الفيلم السعودي في المحافل الدولية | مركز سمت للدراسات

الفيلم السعودي في المحافل الدولية

التاريخ والوقت : الأحد, 12 فبراير 2023

د. مصعب بن عمير العمري

التطورات السريعة التي تشهدها المملكة العربية السعودية منذ إطلاق رؤيتها لعام 2030، انعكست بشكل فريد على صناعة الأفلام بكامل قطاعاتها، وخصوصًا قطاع الإنتاج. هذه التطورات أفرزت أعمالاً سينمائية سعودية تصل إلى المحافل الدولية وتحقق صدى كبيرًا عبر وسائل الإعلام الدولية والنقاد بشكل مغاير عن المشاركات السعودية قبل إطلاق «رؤية المملكة 2030».

كانت الأفلام السعودية في معظمها لا تتجاوز الحضور في المهرجانات الخليجية والعربية، إلا أن هذا الأمر تحوَّل بشكل مختلف بعد إنشاء الجهات الحكومية كالمجلس السعودي للأفلام سابقًا، وهيئة الأفلام حاليًا، والجهات الثقافية غير الربحية مثل: مؤسسة محمد بن سلمان الخيرية «مسك الخيرية»، ومركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي «إثراء»، ومؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي. لاحقًا أصبح للفيلم السعودي حضور دولي قوي سواء للأفلام الروائية القصيرة، أو الطويلة، أو حتى أفلام الرسوم المتحركة. من أبرز الأمثلة للفيلم القصير فيلم «الدنيا حفلة» لرائد السماري، والفيلم الطويل «المرشحة المثالية» لهيفاء المنصور، وفيلم الرسوم المتحركة «الرحلة» لشركة مانجا للإنتاج – إحدى الشركات التابعة لمؤسسة محمد بن سلمان «مسك الخيرية».

سوف تتناول هذه الورقة البحثية الفيلم السعودي في المحافل الخارجية بشكل عام، مع التركيز على ثلاثة محاور رئيسية تبدأ بسرد موجز حول نشأة المهرجانات السينمائية والأهمية العلمية لمشاركة الأفلام في تلك المحافل، كذلك سوف تتناول الورقة البحثية نظرة الإعلام الدولي إلى المشاركات السعودية في المحافل الدولية، وثالثًا رؤية النقاد للفيلم السعودي المشارك في هذه المحافل، وفي الختام تقديم العديد من التوصيات لتعزيز مكانة الفيلم السعودي خارجيًا.

أهمية المشاركة في المحافل الدولية للأفلام السينمائية

نشأت مهرجانات الأفلام في بدايات القرن العشرين، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية اكتسبت شعبية كبيرة وأدَّت دورًا مهمًا في نهضة صناعة السينما في العديد من البلدان مثل: إيطاليا وفرنسا والمملكة المتحدة. على سبيل المثال، ساهمت بعض المهرجانات مثل: مهرجان البندقية السينمائي الدولي في عام 1931، ومهرجان كان السينمائي عام 1946، ومهرجان إدنبرة السينمائي الدولي عام 1947، ومهرجان برلين السينمائي الدولي في عام 1951، ومهرجان لندن السينمائي في عام 1953، بشكل كبير في صناعة السينما في تلك البلدان. العامل المشترك – كما أشارت الباحثة الأسترالية Kirsten Stevens – بين هذه المهرجانات الأوروبية التي نشأت مبكرًا، أنها فعاليات مدعومة من قبل الحكومات «Stevens, 2016». وهذا الأمر يشير إلى الأهمية القصوى للدعم الحكومي للقطاعات والصناعات التي لا تزال في نشأتها لتنمو وتتطور بشكل سريع وفعَّال.

بعد انتشار المهرجانات السينمائية وتحولها إلى محافل دولية مهمة، أصبحت تقوم بدور فعَّال في تشكيل ثقافة السينما العالمية، وتعزيز تداول الأفلام على الصعيد الدولي. إذ يتم جمع الأفلام من مختلف البلدان والثقافات لتُعرض على جمهور عالمي؛ ولهذا فهي – بحسب رأي العلماء والباحثين – تؤدي دورًا فعَّالاً للتبادل الثقافي وتعزيز الحوار والتفاهم بين الثقافات المختلفة. ناهيك عن أن كثيرًا من الدراسات العلمية أثبتت أن المهرجانات توفر منصة للاحتفال والترويج، وإبراز وجهات النظر المتنوعة لصنَّاع الأفلام المشاركة. وعلى الرغم من هذه الأهمية الثقافية للمحافل الدولية، فإن للمهرجانات السينمائية تأثيرات مختلفة أبعد عن التأثيرات الثقافية إلى الاقتصادية، وتحديدًا في المساعدة على توزيع الأفلام في الأسواق العالمية. إذ إن الأفلام المرشحة للعرض في المهرجانات السينمائية المرموقة مثل مهرجان كان السينمائي وصندانس وغيرها، تحصل على زخم إعلامي كبير، وعلى عروض متنوعة لتوزيع وعرض هذه الأفلام في دول عدة حول العالم. هذا الأمر من شأنه توفير قيمة أعلى لصنَّاع الأفلام، خصوصًا ممن هم في بداية مسيرتهم المهنية للاستفادة من دخول أفلامهم لصالات عرض دول أخرى، وكذلك الاستفادة من تغطيات وسائل الإعلام المؤثرة لأعمالهم.

تشير الدكتورة Marijke de Valck، وهي الباحثة الأكثر شهرة بين العلماء في مجال دراسات مهرجانات الأفلام في كتابها الشهير «المهرجانات السينمائية: من الجغرافيا السياسية الأوروبية إلى السينما العالمية»، إلى أن لمهرجانات الأفلام دورًا في تشكيل ثقافة السينما العالمية، وتجادل بأن مهرجانات الأفلام تلعب دورًا حاسمًا في تداول الأفلام والترويج لها على الصعيد الدولي «De Valck, 2007». وتؤكد الباحثة أن مهرجانات الأفلام لمَّا كانت تعمل كمواقع رئيسية للتبادل الثقافي، فإنها تساعد على تعزيز الحوار والتفاهم بين الثقافات المختلفة. كذلك يمكن أن تكون أيضًا وسيلة لتحدي السرديات الثقافية السائدة وتعزيز وجهات النظر البديلة. ولهذا، فإن الباحثة تشدد على دور مهرجانات الأفلام في تشكيل القيم الجمالية والثقافية، وتجادل بأن مهرجانات الأفلام يمكن أن تكون بمثابة موقع رئيسي لتشكيل ونشر المعايير الجمالية والثقافية.

 وبناء على ذلك، تؤثر مهرجانات الأفلام في تقبل الأفلام وتفسيرها من قبل جمهور المهرجانات والنقاد السينمائيين.

وتشير الباحثة أيضًا إلى تأثير مهرجانات الأفلام على صناعة السينما والمهن في التخصصات الدقيقة لصانعي الأفلام، وتجادل بأن المشاركة في مهرجانات الأفلام يمكن أن توفر فرصًا مهمة لصانعي الأفلام لعرض أعمالهم والتواصل مع المتخصصين في هذه الصناعة. وتؤكد الباحثة أن مهرجانات الأفلام يمكن أن تكون بمثابة منصة رئيسية لتوزيع الأفلام المستقلة والترويج لها، ويمكن أن تساعد في توفير الضوء الإعلامي لصانعي الأفلام الناشئين وصانعي الأفلام من المناطق التي أسمتها بـ»الناقصة للتمثيل» كالبلدان التي لا تملك مهرجانات سينمائية، ولا تستضيف أي أحداث ثقافية مرتبطة بعروض الأفلام السينمائية «De Valck, 2007».

مجموعة أخرى من الباحثين الذين يتوافقون مع رؤية الدكتورة Marijke de Valck للمهرجانات السينمائية من الجانب الثقافي، من أبرزهم Ragan Rhyne الذي يصف المهرجانات السينمائية بأنها منطقة تواصل ثقافي للتفاعل مع السينما الأجنبية «Rhyne,2009». ومن وجهات النظر الأخرى التي تدعم أهمية المهرجانات السينمائية البروفيسورة Dina Iordanova التي تعتبر أن المهرجان السينمائي هو شبكة توزيع بديلة في مواجهة هوليوود» «Iordanova, 2009». لأن كثيرًا من النقاد ومحبي الفن السابع ينزعجون من هيمنة «هوليوود» على شباك التذاكر العالمي مما يضيق الخناق على عرض الأفلام من الدول ذات الصناعة السينمائية الناشئة. لذلك تبرز أهمية المهرجانات السينمائية في توفير منصة عرض للأفلام وسوق لتوزيعها دوليًا، والدعم الإعلامي من خلال التغطيات المكثفة لكافة وسائل الإعلام. 

من ملخص ما سبق، نجد أن الأبحاث والدراسات المشار إليها آنفًا، اتفقت على أن المهرجانات السينمائية تقدم مساهمات في جوانب متعددة، وتحديدًا مساهمات ثقافية وتجارية وإعلامية. ولهذا، فإن لمشاركة صنَّاع الأفلام في هذه المحافل العديد من المكاسب الشخصية لهم، والمكاسب الوطنية للبلدان التي يمثلونها، والمدن أو القرى التي تم تصوير هذه الأفلام فيها.

نظرة الإعلام الدولي للمشاركات السعودية في المحافل الدولية

بعد أقل من أربعة أسابيع من افتتاح أول صالة سينما تجارية في السعودية لشهر إبريل من عام 2018، شاركت السعودية عبر المجلس السعودي للأفلام، وللمرة الأولى بشكل رسمي، في محفل دولي هام وهو مهرجان كان السينمائي. على الرغم من الاهتمام العالمي بافتتاح صالات السينما التجارية في السعودية، وتحديدًا افتتاح صالة العرض الخاصة بشركة AMC في مركز الملك عبدالله المالي من خلال عرض فيلم Black Panther، فإن وسائل الإعلام فُوجئت بالإعلان عن مشاركة السعودية في مهرجان كان لعام 2018. منذ الإعلان عن هذه المشاركة الرسمية اهتمت وسائل الإعلام كثيرًا بهذه المشاركة، وسلطت الضوء على الأفلام السعودية التي سوف تُعرض في هذا المهرجان وهي تسعة أفلام قصيرة لصنَّاع أفلام سعوديين. نشرت مجلة «فارايتي» الأميركية الشهيرة تصريحًا للمدير الفني لمهرجان «تييري فريمو» الذي عبر عن سعادته لمشاركة السعودية في هذا المهرجان. التركيز على دعم ورعاية المواهب في مجال صناعة الأفلام كانت من الأمور التي أعجب بها «تييري فريمو». وأضاف أنه من خلال مهرجان «كان» تُشارك القصص السعودية مع العالم، وأن قرار مجلس الأفلام بالمشاركة هي طريقة رائعة لفتح الفرص العالمية لأبنائها الموهوبين «Vivarelli, 2018». احتفت كذلك مجلة «هوليوود ريبورتر» الشهيرة بهذه المشاركة، معتبرة أن هذه التحولات السعودية في السينما تستمر بالتسارع. وأشادت المجلة بإعجاب بهذه الخطوة معتبرة أن وجود جناح خاص للسعودية في المهرجان وتنظيم لقاءات وندوات بين صنَّاع أفلامها السعوديين والآخرين، هو جزء من أول رحلة للبلاد في المشاركات الدولية «Ritman, 2018». يوجد في مهرجان كان السينمائي أكثر من 75 دولة حول العالم، وأكثر من 1500 وسيلة إعلامية، غير أن المشاركة السعودية الأولى حظيت باهتمام بالغ من إدارة المهرجان ومن وسائل الإعلام الدولية. لذلك كانت هذه المشاركة والتمثيل الرسمي للوطن لنسخة المهرجان لعام 2018 ثاني مكاسب الصناعة السينمائية السعودية إعلاميًا بعد افتتاح أول صالة سينما تجارية في الرياض.

استمرت المشاركات السعودية في مهرجان كان، وأصبح التمثيل من قبل هيئة الأفلام التابعة لوزارة الثقافة. لم تتوقف المشاركات السعودية كذلك على مهرجان كان السينمائي فقط، وإنما وصلت إلى عدة مهرجانات أخرى من أبرزها مشاركة فيلم «الدنيا حفلة» لرائد السماري في مهرجان صندانس السينمائي لعام 2019. وتعد هذه المشاركة أول مشاركة سعودية في هذا المهرجان، والتي انتهت بفوز الفيلم السعودي القصير بجائزة لجنة التحكيم. هذه المشاركة والفوز بإحدى جوائز المهرجان، هي بحد ذاتها تحول كبير في تاريخ مشاركات الأفلام السعودية القصيرة في المحافل الدولية. وفي التقرير السنوي الذي أعدته مؤسسة صندانس لعام 2019، بلغ عدد الحضور لمهرجان صندانس ما لا يقل عن 122 ألف شخص «Monson, Wilson and Goodliffe, 2019». هذا الحضور الضخم لأكبر مهرجان سينمائي مستقل في أميركا يشير إلى الأهمية القصوى للمشاركة في هذا المحفل، وإلى صعوبة ترشح دخول الأفلام فيه كذلك. لذلك كان فوز فيلم «الدنيا حفلة» بجائزة لجنة التحكيم، نقطة تحول للأفلام السعودية القصيرة من حيث نوعية المشاركة.

في نفس العام، وفي مهرجان آخر من المهرجانات المرموقة دوليًا، شارك الفيلم الطويل «المرشحة المثالية»، وهو أول فيلم يتم تمويله من قبل المجلس السعودي للأفلام في مهرجان البندقية السينمائي. يعتبر مهرجان البندقية السينمائي الدولي أقدم مهرجان سينمائي في العالم وأحد أكبر خمسة مهرجانات سينمائية في الوقت الحالي، إذ يجمع بين كبار صانعي الأفلام الدوليين، بالإضافة إلى الأفلام التي تمثل الاتجاهات الفنية المؤثرة في السينما العالمية. بعد مشاركة «المرشحة المثالية» لعام 2019، شاركت السعودية مجددًا في البندقية من خلال تمثيل رسمي من قبل هيئة الأفلام السعودية لعام 2022. وفي نفس العام شاركت هيئة الأفلام في مهرجان مالمو السينمائي في السويد، إذ حلَّت السينما السعودية ضيف شرف مهرجان مالمو من خلال عرض خمسة أفلام سعودية طويلة، وسبعة أفلام سعودية قصيرة «الجابر، 2022». 

من خلال السرد السابق لمشاركات الأفلام السعودية خارجيًا، يلاحظ نموها من حيث العدد، ومن حيث نوع الأفلام. كانت المشاركة الأخيرة لعام 2022 تحتوي على أكبر مشاركة سعودية خارجية «غير إقليمية» في تاريخها من حيث عدد الأفلام، وهو 12 فيلمًا، ومن حيث النوع 5 أفلام طويلة. وبعد سنوات طويلة من هيمنة الأفلام القصيرة، كمًا ونوعًا، على المشاركات السعودية أصبح للفيلم السعودي الطويل حضور دولي، وهذه من أحد أبرز مؤشرات الدور الفعَّال للعديد من الجهات الحكومية والجهات غير الربحية المساهمة في دعم نمو الصناعة السينمائية في السعودية. هذه التطورات ساهمت في حصول الفيلم السعودي على الاهتمام الإعلامي الدولي، وتركيز مؤسسات إعلامية كبرى على التطورات السعودية في الصناعة السينمائية.

رؤية النقاد حول الفيلم السعودي

على الرغم من التهميش الذي تواجهه الأفلام العربية في الإعلام الدولي، فإن هناك أعمالاً سعودية لاقت رواجًا كبيرًا بين وسائل الإعلام الدولية، واستفادت من تغطيات واسعة وتحليلات ورؤى فنية من النقاد. من أشهر هذه الأعمال فيلم «المرشحة المثالية» للمخرجة السعودية هيفاء المنصور. وتم ترشيح الفيلم للتنافس على جائزة الأسد الذهبي في مهرجان البندقية السينمائي الدولي لعام 2019. وقد تم اختياره كمرشح للسعودية لأفضل فيلم بلغة أجنبية في حفل توزيع جوائز الأوسكار لعام 2020. 

الناقد الأميركي الشهير Glenn Kenny قدَّم مراجعته للفيلم ونشرها عبر صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، مبديًا إعجابه بالفيلم وواصفًا أن أبرز ما يميز «المرشحة المثالية» هو أداء الممثلين، وخصوصًا ميلا الزهراني من خلال أدائها لشخصية مريم العاملة في المجال الطبي. ومن الأمور المهمة التي جذبت انتباه الناقد للفيلم، رتم القصة والتسلسل البطيء للأحداث جعل من تجربة المشاهدة أفضل. ونال الفيلم استحسان الناقد، لأن الفيلم لم يكن رواية قصة عن النشاط النسوي في السعودية، وإنما دراما عائلية، وهو – بحسب وصفه – أفضل لكافة شرائح المشاهدين «Kenny, 2021». 

كاتب وناقد آخر من المملكة المتحدة وهو Xan Brooks نشر عبر صحيفة الغارديان البريطانية، رأيه في الفيلم، وكتبت الصحيفة في مانشيت رئيسي تصف الفيلم بـ«النظرة الثاقبة». يقرأ الناقد الفيلم بأنه يقدم قصة بسيطة غير مزخرفة أو متكلفة، ولكنها تمثل الروح الأنثوية ذات العزيمة والإصرار التي لا تقهر. يشير الناقد إلى أن الفيلم يسعى لتقديم أمل وإقناع وقوة إصرار نحو عالم أفضل. ويقول إن الفيلم أوصل له هذه الرسالة، وهي أنه كل ما قد يتطلبه الأمر هو أن يضع شخص ساطع وجريء يده على عجلة القيادة لعمل التغيير حتى ولو بدرجة واحدة «Brooks, 2019».

حصلت المخرجة هيفاء المنصور على هذه الإشادات والتقدير من قبل نقاد معروفين من عدة دول، ونُشرت آراؤهم عبر وسائل إعلام شهيرة مثل: نيويورك تايمز، والغارديان البريطانية، وغيرها الكثير من وسائل الإعلام المختلفة حول العالم. هذا الأمر يشير إلى أمر مهم، وهو أن المخرجة لديها حسٌّ عالٍ في الذائقة الفنية حينما تختار قصص أفلامها. وكذلك في اختيار نوع الصراعات في الحبكة الدرامية لأفلامها وطريقة تقديمها للمشاهد بأسلوب مشوق ومناسب للجميع مثل ما ذكر الكاتب البريطاني الشهير Xan Brooks في الغارديان. وهذا ما أذهل العديد من وسائل الإعلام والنقاد، وجعل أفلام هيفاء المنصور تصل دومًا للعرض في مهرجانات عالمية مرموقة، على الرغم من عدم وجود ميزانيات ضخمة لإنتاج أفلامها، كما هو معمول به في بعض الدول. صحيح أن الفيلم يمثل وجهة نظر صانعه، لكن في طريقة السرد البصرية من المهم مراعاة كسب المشاهد وطريقة تفاعله مع القصة. ولهذا السبب قد يكون المنصور رأت أن  تسرد صراعات الفيلم بطريقة مناسبة لدراما العائلة حيث الشريحة الجماهيرية الأوسع، وليس فيلم للنسوية حيث الشريحة الجماهيرية الأقل.

مثال آخر أدهش النقاد، هو فيلم «الرحلة»، وهو أبرز أفلام الرسوم المتحركة السعودية، من إنتاج مشترك بين السعودية واليابان. يعتبر فيلم «الرحلة» أول فيلم سعودية ينتج بتقنية 4DX، وهي تجربة السينما الرباعية الأبعاد التي تتيح تجربة مشاهدة حسية أفضل للجمهور. وفي مراجعة للفيلم من قبل الكاتبة Rebecca Silverman من خلال Anime News Network والتي تعد شبكة إخبارية شهيرة متخصصة في أفلام الرسوم المتحركة والمانجا، وصف النقاد الفيلم بأنه عبارة عن جزء مثير للاهتمام من التاريخ. على الرغم من أن قصة الفيلم مستوحاة من حادثة أصحاب الفيل في شبه الجزيرة العربية التي ذكرت في القرآن الكريم، وإدخال الدين في هذه الأعمال غير محبب للنقاد ووسائل الإعلام نظرًا لحساسية المواضيع المستوحاة من الأديان؛ فإن الكتابة ترى القصة أنها تمت روايتها بكفاءة «Silverman, 2022».

فيلم «الرحلة»، أثار هذا العنوان للفيلم حماس الكاتب اليوناني Panos Kotzathanasis الذي ذكر أن اسم الفيلم بحد ذاته فريد في عالم أفلام الرسوم المتحركة. من خلال رؤيته النقدية للفيلم، وهو متخصص في نقد وتحليل أفلام الرسوم المتحركة والأفلام الآسيوية بشكل خاص، يشير إلى أن الشركة السعودية «مانجا» والاستوديو الياباني «TOEI Animation» وفقوا في الدمج بين كون القصة من خلفية دينية، وبين الجودة الفنية والمستوى الترفيهي للفيلم. على الرغم من أن التجارب السعودية في أفلام الرسوم المتحركة محدودة جدًا، مع قلة أعداد السعوديين العاملين في صناعة أفلام الرسوم المتحركة؛ فإن من أبرز ما أثار إعجاب الناقد هو المستوى الملحمي المتقن في الفيلم أثناء هجوم الأفيال وصدام الجيوش «Kotzathanasis, 2022». هذا الأمر يشير إلى الجودة الفنية التي سعت لها «مانجا» للإنتاج ومن خلال فيلمها التجاري الأول نجحت في ذلك. ختم الناقد تحليله للفيلم بأنه على الرغم من أن التركيز على القصص أو الأحداث الدينية في الأفلام غير محبب ويبدو دعائيًا، فإن جودة فيلم «الرحلة» كافية لإرضاء معظم محبي أفلام الرسوم المتحركة والأفلام الملحمية على وجه التحديد، واصفًا الإنتاج بالتفرد «Kotzathanasis, 2022».

الخاتمة

طريقة تناول هيفاء المنصور للقضايا الاجتماعية السعودية لفت انتباه وسائل الإعلام الدولية ولاقى إعجابًا من معظم النقاد. فيلم المنصور «المرشحة المثالية» كان ذكيًا في إبراز معاناة المرأة خلال حقبة مضت، ولكن دون التندر من المجتمع أو البيئة التي تم تصوير الفيلم فيها، وكان مثلما وصفه الناقد المعروف Glenn Kenny بأنه فيلم لكافة شرائح المجتمع، وليس للنسوية. فيلم «الرحلة» لـ»مانجا» للإنتاج اعتبره النقاد فيلمًا دعائيًا ودينيًا، إلا أنه نال احترام الجميع؛ نظرًا لإتقان السرد القصصي وتصاعد الأحداث بشكل درامي مقنع. كذلك كان فوز فيلم «الدنيا حفلة» لرائد السماري بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان صندانس الأميركية، نقطة تحول في مستوى التمثيل السعودي المأمول في المحافل الدولية المرموقة. هذه الأفلام الثلاثة «روائي طويل، وروائي قصير، ورسوم متحركة طويل»، قدمت أنموذجًا رائعًا لسمعة الفيلم السعودي خارجيًا، وهي بذلك رفعت المعايير الفنية والمستوى الإبداعي لما يجب أن يكون عليه الفيلم السعودي حينما يشارك في المحافل الدولية. 

في الوقت الذي كان الفيلم السعودي لا يتجاوز المهرجانات الإقليمية، أصبح ينافس عالميًا، وله حضور مستمر بشكل سنوي ويزداد من حيث العدد والنوعية. هذه النتيجة تعد أحد أهم المؤشرات للدور الفعَّال لهيئة الأفلام إحدى الهيئات التابعة لوزارة الثقافة السعودية. تؤدي هيئة الأفلام دورًا محوريًا في زيادة التمثيل السعودي خارجيًا مما يجعل صنّاع الأفلام السعوديين في حالة حماس وجدية أكبر في صناعة أفلام تصل للجمهور العالمي. ومن المأمول أن يستمر هذا الدعم والتمكين من قبل هيئة الأفلام إلى أن تصل الصناعة السينمائية السعودية لمستوى نضج ونمو دون الحاجة للدعم والتمكين من قبل الجهات الحكومية. 

ختامًا، أحد أبرز أدوار هيئة الأفلام لدعم الأفلام السعودية هو التمويل للمشاريع، بحيث تقوم بهذا الدور من خلال أكثر من مبادرة، والدور الذي من المأمول أن يعيه صنَّاع الأفلام هو إعادة هذا الجميل للهيئة من خلال صناعة أفلام تليق بمستوى يمكنها من الوصول للترشيحات الرسمية في المهرجانات الدولية المرموقة. وبذلك، فإن نجاح صانع الفيلم السعودي في هذه المهرجانات المرموقة هو نجاح للسينما السعودية ككل، وأفضل تسويق لسمعة الوطن وإنجازاته.

التوصيات

معرفة صناع الأفلام وإدراكهم لأهمية التخطيط للأدوار الاتصالية والتسويقية والتعامل مع وسائل الإعلام أثنـاء مشاركاتهم فـي المحافل الدولية، مثال: حقق فيلم «الدنيا حفلة» جائزة في مهرجان مــن أكبر 5 مهرجانات سينمائية حول العالم ولم يحظَ بتغطية إعلامية أجنبية ومحلية توازي هذا المنجز.

تبني شركات الإنتاج السعودية خططًا خاصة بها لوصول إنتاجاتها السينمائية للمحافل الـدولية، وخصـوصًا لمهـرجـانات الأفـلام المرمـوقة مثل: «مهـرجان كـان، وصـندانس، والبندقية، وبرلين، وتورونتو».

استعانة شركات الإنتاج السعودية وصانع الأفلام السعودية بما في ذلك صناع الأفلام القصيرة بالموزعين الدوليين، نظرًا للدور الكبير الذي يقومون به في وصول الأفلام للمحافل الدولية.

استفادة صناع الأفلام من الإرث التاريخي والثقافي للسعودية منذ بداية الدولة السعودية الأولى لرواية قصص سينمائية فريدة عالميًا مثل المعارك الملحمية العظيمة التي خاضها مؤسسو الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة.

رفع القيمة الفنية للأفلام من خلال شراكات بين شركات الإنتاج السعودية ونظيرتها الدولية لجلب التقنية الفنية العالية ونقل خبرات العاملين المحترفين ذوي الندرة، خصوصًا طاقم العمل المصنفين في وظائف الـBelow-the-line

استثمار شركات الإنتاج وصناع الأفلام السعوديين المال والجهد والوقت في مرحلة ما بعد الإنتاج والتركيز على تفاصيل دقيقة مثل: موسيقى الفيلم، وتصميم الصوت، وتصحيح ألوان الفيلم لأن تكون بمستوى يتوافق مع المعايير وضمان استيفاء الفيلم للمتطلبات الفنية لمهرجانات الأفلام الدولية.

تحفيز الباحثين من قبل الجامعات والمراكز البحثية والثقافية لتقديم العديد من الدراسات المخصصة للنشر العلمي المحكم حول الأفلام السعودية التي حققت نجاحات في المحافل الخارجية لدعم سمعة الفيلم السعودي في الأبحاث العلمية.

أستاذ جامعي متخصص في الفيلم ومخرج سينمائي*

@Mus3bAlamri

المراجع
1 – Brooks, X. (2019) “The Perfect Candidate review – powerful insight into Saudi absurdity,” The Guardian, 30 August. Available at: https://www.theguardian.com/film/2019/aug/30/the-perfect-candidate-review-venice-film-festival (Accessed: January 8, 2023).
2 – De Valck, M., (2007). Film festivals: From European geopolitics to global cinephilia (p. 280). Amsterdam University Press.
3 – Iordanova, D. (2009). The Film Festival Circuit. In: Iordanova, D. with Rhyne, R. eds. The Film Festival Yearbook 1: The Festival Circuit. St. Andrews: College Gate Press, pp. 23-39.
4 – Rhyne, R. (2009). Film Festival Circuits and Stakeholders. In: Iordanova, D with Rhyne, R. eds., The Film Festival Yearbook 1: The Festival Circuit. St. Andrews: College Gate Press, pp. 9-22.
5 – Kenny, G. (2021) “‘The Perfect Candidate’ Review: Paving the Way,” The New York Times, 13 May. Available at: https://www.nytimes.com/2021/05/13/movies/the-perfect-candidate-review.html (Accessed: January 13, 2023).
6 – Kotzathanasis, P. (2022) “Anime Review: The Journey (2021) by Shizuno Kobun,” Asian Movie Pulse [Preprint]. Available at: https://asianmoviepulse.com/2022/12/anime-review-the-journey-2021-by-shizuno-kobun/ (Accessed: January 13, 2023).
7 – Monson, Q., Wilson, S. and Goodliffe, J. (2019) Economic Impact 2019 Sundance Film Festival. Available at: https://www.sundance.org/wp-content/uploads/2022/05/sff19-economic-impact-report.pdf.
8 – Ritman, A. (2018) “Saudi Arabia Set to Make Cannes Debut,” The Hollywood Reporter, 10 April. Available at: https://www.hollywoodreporter.com/movies/movie-news/saudi-arabia-set-make-cannes-debut-1101281/ (Accessed: January 10, 2023).
9 – Silverman, R. (2022) “The Journey Film,” Anime News Network, 2 September. Available at: https://www.animenewsnetwork.com/review/the-journey/film/.185077 (Accessed: January 9, 2023).
10 – Stevens, K. (2016). Australian Film Festivals. New York: Palgrave Macmillan.
11 – Vivarelli, N. (2018) “Saudi Arabia to Debut at Cannes With Its First National Pavilion,” Variety, 9 April. Available at: https://variety.com/2018/film/news/saudi-arabia-debut-cannes-first-national-film-industry-pavilion-1202747397/ (Accessed: January 10, 2023).
12 – الجابر، م. (2022) «صناعة الأفلام السعودية ضيف شرف مهرجان مالمو» العربية، 4 مايو، موقع الإنترنت: https://ara.tv/4r2hm 

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر