القومية العربية بين النفس الأقلَّوي والحضن الإيراني | مركز سمت للدراسات

القومية العربية بين النفس الأقلَّوي والحضن الإيراني

التاريخ والوقت : الخميس, 17 مايو 2018

عكرمة أبو بكر الأنصاري

 

منذ بداية ظهور القومية العربية على يد نصارى الشام، وانطلاقتها الفعلية بشكلها السياسي الواضح عبر جمعية بيروت السرية، التي تأسست عام 1875، لم تكن هذه الحركة إلا معقلاً للتيارات الضدية، وإن تخلل ذلك بعض المحطات التي اكتسبت فيها زخمًا جماهيريًا بفضل السلطة أو الضخ العاطفي، إلى أن وصل بها الحال للتحالف مع عدو قد يكون وجوديًا! لهذه القومية المنافح عنها؛ مع استحضار مقياس قد يصح الحكم به على توجهات قادة الرأي في هذا التيار، وهو وقوفه ضد الأغلبية العربية من منطلقات طائفية ضيقة وكرهه للجذر العربي الأول، وهو الجزيرة العربية التي تمثل دول الخليج حالتها السياسية والبشرية المعاصرة.

 

 تكوين القومية العربية

تعود النزعة القومية عند العرب بمفهومها المعاصر، إلى أمرين أساسين:

1- رغبة النخبة النصرانية في بلاد الشام، التي استفادت من النهضة العلمية التي أوجدتها البعثات التبشيرية في حواضر سوريا ولبنان، في الخروج من حالة الاستقطاب الديني بحكم السلطة العثمانية ومؤيديها من الأغلبية المسلمة، وإيجاد مناخ يسمح لهم بتجاوز المعيار الديني في العمل السياسي والمجتمعي، فكانت الهوية القومية هي البديل المقترح عند هذه النخبة.

2- رد فعل على الهيمنة التركية، كما هو واضح من أدبيات عبدالرحمن الكواكبي وشكيب أرسلان ومحب الدين الخطيب. وليس بعيدًا عن هذا الطرح، ما قام به الشريف الحسين بن علي، من ثورة ضد الأتراك من أجل إنشاء دولة عربية كبرى ساهمت جمعيات قومية في وضع ميثاقها في دمشق 1914.
وكانت القومية العربية في هذا العصر، مزيجًا من الهم الطائفي “الضيق”، أو القومي “الرومانسي”، وكانت الفكرة بمجملها ملتبسة وغير واضحة الحدود.

 النضوج الفكري والوصول للسلطة

يعتبر المفكر والسياسي السوري ساطع الحصري، رائد القومية العربية، من حيث التنظير ووضوح الفكرة وتحويلها إلى عقيدة سياسية وفكرية متماسكة شملت الحدود التفصيلية لتعريف القومية العربية، وجعلها جانبًا لغويًا وتاريخيًا، مخرجًا الدين – كليةً – من الإطار الحدي للقومية العربية،
وهذا ما جعله في صراع كبير مع رجال الدين وكل الأطياف ذات المرجعية الإسلامية، إضافة إلى رفضه للدولة القطرية والوطنية.

تسللت أفكار القومية العربية لعدد من الأحزاب والكيانات التي نشأت في نهاية القرن العشرين، لعل أبرزها حزب البعث الذي تمكن من الوصول للحكم في بلدين محورين (العراق وسوريا)، والذي كان من أهم منظريه ومؤسسيه أقلَّوي يساري هو زكي الأرسوزي، وأحد نصارى الشام ميشيل عفلق، ولا يقلل من النزعة الأقلَّوية في تأسيس الحزب، وجود صلاح البيطار في الهيكل التأسيسي الأول، فقد كانت النواة الصلبة التي وصل عبرها الحزب للسلطة تتكون من ضباط علويين بقيادة صلاح جديد، إلى أن استحوذ – كليةً – حافظ الأسد على أدوات الحكم عبر الحركة التصحيحية.

وفي الحالة العراقية وصل “البعثيون” القوميون للسلطة عبر الانقلابات الدموية (لعبتهم المفضلة) في إخراج المنافسين من اللعبة السياسية.

وتبقى التجربة الناصرية الأكثر نموذجية في رأي المنظرين القوميين، وما زالت كثير من الأحزاب تصف نفسها بالناصرية.

ويبقى القاسم المشترك بين هذه التجارب والحالات، هي النزعة اليسارية والعداء للأغلبية، سواء كانت شعبية، أو دينية بدعوى الرجعية. ومن هنا نفهم حالة العداء الناصري والبعثي للملكيات المعتدلة في الخليج وبعض البلدان العربية.

 

العلاقة مع إيران

بعملية بحث بسيطة في مواقف رموز التيار القومي، يصل الباحث إلى نتيجة واضحة، وهي التماهي الكلي في المواقف بين إيران ومنظري التيار القومي. أمَّا أسباب هذا التماهي واتحاد الرؤية في مجمل القضايا، فهو التحدي الحقيقي، وقد بذل الكاتب السعودي خالد الدخيل، جهده في محاولة الإجابة على هذا الإشكال “غير المتسق” مع الأطروحات القومية عبر سلسلة مقالات في جريدة الحياة، وغير بعيد عن طرحه، زميله في المطبوعة نفسها حازم صاغية.
وتبقى معظم هذه التفسيرات تتمحور حول النزعة الأقلَّوية والطائفية لكثير من هذه القيادات القومية، وهو ما كشفت عنه جليًا الأزمة السورية.

هذا فيما يتعلق بالنواة الصلبة لبعض منظري هذا التيار. فيما تعود حالة التماهي مع السياسة الإيرانية عند بعض القيادات إلى ما يمكن تسميته بـ”متلازمة السعودية” الناشئة – في تقديري – عن عوامل مرضية يغذيها الحسد، وفي أحسن الأوضاع الغيرة، كما في بعض النماذج المصرية والمغاربية.

هذا، غير المبررات اللفظية، كمعاداة المعسكر الغربي الذي تقول إيران إنها تناوئه، لكن الاتفاق النووي الإيراني في حينه كشف تهافت هذا العامل.

 

الخلاصة

ولعل الثابت الوحيد عند هذا التيار في جميع مراحله بعد وصوله للسلطة وتراجعه لاحقًا، هو معاداته للأغلبية الشعبية، وخاصة ذات البعد الديني بحجج مختلفة، تارة بحجة الرجعية، وأخرى بدعوى محاربة الإمبريالية. وتبقى الملكيات العربية، وفي مقدمتها السعودية، العدو الأكبر لهؤلاء القوميين، وهم مستعدون للتحالف مع أي جهة من أجل مناكفتها. ومن هنا، يمكن لنا فهم هذا الغزل المتبادل بينهم وبين إيران، فالعدو المشترك بينهم واحد، وهو الاعتدال وصوت الأغلبية الذي تمثله السعودية.

وإدراك هذا البعد يفرغ كل الشعارات القومية، كمجابهة إسرائيل، من أي مضمون، ولا أدل على هذا من توحيد المصطلح مع حزب طائفي كحزب الله “الممانعة” نموذجًا، مما يجعل أي قراءة منهجية لمنظري هذا التيار لا بدَّ أن تنطلق من هاجس الأقليات ومن “متلازمة السعودية” وما تمثله من ثقل ديني وأصالة عربية، وفي سبيل هذه المنطلقات لا بأس بالتماهي مع كل من يضاد هذه الحقائق والوقائع.

 

@ekrima2

باحث في الشؤون الإعلامية والفكرية*

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر