سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
عماد ظفار
بعد التشتت الذي أصاب ولاية نزار شريف وخسارته سياسيًا، أصبحت القوى الخفية منشغلة – حاليًا – بتضييق الخناق على رئيس حزب “الشعب الباكستاني”، آصف علي زرداري ورجاله. ونتيجة لهذه الطريقة التي تدار بها الأمور، لم يكن من الصعب فهم أنه – إن عاجلاً أو آجلاً – سيواجه حزب “الشعب الباكستاني” بقيادة زرداري، المأزق المحتوم؛ ذلك أن عقيدة المؤسسة العسكرية الجديدة تدور حول تصحيح الهيكل السياسي في باكستان؛ ولهذا يعتقد أنه ينبغي أن ينطلق الحزبان الرئيسان تدريجيًا في الأفق السياسي.
ووفقًا لهذا المبدأ، كانت “الرابطة الإسلامية الباكستانية” هي الهدف الأول، فقد حققت المؤسسة القضائية هذا الهدف بإقصاء نواز شريف من منصب رئيس الوزراء بتهمة الفساد. كما تمَّ إطلاق حزب ديني من اليمين المتطرف بهدف السيطرة على اتجاهات التصويت في الانتخابات؛ إذ نجح هذا الحزب في تقسيم الأصوات الخاصة بالعشرات المقاعد بإقليم “البنجاب”، كما ظهر الحزب الوليد كثالث أكبر قوة سياسية في الانتخابات بإقليم “البنجاب”.
وقد اعتبر “زرداري” أن زوال شريف يمثل ميزة سياسية، لكنه سرعان ما اكتشف أن دوره في مواجهة تلك الأزمة، خلال المرحلة الراهنة؛ إذ حاول شهباز شريف الشقيق الأصغر لنواز، ترميم العلاقات مع المؤسسة العسكرية، لكن واجهته خيبة أمل، حيث لم يتم استيعابه، لأنه لا يزال في عهدة “مكتب التحقيقات الوطني” NAB. ويواجه “زرداري” ومساعدوه المقربون، قضايا قانونية تتعلق بغسل مليارات الروبيات، وهو ما ينطبق – كذلك – على أصحاب العديد من الشركات الذين يواجهون العديد من الاتهامات بالفساد من قبل الحزب الحاكم.
وينشغل – حاليًا – كل من حزب “الرابطة الإسلامية الباكستانية” وحزب “الشعب الباكستاني” بالخروج من هذا النفق الذي فتح المجال أمام “حركة باكستان الباكستانية” التي يقودها عمران خان، لتحقيق مكاسب سياسية. فلم تقم الحكومة التي يقودها “خان” بالطعن في تلك القضايا، لأن كلاً من حزب “الشعب الباكستاني” وحزب “الرابطة الإسلامية الباكستانية”، يحاولان التعامل مع القضايا المرفوعة ضدهما.
لقد مُنِيَ رئيس الوزراء عمران خان، وحكومته بفشلٍ ذريعٍ في الاستفادة من الوضع الراهن من خلال عدم القدرة على إظهار مهارات التخطيط والرؤية الجيدة. فمن خلال الدعم الكامل للمؤسسة وعدم وجود معارضة نشطة، كان من المتوقع أن تسير حركة حكومة “خان” بسلاسة؛ ذلك أن المؤسسة العسكرية تأكدت من أنها لا تواجه أي عوائق في إدارة شؤون الدولة. ومع ذلك، فمثله مثل أسلافه، وجد خان صعوبة بالغة في السيطرة على الجماعات الدينية المتطرفة، إذ يبدو أنه لا يملك سلطة على شؤون الدولة. فمعظم القرارات داخل البلد تصنعها وتديرها البيروقراطية ومؤسسة القضاء. فالنشاط القضائي وردُّ الفِعلِ البطيء من قِبَل البيروقراطية يجعلان من الصعب على “خان” أن يتابع جدول أعماله، ومع كل يوم يمر، يفقد الحماس والأمل.
فالاحتجاجات الأخيرة أضرت بالبلاد، وقدمت الصورة الحقيقية لعجز “خان” فيما يتعلق باتخاذ قرارات تنفيذية صارمة. فقد قام كاظم رزفي، وهو رجل دين ورئيس حزب “العمل الوطني”، بتهديد البلاد لمدة يومين، وفي النهاية، استسلم “خان” وحكومته. وربَّما كان في ذلك إشارة على أن الأمر يسير في إطار مخطط أكبر، حيث لم تكن هناك حاجة إلى “خان”، ولا إلى حزبه السياسي. لكن من أجل أن يظهر على مسافة من المؤسسة العسكرية، فقد وجه إليها نقدًا شديدًا.
ومع ذلك، فإنه لا يغير حقيقة أن الممثل الجديد غير التابع للدولة، يمثل رصيدًا استراتيجيًا لحركة “لبيك باكستان”، ما يعني أن علاقة الود طويلة الأجل بين الدولة وجماعات المعارضة المتشددة قد انتهت، وأنها تقوم بدور في تطبيق سياسات “الدولة العميقة”.
وبينما يجد “خان” صعوبة بالغة في إدارة الشؤون الداخلية للبلاد، يبدو أنه من غير مسموح له بالسيطرة على السياسة الخارجية؛ وهو ما يعني أن الهدف ليس فقط تفكيك حزب “ساموراي” بزعامة شريف، وحزب “الشعب الباكستاني” بزعامة زرداري، في إطار الهدف النهائي وهو تشويه النظام السياسي برمته. وهذا ما يولد بدوره سؤالاً: إذا لم يُسمح لخان بحرية الحركة، فكيف ستدير الدولة العميقة البلد؟ ومن سيكون الوجه السياسي الجديد للدولة العميقة؟ هنا يكون الجواب المحتمل متمثلاً في أن الدولة العميقة تعمل على تغيير الهيكل السياسي القائم في باكستان بالكامل.
لقد سئمت الجماهير من إخفاقات أحزاب الوسط الرئيسية، بل إنها ترفضها. ومن المؤكد أن هذه الأحزاب التقليدية، لم تكن قادرة على تحقيق النتائج المرجوة، لكن لا أحد يستطيع أن يحقق نتائج عندما تكون القوة الفعلية في يد الدولة العميقة.
ولا يعني ذلك أن حزب “الشعب الباكستاني” غير قادر على معالجة القضايا الحقيقية المتعلقة بالجماهير، فبالعودة إلى قواعد اللعبة الأساسية، نجد أن المؤسسة السياسية ساهمت في إحياء الجماعات الدينية المتطرفة، وذلك في إشارة واضحة إلى أنها لن تسمح لأي نظام سياسي بالتخلي عن العقيدة القديمة لتفريخ المتطرفين الذين يستخدمون الجماعات المتطرفة كسبيل للسيطرة على قطاع كبير من الجماهير رهينة للمعتقدات الدينية المتكاملة بعيدًا عن المصلحة الوطنية.
ومن أجل الحفاظ على “خان”، يتم إعطاء نواز شريف مساحة للتنفس وحرية الحركة، وهو يساعد على فهم استراتيجيات السلطة الحاكمة أكثر من أي وقت مضى في باكستان. لذلك فقد اختار شريف أن يبقى صامتًا. كما أن وريثته السياسية، مريم نواز، الناشطة السياسية التي تناهض المؤسسة العسكرية، قامت ببناء حملة “احترم تصويتي” ضد المؤسسة، لكنها تُواجه بالتوقيف وحظر ممارسة نشاطها السياسي، إلى درجة أنها اختفت تقريبًا من المشهد السياسي.
ونتيجة لذلك، فإن شريف وابنته لا يزالان يحصلان على بعض الدعم من القضاء، حيث خرجا من السجن للعيش في أمان بمنزلهما. لكن الزمن وحده هو الذي سيحدد المدة التي سيبقيان فيها منقادين.
وخلال تلك الأثناء، يتم الاحتفاظ بـ”شهباز” في عهدة “مكتب التحقيقات الوطني” NAB، حيث يسعى شريف لممارسة استعراض قوته لمعرفة ما إذا كانت المؤسسة بحاجة إلى “شهباز” كبديل احتياطي. فبعد كل شيء، نجد أن السجن يمنح “شهباز” الاحترام والمكانة اللذين يحتاجهما الناخبون من حزب “الرابطة الإسلامية”. فإذا فشل خان بطريقة ما، فسيتم استخدام شريف كبديل احتياطي، كما أنه ستكون هناك مساعٍ للاحتفاظ به. وإذا تمكن “خان” من البقاء بنجاح، فإنه سيكتسب مصداقيته تدريجيًا مع الوقت، كما هو الحال بالنسبة لنواز شريف.
وعلى أية حال، ستستمر مثل تلك الألعاب القذرة، التي قد تؤدي إلى أن تظل باكستان رهينة للدولة العميقة وعملائها. وستظل وسائل الإعلام قابعة تحت الرقابة والسيطرة، وستكون التعديلات الدستورية المطلوبة لفائدة الدولة العميقة أسهل في إجرائها. فالجماهير التي تعتقد أن النظام الحالي يجري إصلاحه، تعيش الآن في حالة هلوسة، إذ إن هذه اللعبة تدور حول قبضة قوية على السلطة.
المصدر: آسيا تايمز
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر