القمة الأوروبية-الإفريقية.. تحديات وأهداف مشتركة | مركز سمت للدراسات

القمة الأوروبية-الإفريقية.. تحديات وأهداف مشتركة

التاريخ والوقت : الإثنين, 21 مارس 2022

هايدي الشافعي

 

أصبح التدافع على النفوذ السياسي والاقتصادي في إفريقيا من قبل القوى العالمية المختلفة، باستخدام آلية القمم رفيعة المستوى للدفع نحو شراكات مربحة للجانبين، مألوفًا على مدى العقدين الماضيين، ويكتسب زخمًا أكبر بمرور الوقت، بما في ذلك الدول ذات النفوذ التقليدي في إفريقيا، والتي تحاول إعادة صياغة علاقتها مع دول القارة، وعلى رأسها دول الاتحاد الأوروبي، حيث اجتمع رؤساء الدول والحكومات الأوروبية والإفريقية في “بروكسل” يومي 17 و18 فبراير لحضور القمة السادسة للاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي، والتي عقدت هذا العام تحت عنوان “إفريقيا وأوروبا: قارتان برؤية مشتركة حتى ٢٠٣٠،” وذلك بعد تأجيلها عدة مرات بسبب وباء كوفيد-19، حيث عقدت في دورتها الخامسة في نوفمبر 2017 في أبيدجان، وكان من المقرر عقدها في عام 2020.

وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي يعد من أبرز الشركاء الدوليين للقارة الإفريقية، لا سيما فيما يتعلق بملفات التنمية الاقتصادية وحفظ السلم والأمن الدوليين، فضلًا عن كونه أكبر مستثمر مباشر في إفريقيا، إلا أن العلاقة بين القارتين اتسمت لعدة عقود باعتماد الدول الإفريقية على تمويل المانحين من الدول الأوروبية الغنية، فضلًا عن الاختلالات التجارية بين الجانبين. وتحاول هذه القمة إعادة تشكيل العلاقة بين المنظمتين الدوليتين وتحويلها من علاقة (مانح – متلقي)، إلى شراكة تكافلية بين أنداد، تضمن لإفريقيا صفقات عادلة مع جميع أعضاء الاتحاد الأوروبي.

قضايا مُلحة وتهديدات مشتركة

تأتي القمة في ظروف أمنية واقتصادية وسياسية صعبة بالنسبة لإفريقيا، بسبب تداعيات وباء كورونا على دول القارة الإفريقية، ونقص إمدادات اللقاحات، بالإضافة إلى الانقلابات العسكرية والتوترات السياسية التي عانت منها بعض الدول خلال العام الماضي، فضلًا عن أزمة الإرهاب التي تسيطر على منطقة الساحل وغرب إفريقيا وانسحاب فرنسا من مالي، إلى جانب الكوارث المناخية التي ألمت بمنطقة شرق إفريقيا والقرن الإفريقي، مما جعل قادة الدول الإفريقية يتجهون إلى بروكسل محملين بعدد من القضايا الملحة، آملين في تحقيق مكاسب تنم عن شراكة حقيقية مع دول الاتحاد الأوروبي، خاصة وأن كل التهديدات التي تواجه القارة الإفريقية لن تقف تداعيتها عند حدود دولها، وانما تمثل تهديد مشترك للدول الأوروبية.

استجابة لهذه التطلعات، تضمنت أجندة القمة الأوروبية-الإفريقية عددًا من الملفات، على رأسها: تمويل النمو، والنظم الصحيه وإنتاج اللقاحات، وكذا الزراعة والتنمية المستدامة، والتعليم والثقافة والتدريب المهني والهجرة والتنقل، بالإضافة إلى دعم القطاع الخاص والتكامل الاقتصادي، فضلًا عن السلام والأمن والحكم، انتهاءً بتغيُّر المناخ وتحول الطاقة والتحول الرقمي.

ومن جانبها، فإن دول الاتحاد الأوروبي كانت حريصة على تبني رؤية مشتركة مع إفريقيا لعام 2030 وفقًا لأولويات الاتحادين، ولكن من وجهة نظر أوروبية بعض الشيء، ويتضح ذلك من المنحنى التي اتخذته القضايا محل الاهتمام المشترك، حيث برزت عدد من الموضوعات أكثر من غيرها وسيطرت على النقاشات الأوروبية-الإفريقية، أبرزها:

  • إنتاج اللقاحات:

حاز موضوع لقاحات فيروس كورونا على جزء هام من نقاشات القادة الأفارقة مع نظرائهم الأوروبيين، حيث عانت إفريقيا بالفعل من التوزيع غير العادل للقاحات فيروس كورونا، الأمر الذي تركها متخلفة بشكل يرثى لها عن باقي دول العالم في تلقي اللقاحات، ففي الوقت الذي تلقى فيه حوالي 70٪ من الأوروبيين لقاح فيروس كورونا؛ لم يتلقَّ اللقاح سوى 11% فقط من سكان القارة الإفريقية، وما أثار غضب الأفارقة أكثر هو إصرار عدد من دول الاتحاد الأوروبي على رفض التنازل عن حقوق الملكية الفكرية على لقاحات كوفيد-19، بينما تحاول إفريقيا الضغط من أجل الحصول على إعفاء مؤقت من براءات الاختراع للسماح بإنتاج لقاحات عامة.

وتجادل الدول الأوروبية بأن الاستثمارات في مواقع إنتاج اللقاحات في إفريقيا ستكون كافية لتغطية الاحتياجات الإفريقية، وأنها ستزيد التمويل لمساعدة الأنظمة الصحية في القارة على إطلاق اللقاحات، كما أن مبادرة “كوفاكس” ساهمت بالفعل في توفير أكثر من 400 مليون جرعة لإفريقيا خلال العام الماضي، إلى جانب 450 مليون جرعة أخرى تعد الدول الأوروبية بمنحها بحلول منتصف عام 2022.

يأتي هذا في الوقت الذي تراجعت فيه الثقة الإفريقية في دول الاتحاد الأوروبي بسبب اكتنازهم للقاحات أثناء الأزمة، وتقديم عملية تلقيح مواطنيهم أولا قبل إعطاء اللقاحات لباقي دول العالم النامي، حتى حصل أكثر من نصف سكان أوروبا على جرعات منشطة، فيما لا يزال حوالي 85% من سكان القارة لم يحصلوا على أي جرعة من اللقاح. وبالرغم من الوعود الأوروبية بزيادة أعداد اللقاحات الموجهة للدول الإفريقية، إلا أن هذه الأعداد غير مستدامة، وهو ما يجعل مصير اللقاحات في أيدي دول خارج القارة. وبعد نقاشات مطولة، غادر القادة الأفارقة بروكسل مع وعد بمحاولة التوصل إلى حل وسط من الاتحاد الأوروبي بحلول الربيع.

  • تغير المناخ والتحول الأخضر:

قضية أخرى مثيرة للقلق هي تغير المناخ والانتقال إلى الطاقة المستدامة، حيث يبحث الاتحاد الأوروبي عن طرق جديدة لدعم اقتصاد منخفض الكربون والانتقال إلى مستقبل أخضر، من خلال أن تصبح أوروبا كتلة محايدة مناخيًا بحلول عام 2050، مما سيتطلب إمدادًا ضخمًا ومتنوعًا ومستدامًا من المعادن الأرضية والمواد الخام اللازمة للإنتاج الأخضر، وأبرزها معادن النحاس والنيكل والكوبالت والليثيوم، التي يوجد العديد منها في إفريقيا. فعلى سبيل المثال، تمثل جمهورية الكونغو الديمقراطية حوالي 70 ٪ من إنتاج الكوبالت العالمي ونصف الاحتياطيات العالمية، بالإضافة لإنتاجها الضخم من النحاس، وصل إنتاج النيكل في مدغشقر إلى 9900 طن متري في عام 2020، وكذا ارتفع إنتاج الليثيوم في زيمبابوي إلى 65000 طن متري في عام 2021، كما تمتلك بوتسوانا وزيمبابوي أيضًا النيكل، بينما تمتلك جنوب إفريقيا موارد من النحاس والليثيوم.

في غضون ذلك، وبينما تتفق دول القارتين على أهمية الاتجاه نحو التحول الأخضر، يختلفون حول الكيفية التي يتم بها ذلك، حيث تُعد إفريقيا واحدة من أكثر القارات تضررًا من أزمة المناخ، في حين أنها من بين أقل البلدان المسببة لانبعاثات الكربون في العالم، وبينما لا تزال العديد من دولها تخطو خطواتها الأولى نحو التنمية باستخدام الوقود الأحفوري الذي يمثل أحد أهم ثرواتها، يتجه العالم نحو استخدام الطاقة النظيفة وفرض حظر على تمويل المشروعات التي تستخدم الوقود الأحفوري، في وقت يعاني فيه 600 مليون إفريقي من عدم وصول الكهرباء، وتفتقر فيه إفريقيا إلى الإمكانات المادية والبشرية اللازمة للانتقال الكامل نحو الطاقة الخضراء، وهو ما يُعد ظلمًا كبيرًا للدول الإفريقية التي طالبت بمراعاة الاحتياجات الحيوية لإفريقيا في تمويل الوقود الأحفوري، أو السماح بالتحول التدريجي على مدى فترة زمنية أطول، وتوفير تمويل المناخ المُيسر، ودعم التحول العادل للطاقة في القارة الإفريقية، فضلًا عن ضرورة حشد التمويل اللازم لتنفيذ العدد الكبير من مشروعات الربط الكهربائي التي توافقت الدول الإفريقية بشأنها ضمن قائمة مشروعات “برنامج تنمية البنية التحتية القارية،” وهي الأمور التي أكد عليها الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال ترأسه للمائدة المستديرة حول تغير المناخ في القمة الأوروبية-الإفريقية.

ومع ذلك، لا تزال قمة المناخ cop27 التي تستضيفها مصر نهاية عام 2022، تمثل فرصة للدول الإفريقية لعرض مطالبهم أمام العالم وطرح رؤيتهم المشتركة للتحول الأخضر في القارة الإفريقية.

  • مخاوف أمنية وانسحاب فرنسا من مالي:

تأتي القمة في وقت مثير للقلق لإفريقيا بعد موجة من الانقلابات العسكرية شملت غينيا ومالي والسودان، وانضمت إليهم بوركينافاسو الشهر الماضي لتصبح رابع دولة يجمدها الاتحاد الإفريقي، إلى جانب انتشار الجماعات الإرهابية والصراعات في العديد من دول القارة، وتلعب دول الاتحاد الأوروبي دورًا في حفظ السلام والأمن في القارة الإفريقية، يتجلى هذا الدور في الدعم المالي الذي تقدمه أوروبا لعمليات حفظ السلام التي يقودها الاتحاد الإفريقي، حيث قدم مرفق السلام الإفريقي التابع للاتحاد الأوروبي ما يقرب من 2.9 مليار يورو خلال الفترة بين عامي 2004 و 2019.

وتأمل فرنسا من خلال رئاستها الحالية للاتحاد الأوروبي في تحويل التزاماتها الدفاعية الحالية تجاه إفريقيا في مواجهة التهديدات الأمنية المتزايدة، ولا سيما في منطقة الساحل، إلى قضية أوروبية، من أجل بناء “شراكة أمنية إفريقية أوروبية حقيقية” للتصدي للإرهاب.

ومن جهةٍ أخرى، فقد مثل اجتماع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الإليزيه، يوم الأربعاء 16 فبراير، وقبل يوم واحد من انطلاق القمة الأوروبية-الإفريقية، مع عدد من رؤساء دول منطقة الساحل، لبحث الانسحاب العسكري من مالي، عاملًا آخر من عوامل تعقيد مناقشات المشهد الأمني لإفريقيا في القمة الأوروبية الإفريقية، حيث أعلن الرئيس ماكرون رسميًا انتهاء عملية “برخان” وقوة “تاكوبا” الأوروبية في مالي، بعد مهمة استمرت لمدة 9 سنوات، على أن تستغرق عملية سحب الجنود بين أربعة إلى ستة أشهر، وتنوي باريس إعادة تموضع القوات الخاصة بها في النيجر.

هذا الانسحاب الفرنسي، وضع الملف الأمني في إفريقيا على رأس المناقشات الدائرة في القمة الأوروبية الإفريقية، لما له من تداعيات كبرى على الدول الإفريقية والأوروبية أيضًا، حيث سيكون لسحب القوات الفرنسية عواقب على العديد من الجهات الفاعلة الأخرى المُشاركة في مالي، بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي، كما يخشى دبلوماسيون من أن يؤدي خروج 2400 جندي فرنسي من مالي، التي تعد معقل تنظيم القاعدة وداعش، إلى تفاقم أعمال العنف في منطقة الساحل، ويعطي زخمًا جديدًا للهجرة من غرب إفريقيا إلى أوروبا، كما أنه يهدد عمليات التعدين الدولية والاستقرار في شركاء فرنسيين استراتيجيين مثل السنغال وساحل العاج.

كما أن إنهاء برخان سيعقد بشكل كبير مهمة 15 ألف جندي تابعين لبعثة الأمم المتحدة (مينوسما)، والتي تعتمد بشكل خاص على الدعم الجوي الفرنسي وتأثيره الرادع على بعض الجماعات الإرهابية المسلحة.

  • الهجرة:

ظلت الهجرة حاضرة لسنوات كقضية أساسية في كل القمم الإفريقية الأوروبية، حيث تعاني الدول الأوروبية من وجود 11 مليون مهاجر إفريقي على أرضها، بينهم أكثر من ٥ ملايين ينتمون إلى المغرب والجزائر وتونس، ويتوقع البنك الدولي أن يكون هناك ٨٦ مليون مهاجر بسبب تغير المناخ في إفريقيا بحلول عام ٢٠٥٠، كما أن تسعة من أهم ١٥ دولة إفريقية ينشأ منها المهاجرون تعاني من الصراعات، بينما تحتاج معالجة قضية الهجرة إلى تمويل واسع أكبر بكثير من حدود الـ 1.8 مليار يورو التي خصصت لصندوق الطوارئ والذي تم إنشاؤه بعد قمة مالطا في عام 2015، بهدف معالجة أسباب الهجرة، خاصة مع دخول ما يقرب من 30 مليون إفريقي إلى سوق العمل كل عام.

وفي ظل الاستياء الأوروبي من الهجرة غير النظامية، وتفضيلهم للهجرات المختارة، أعرب ماكرون عن أمله في وضع أجندة من شأنها مكافحة الاتجار بالبشر في البحر الأبيض المتوسط، وقال إن ذلك سيساعد في بناء مستقبل أكثر إشراقًا للشباب الإفريقي ويسمح بالهجرات المختارة، سواء للأغراض الأكاديمية أو العلمية أو الثقافية.

على هامش القمة

عقدت سلسلة واسعة من الأحداث والفعاليات على هامش القمة الإفريقية الأوروبية، كان أبرزها:

  • إطلاق أسبوع إفريقيا – أوروبا:

نظم الاتحاد الأوروبي النسخة الأولى من أسبوع إفريقيا – أوروبا، خلال الفترة من 14 حتى 18 فبراير، على هامش القمة الأوروبية الإفريقية، لتعزيز الروابط بين شعوب القارتين والجمع بين الشباب والمجتمع المدني والقطاع الخاص من إفريقيا وأوروبا لمناقشة جوانب الشراكة بين إفريقيا والاتحاد الأوروبي، وقد اشتمل الأسبوع على عدد من الفعاليات الفرعية تضمنت إلى جانب مسار الشباب والمثار الثقافي، مسار المجتمع المدني، وتضمن منتديين حول طريقة المضي قدمًا نحو شراكة فعالة أوروبية-إفريقية، تحت عنوان “الحكم التشاركي والشفاف: نهج محوره الناس”، واشتمل على عدة جلسات ركزت على دور منظمات المجتمع المدني والمجالس المحلية في الشراكة.

بالإضافة إلى منتدى الأعمال السابع بين الاتحاد الأوروبي وإفريقيا (EABF22)، الذي شاركت في تنظيمه المفوضية الأوروبية ومفوضية الاتحاد الإفريقي، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي ومنظمات الأعمال الإفريقية، وركزت النسخة السابعة للمنتدى على بناء سلاسل قيمة أقوى للنمو المستدام والوظائف اللائقة.

  • اجتماع مبادرة القرن الإفريقي:

عُقد الاجتماع الوزاري الحادي عشر لمبادرة القرن الإفريقي (HoAI)، تحت رئاسة السفير الكيني “أمب أوكور ياتاني”، يوم 15 فبراير، وذلك على هامش قمة الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي، وضم الاجتماع وزراء مالية جيبوتي وإثيوبيا وكينيا والصومال في بروكسل، بالإضافة إلى ممثلين عن البنك الدولي وبنك التنمية الإفريقي، إلى جانب جوتا أوربيلينن، مفوضة الاتحاد الأوروبي للشراكات الدولية، وأعضاء من فريق أوروبا لأول مرة، في غياب ممثلين عن إريتريا والسودان. وبحث الاجتماع الوزاري الوضع في القرن الإفريقي، وما يمكن القيام به لتعزيز التكامل الإقليمي، والحاجة المتزايدة للتعامل مع التحديات التي تواجهها المنطقة والاستفادة من الفرص من خلال نهج إقليمي جماعي.

إنجازات متواضعة أمام الطموح الإفريقي

بعد فعاليات مزدحمة ونقاشات مطولة، خرجت القمة الأوروبية-الإفريقية بعدد من النتائج والمبادرات التي كان معظمها معروفًا بالفعل من وقت سابق قبل القمة، التي شهدت فقط الإطلاق الرسمي لهذه المبادرات، وتمثلت أبرز نتائج القمة الأوروبية-الإفريقية في:

  • مساعدات إنسانية طارئة:

خصصت المفوضية 294.2 مليون يورو كتمويل إنساني لمساعدة الفئات الضعيفة من السكان في شرق وجنوب إفريقيا في عام 2022، على أن يتم تخصيص تمويل المشاريع على النحو التالي: جيبوتي (500 ألف يورو)، والكونغو الديمقراطية ومنطقة البحيرات الكبرى (44 مليون يورو)، وإثيوبيا (48 مليون يورو)، وكينيا (13 مليون يورو)، والصومال (41 مليون يورو)، وجنوب إفريقيا (27 مليون يورو)، وجنوب السودان (41.7 مليون يورو)، والسودان (40 مليون يورو)، وأوغندا (30 مليون يورو)،  وحدد الاتحاد الأوروبي أن استخدام المساعدات لن يقتصر فقط على مساعدة السكان المتضررين لتلبية الاحتياجات الأساسية، ولكن أيضًا لتعزيز الوقاية من الكوارث والاستعداد لها، ودعم أطفال المدارس في جميع أنحاء المنطقة من خلال مشاريع التعليم في حالات الطوارئ، بالإضافة إلى 9 ملايين يورو إضافية لمعالجة وضع اللاجئين البورونديين في جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا وتنزانيا، فضلًا عن  21.5 مليون يورو المخصصة للقرن الإفريقي في ديسمبر 2021 لمساعدة المنطقة على محاربة أسوأ موجة جفاف تشهدها المنطقة منذ عقود.

  • تعهدات لتعزيز الصحة الإفريقية وزيادة اللقاحات:

إلى جانب المساعدات الإنسانية الطارئة، وعد بنك الاستثمار الأوروبي بتوفير ما لا يقل عن 500 مليون يورو لتعزيز أنظمة الصحة الإفريقية كجزء من شراكة مع منظمة الصحة العالمية والمفوضية الأوروبية، بالإضافة إلى مواصلة إرسال جرعات لقاح كوفيد-19 إلى إفريقيا، كما أكد الاتحاد الأوروبي مجددًا التزامه بتوفير ما لا يقل عن 450 مليون جرعة لقاح كورونا لإفريقيا بحلول منتصف عام 2022، قدمت الدول الأوروبية بالفعل منها 400 مليون جرعة ضمن مبادرة “كوفاكس” بتكلفة حوالي 3 مليارات دولار أمريكي، وسيقوم “Team Europe” بتعبئة 425 مليون يورو إضافية لاستكمال وتيرة الجرعات المطلوبة، بالإضافة إلى تدريب الفرق الطبية.

  • دعم المطالب الإفريقية بإعادة توجيه حقوق السحب ولكن طواعية:

استجابة لتأثيرات أزمة كوفيد على الاقتصادات الإفريقية، دعم قادة الاتحاد الأوروبي مطالب الدول الإفريقية بإعادة توجيه المخصصات الجديدة لحقوق السحب، ودعوا إلى تقديم مساهمات طوعية من أجل تحقيق الطموح العالمي الإجمالي المتمثل في دعم سيولة بقيمة 100 مليار دولار أمريكي على الأقل للبلدان الأكثر احتياجًا، ورحبوا بمبلغ 55 مليار دولار أمريكي الذي تم التعهد به بالفعل من المخصصات الجديدة لحقوق السحب الخاصة (SDRs)، بما في ذلك 13 مليار دولار أمريكي من دول الاتحاد الأوروبي، كما شجعوا المزيد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على المساهمة في هذا الجهد العالمي.

في الوقت الذي تكافح فيه إفريقيا عجزًا سنويًا قدره 300 مليار يورو في السنوات المقبلة بسبب كوفيد-19، حاول القادة الأفارقة الضغط من أجل خطوة أكثر واقعية تتمثل في حمل دول الاتحاد الأوروبي على السماح لصندوق النقد الدولي بتخصيص ما لا يقل عن 100 مليار دولار كمساعدات إضافية لإفريقيا وحدها، وكانت فرنسا وإيطاليا وإسبنيا تعهدت بإعادة توجيه 20% من حقوق السحب الخاصة الجديدة لإفريقيا، بينما أعلنت كل من هولندا وبلجيكا أيضًا تدوير كميات أصغر، وهو ما يمثل في مجموعه حوالي 13 مليار دولار، وهي نتائج مخيبة للآمال لدول القارة.

  • حصول ست دول إفريقية على تقنية  mRNAلإنتاج اللقاحات، بينهم مصر:

أعلن زعماء أوروبيون وأفارقة يوم الجمعة 18 فبراير أثناء انعقاد قمة الاتحاد الأوروبي وإفريقيا، أن ست دول إفريقية ستكون أول المتلقين للتكنولوجيا اللازمة لإنتاج لقاحات mRNA في القارة، وهي المرحلة الثانية بعد أنشاء مركز نقل تكنولوجيا mRNA في جنوب إفريقيا، والذي حقق إنجازًا مهمًا، حيث أنتج ما يأمل أن يكون نسخة طبق الأصل من لقاح فيروس كورونا mRNA الخاص بشركة موديرنا في يناير 2022، ويضاف إلى جنوب إفريقيا 5 دول أخرى ستتلقى التكنولوجيا في إفريقيا هي مصر وكينيا ونيجيريا والسنغال وتونس.

ويذكر أن تقنية mRNA هي تقنية ثورية، تحمل وعودًا بمكافحة أمراض أخرى مثل الملاريا والسل، ويمكن تعديل المصانع المنتجة للتقنية في غضون أسابيع لإنتاج لقاحات أخرى مختلفة عند الحاجة، وبالتالي يمكن أن تكون حلًا للأمراض التي تقتل الملايين، وتساهم في تحقيق الطموح الأكبر للاتحاد الإفريقي في أن يكون 60٪ من اللقاحات المستخدمة في القارة مصنعة محليًا بحلول عام 2040، ومع دخول وكالة الأدوية الإفريقية حيز النفاذ ستسهم في تحقيق هذا الطموح.

  • الاستثمارات الأوروبية وخطة “البوابة العالمية”:

أيدت القمة الأوروبية الخطط الاستثمارية التي كشفت عنها رئيسة الاتحاد الأوروبي “أورسولا فون دير لاين” قبل أيام قليلة من القمة الأوروبية-الإفريقية، في مؤتمر صحفي مشترك عُقد في الأول من فبراير مع رئيس السنغال ماكي سال في داكار، حيث أعلنت حشد استثمارات تزيد على 150 مليار يورو (230 مليار دولار) لإفريقيا حتى عام 2030، في مجالات الانتقال الأخضر والطاقة والنقل والبنية التحتية الرقمية والنمو المستدام وخلق فرص العمل اللائقة بالإضافة إلى الصحة والتعليم، فضلًا عن تعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي والقاري، لا سيما في اطار منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية.

وتأتي هذه الخطط كأول خطة إقليمية في إطار مبادرة “البوابة العالمية”، وهي استراتيجية أطلقها الاتحاد الأوروبي في ديسمبر 2021، تهدف إلى حشد ما يزيد عن 300 مليار يورو من الاستثمارات حول العالم بحلول عام 2027، وتحدد الاستراتيجية “الانتقال الأخضر والوصول إلى الطاقة، والانتقال الرقمي، والنمو والتوظيف، والسلام والهجرة، وتعزيز النظم الصحية، وتحسين التعليم والتدريب،” كمجالات الاهتمام الرئيسية، على أن تخصص الأموال الموجهة لإفريقيا لذات المجالات.

وفي هذا السياق، يبدو أن البوابة العالمية هي تحدٍ أطلقته أوروبا ضد مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها الصين عام 2013، بعد أن تم اتهام الصين بدفع البلدان الفقيرة إلى الديون، وتحاول أوروبا تقديم نفسها من خلال استراتيجيتها كبديل عادل ونظيف، بهدف تعزيز الروابط المستدامة حول العالم، بما يتماشى مع الصفقة الأوروبية الخضراء، ووفقًا لمعايير عالية وحوكمة جيدة وشفافية مع ضمان الاستدامة المالية في الوقت نفسه. وفي حين أن الخيار الأوروبي يبدو في ظاهره جيد، إلا أن المعايير النوعية التي يضعها الاتحاد الأوروبي كشروط لتمويل المشاريع قد تكون صعبة بعض الشيء على عدد من الدول الإفريقية.

  • شراكة معززة ومتبادلة للهجرة:

على الرغم من الأهمية التي يكتسبها موضوع الهجرة لدى الدول الأوروبية، إلا أن الإعلان المشترك بنهاية القمة احتوى على شعارات وأهداف عامة، حيث أشارت النتائج النهائية إلى أن الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي سيواصلان معًا معالجة جميع جوانب الهجرة والتنقل، بما يتماشى مع الكفاءات الوطنية، بطريقة متكاملة وشاملة ومتوازنة، بهدف منع الهجرة غير النظامية وتعزيز التعاون ضد التهريب والاتجار بالبشر، دعم الإدارة المعززة للحدود وتحقيق تحسينات فعالة في العودة وإعادة القبول وإعادة الإدماج، وتعزيز حوارات الهجرة بين القارتين، فضلًا عن الاتفاق على تنشيط عمل فريق العمل الثلاثي المشترك بين الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، الذي تم إنشاؤه من قبل الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة في نوفمبر 2017، على هامش القمة الخامسة للاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي في أبيدجان، بهدف إنقاذ وحماية أرواح المهاجرين واللاجئين على طول طرق الهجرة ولا سيما داخل ليبيا.

كما اتفق القادة على مواصلة العمل لمعالجة الأسباب الجذرية للهجرة غير النظامية والنزوح القسري، وتعزيز التعاون في معالجة التحديات التي يطرحها هجرة الأدمغة، والاستثمار في الشباب والنساء لدعم تمكينهم ورفع مهاراتهم وتحسين تعليمهم وآفاق عملهم، لا سيما من خلال زيادة الدعم للتعليم والتدريب التقني والمهني.

وجميعها إما شعارات عامة كما أشرت مسبقًا، أو آليات قديمة يتم إعادة طرحها.ختامًا، على الرغم من الإنجازات المتواضعة للقمة الإفريقية الأوروبية، خاصة فيما يتعلق بتغير المناخ ولقاحات كوفيد-19، والمبادرات البسيطة التي لا تكفي لتلبية الاحتياجات الإفريقية، إلا أن اتخاذ بعض الخطوات الواضحة إلى الأمام هو مكسب لا يمكن إنكاره، بالإضافة إلى مكسب آخر تمثل في أن العقلية الاستعمارية القديمة للاتحاد الأوروبي بدأت تتلاشى تدريجيًا، وأصبح هناك اتجاه نحو شراكة حقيقية بعيدًا عن ديناميكية (المانح- المتلقي)، حتى وإن كانت هذه الشراكة لا تزال في طور النمو، ومن المثير للاهتمام أيضًا في هذا المحفل الدولي، كان موقف الدول الإفريقية التي ظلت أكثر اتحادًا في مطالبها، خاصة فيما يتعلق بقضايا الحصول على اللقاحات وتغير المناخ، وان لم يحصلوا على مطالبهم اليوم، فإن تماسكهم أمر حيوي للحصول على صفقة أفضل من الاتحاد الأوروبي في وقت لاحق.

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر