذ الخطاب الإسلامي لمنع المسلمين الأوروبيين من الانخراط في التنظيمات اليسارية أو الشيوعية، وقام الإخوان بدورهم كما ينبغي في المراحل الأولى، ولم يدرك الأوروبيون أنّ الإخوان حملوا معهم روح الكراهية ونشروها في مجتمعاتهم الأوروبية، مستغلين مناخ الحرّية الذي يسمح للقاطنين فيها بتشكيل المؤسسات والمراكز والجمعيات، ففرضت جماعة الإخوان سيطرتها على كثير من الجمعيات والمراكز الإسلامية، ومن ثم بثوا فيها جينات فكرية، مع الزمن تحوّلت إلى روح عدوانية مدمرة.

اليوم، أصبحت روح الكراهية خطراً على أوروبا، فلم تعد مجرّد خطبة هنا أو كلمة هناك، بل أصبحت استراتيجية ينفذها الإخوان ليسيطروا على المسلمين في أوروبا، ومن ثم ليكونوا ورقة ضغط على حكوماتهم إذا استدعى الأمر، والمسلمون في أوروبا كتلة عاطفية يمكن استخدامها، فوفقاً لآخر إحصائية قام بها (معهد بيو) عام 2010 وصل عدد المسلمين في كل أوروبا، عدا تركيا، إلى 44 مليون نسمة؛ أي ما يُشكّل حوالي 6% من إجمالي سكان أوروبا، بما في ذلك 19 مليون (3.8% من السكان) من سكان الاتحاد الأوروبي، كما تكشف معدلات نمو الإسلام في أوروبا عن تزايد عدد المسلمين الذين يقطنون في أوروبا، وأرجعت دراسة أجراها (معهد بيو) إلى أنّ ذلك يعود أساساً إلى الهجرة وارتفاع معدلات الولادة، وأنّ من المتوقع أن تصل نسبة المسلمين في أوروبا إلى حوالي 8% من سكان أوروبا عام 2030 مع انخفاض معدل المواليد الأوروبيين مقابل ارتفاع معدلات الإنجاب في أوساط المسلمين، بالإضافة إلى تدفق المهاجرين المسلمين من المغرب العربي وتركيا وأفريقيا، هذه الكتلة البشرية الممتدة بطول القارة الأوروبية يمكنها أن تكون مصدر تقدّم إذا تمّ دمجها بالنسيج الأوروبي وفق النظام العام وأسلوب الحياة، ويمكن أن تتحول إلى قنابل موقوتة إذا تركت منابع الكراهية تسيطر على تفكيرهم وعلى منظورهم للحياة.

أدركت أوروبا مؤخراً خطورة شيوع خطاب الجماعات المتطرفة على خطاب الإسلام المعتدل، وبدأت الدراسات نحو اكتشاف منابع الكراهية التي تفشت في أوروبا وأصبحت تهدد سلامها وأمنها. تقول الباحثة شيرين تي هنتر في دراستها المدمجة في “كتاب الإسلام الدين الثاني في أوروبا” الذي صدر عن المركز القومي للترجمة في مصر عام (2016): إنّ التصاق المسلمين في أوروبا بأفكار الإخوان زجّ بهم إلى دائرة الرفض والحرمان والغربة والسلوك المعادي للمجتمع والكراهية، ومن ثمّ أصبح المسلمون عبئاً ثقيلاً على المجتمعات المضيفة، صعب عليهم الاندماج في نسيج المجتمع الأوروبي، حتى أصبحوا مستهدفين من كافة الجماعات والتيارات للاستحواذ عليهم وعلى أصواتهم ليكونوا وقوداً لمعاركهم في أوروبا.

ورأى باحثون أنّ الخطاب الإسلامي الصادر من منظمات إخوانية، مثل اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، والرابطة الإسلامية في بريطانيا وغيرها، كان يقدّم على أنه هو صوت الإسلام في الغرب، فصبغوا الإسلام بصبغتهم، بما فيها من كراهية وتعصب ودموية، وعلى وجه الخصوص خلال العقدين الأخيرين، ممّا أدى إلى ارتفاع نسبة المشكلات التي تخص علاقة المسلمين بالدول الأوروبية التي يعيشون فيها، وبالمجتمعات التي يقيمون فيها هناك، وتتحدث تقارير ودراسات مختلفة عن الدور الذي لعبته الجماعات الإسلاموية، وعلى رأسها جماعة الإخوان، في تأجيج هذه المشكلات من أجل عزل المسلمين عن محيطهم في تلك الدول، فعلى سبيل المثال: أفكار الإخوان لا تسمح لمعتنقيها أو المؤمنين بها أو حتى المتأثرين بها بالتكيف مع المجتمعات الأوروبية، حيث أهم ما يميز هذه المجتمعات أسلوب حياتهم القائم على الفصل بين الدين والدولة، وإعلاء قيم الديمقراطية والحرّية، والإخوان ومعهم كافة التيارات الإسلاموية ضد هذا الأسلوب شكلاً وموضوعاً، وجملة وتفصيلاً، وبالتالي فإنّ الخطاب الإسلامي (المختطف من الجماعات المتطرفة وعلى رأسهم الإخوان) قدّم للمسلمين  في أوروبا هوية مزدوجة وحياة مزدوجة، فهم من جهة يميلون لأسلوب الحياة الأوروبية التي تمنحهم الحرّية، وفي الوقت نفسه يرفضونها لأنها ضد الإسلام (أو هكذا يزعمون)، هذا هو المناخ الذي تنشر فيه جماعة الإخوان وكافة التيارات الإسلاموية خطاب الكراهية تجاه الغرب.

وفي هذا السياق، كشف المؤشر العالمي للفتوى (GFI) التابع لدار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم في “تقريره الصادر في كانون الثاني (يناير) 2020 حول ظاهرتي التطرف وخطاب الكراهية” أنّ خطاب الكراهية – خاصة التمييز أو العدوانية أو العنف – سار في خطين متوازيين بينهما قواسم مشتركة: الأول خطاب التنظيمات الإسلامية المتطرفة، أمّا الثاني، فهو خطاب اليمين المتطرف في أوروبا والدول الغربية. وحذّر التقرير من خطورة سيطرة الإخوان على منصات التواصل الاجتماعي، إذ اعتبرها التقرير هي أول طريق الإرهاب الأبيض لنشر خطاب الكراهية والإرهاب.

ورصد المؤشر العالمي للفتوى أكثر من (1700) إصدار إرهابي تدعو للعنف ونبذ الآخر، شملت إصدارات مرئية ومكتوبة وكلمات صوتية وأناشيد وتقارير مصورة، كما مثلت نسبة الفتوى غير المنضبطة 92% من مضمونها، موضحاً أنّ 93% من فتاوى التنظيمات المتطرفة تتعارض مع حقوق الإنسان، وكذلك مع مقاصد الشريعة الإسلامية، مشيراً إلى تكفير تلك التنظيمات للقائلين بالحقوق السياسية والدساتير الدولية والانتخابات والأحزاب السياسية والديمقراطية وحرّية الاعتقاد والحق في الحياة، لا سيّما ضد المسيحيين والمرأة والطفل، كما تبين أنّ 98% من أحكام خطاب وفتاوى التنظيمات الإرهابية بشأن المسيحيين “تحرّض على العنف بحقهم وقتالهم”، وأنهم “ليسوا أهل ذمة، وبالتالي يجب قتالهم وهدم كنائسهم وعدم ترميمها، وعدم توليهم مناصب”.

ومن اللافت للنظر أن استحوذت المرأة على جانب ليس بالقليل من سمات خطابهم التمييزي والعنصري أيضاً، وكان خير مثال على ذلك فتوى لتنظيم داعش أوجبت ختان جميع النساء اللاتي تتراوح أعمارهنّ بين 11 و46 عاماً، وأكد المؤشر أنّ موضوع الختان يُعدّ من أهم وسائل خطاب التنظيمات الإرهابية العنيفة ضد المرأة. ولعل ما يحدث من ختان للإناث ما هو إلا جريمة وجناية في حق الفتيات، ينبغي التوقف عنها فوراً لمخالفتها الدين والشرع والقانون وحقوق الإنسان. وقد رصد المؤشر فتاوى زواج القاصرات.

وعلى صعيد متصل، ألقت دراسة صادرة عن “مركز تريندز للبحوث والاستشارات” الضوء على مخاطر قيام جماعة الإخوان الإرهابية بتوظيف وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات الذكية لنشر التطرف والكراهية وتجنيد الشباب لتنفيذ أعمال عنف وإرهاب، خصوصاً في أوروبا، محذرة من خطورة التطبيق الهاتفي المعروف باسم «يورو فتوى» الذي أطلقه المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، التابع لمنظّر الإخوان يوسف القرضاوي، الذي دخل حيز العمل قبل عامين، معتبرة أنه الوسيلة الجديدة للجماعة لنشر الفكر المتطرّف والكراهية والعنف، فضلاً عن تجنيد الشباب لصفوفهم.

المصدر: حفريات

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر