سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
زيد الشكري
كممارس للاتصال حظي بتجارب متنوعة في عدد من المنظمات، أستطيع القول إن أحد أكبر التحديات التي تواجه ممارسي الاتصال هو السقوط في فخ “الفتن الاتصالية”. فما هي هذه “الفتن الاتصالية”؟
الفتن الاتصالية هي الحالات التي يغويك بريقها في البداية، حتى تظن أنها فكرة عميقة، وربَّما فتّاكة وستحدث فرقًا. بينما ستجدها فيما لو أمعنت النظر والتأمل، وصفة تدمير في وقتها. وفي هذه النشرة، سأقوم بالحديث في كل مقال عن شكل من أشكال هذه الظاهرة في سلسلة الفتن الاتصالية.
أحد أشكال الفتن الاتصالية.. عندما يصطدم المنطق الاتصالي بالمنطق الرياضي أو الطبيعي. قدر معظم الأنشطة الاتصالية – مع الأسف – أنها لا تخضع للمنطق الطبيعي، فإذا كانت نتيجة المعادلة 1+1=2 صحيحة وفق المنطق الرياضي، فإنها قد لا تكون دائمًا كذلك وفق المنطق الاتصالي الذي يحكمه السياق والظرف واللحظة والتوقيت.
وهنا تبرز مهارة اتصالية مهمة جدًا – شخصيًا أعدها ملكة المواهب الاتصالية – وهي “التقدير الصحيح”، أي القدرة على التنبؤ عبر فهم الموقف والسياق. فليس التحدي أن يكون لديك معلومة مهمة جدًا أو حصرية وذات تأثير على جمهورك وأصحاب العلاقة، بل التحدي هو تقدير التوقيت والسياق. فإذا قطعت بأهمية الرسالة وقدرتها على إحداث التأثير، فسيبقى السؤال المهم، وهو: كيف سيستقبل الجمهور هذه الرسالة في هذا الظرف والوقت بالذات؟ نشر الرسالة الصحيحة في الوقت الخطأ قد يؤدي إلى كارثة، فالرسالة التي كان من المناسب نشرها قبل أسبوع، قد لا تكون بالضرورة صالحة للنشر اليوم أو غدًا.
فعلى سبيل المثال، تخيل أن العالم يموج بجائحة كونية، كما في كورونا اليوم، والاقتصادات العالمية تواجه تحديات غير مسبوقة، والناس تفقد وظائفها، وبعضهم يعيش قلقًا مدويًا عن مستقبل مجهول لا يدرك مآلاته، ثم تأتي منظمة أو شركة لتستعرض للجمهور – في وقت كورونا – نجاحاتها ومنجزاتها التي حققتها خلال العام الماضي مثلاً. وعلى الرغم من أن هذه المنظمة حققت بالفعل منجزات نوعية، وربَّما بعضها استثنائي، إلا أنها اختارت هذا التوقيت للظهور، فما هي النتيجة المتوقعة؟
المنطق الطبيعي يقول إن المنظمة بالفعل حققت منجزات نوعية، فهي بذلك تملك القيمة الترويجية existed value والرسالة الصحيحة، لكن المنطق الاتصالي يخذلها. ففي مثل هذه الظروف، وعندما يكون الجمهور منخرطًا في المأساة، فإنه يصعب عليه تقبل مثل هذا الخطاب أو تصديقه أحيانًا، ليس لأنه غير حقيقي، بل لأنه لا يلائمه في مثل هذه اللحظات، حيث يرى فيه انفصالاً عن الواقع وتعاليًا على مأساته، فهو ليس بوارد احتفاء بمنجزات ماضية، بل متعطش لحلول واقعية وأفعال تمنحه بارقة أمل وسط هذه الظروف. ووفق هذا التقدير الخاطئ للظهور، فإن أحد التبعات المحتملة على هذه المنظمة هو أن تتأثر “مصداقيتها”، أو أن يتولد شعور تجاهها بعدم المسؤولية وعدم أخذ ما تقوم به على محمل الجد.
إذا كان ثمة شيء واحد أجمع عليه معظم التجارب في مجال الاتصال والعلاقات العامة، فهو أن “التوقيت هو كل شيء”. والتوقيت هنا ليس المقصود به الوقت فقط، بل ملاءمة اللحظة والظرف والسياق.
متخصص في الاتصال والصحافة
@alshakri
المصدر:
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر