سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
راجكومار سينغ
إن المطالبة بإعادة هيكلة العلاقات بين المركز والدولة في الهند هي مسألة بأقدمية اعتماد دستور البلاد في العام 1950، وقد لاحظ الآباء المؤسسون للدستور الهندي الاتجاه الناشئ للفيدرالية التعاونية، في الاتحادات الفيدرالية التقليدية حيث لم يكونوا ملتزمين بأي مبدأ من مبادئ الفيدرالية، بل كان هدفهم الوحيد هو صياغة دستور قادر على حل المشاكل التي تعرضت لها البلاد عشية الاستقلال وأيضًا تلك التي ستواجهها في المستقبل، وقد كان صُنّاعُها تفتنهم فكرة وجوب العمل من أجل تقدم وسلام وازدهار الشعب، حيث قام واضعي الصياغة بتطوير بنية تحتية في الدستور لتعزيز التعاون وتقليل التوتر بين المركز والدولة، وقد وضعوا إطارًا تم فيه منح الاتحادات الفيدرالية سلطات أوسع من تلك الممنوحة لحكومات الولايات.
إن التنوع الديني واللغوي والعرقي للهند بالإضافة إلى اندلاع أعمال الشغب الطائفية، وصدمة التقسيم وعواقبها المروعة، واغتيال غاندي، والصعود الشيوعي في تيلانجانا، ومشاكل الأمن الخارجي للهند والنظام العالمي المعقد، وأيضًا وجود ملايين المحتشدين، كل ما سبق أثّر على تفكير ومزاج واضعي الدستور الهندي، لقد اعتقدوا أن مركزًا قويًا فقط يمكن أن يكون بمثابة إحباط لميل الهند إلى اللامركزية البالغة حد التقسيم، وأن هدف الأمة وهو رفاهية الشعب لن يتحقق إلا من خلال تأسيس اتحاد تعاوني مركزي.
المرحلة الأولية من الاتحاد الهندي:
يتسم تاريخ الفيدرالية وعلاقات المركز والدولة في الهند، بالتعبئة السياسية والنضال المتقطع مما شكّل بنية أكثر فيدرالية، ففي المرحلة الأولى والتي استمرت حتى الستينيات كانت مهمة بناء الدولة وتنميتها هي الشغل الشاغل لحكام الأمة، وفي هذه الفترة لم يسيطر فقط اتجاه المركزية، ومهما كانت النزاعات التي نشأت وكان هناك الكثير من النزاعات الكبرى، إلا أن الجميع سعى إلى حلها بموجب الدستور، وغالبًا ما تم إعادة تنظيم الحدود الجغرافية للولايات، ففي عام 1956، تم تنظيمها على أساس لغوي وقد أرسى هذا الأساس التأكيد على وجود سلطات أكبر للولايات.
في وقت لاحق تم تشكيل المزيد من الولايات- هاريانا، وهيماشال براديش، وناغالاند، ومانيبور، وميزورام، وأروناتشال براديش، وغوا- حتى أنه في عام 2003، كان يتم تقسيم ثلاث ولايات كبيرة، لإنشاء ثلاث ولايات جديدة هي جاركاند، وأوتارانتشال، وتشاتيسجاره، احترامًا وتشجيعًا لتطلعات الشعب المحلية.
في هذا الصدد يعتبر تنصيب حكومات غير تابعة للكونغرس على مستوى الدولة بعد عام 1967 بداية لتآكل هيمنة الكونجرس، لكن في الواقع كانت هذه هي نقطة البداية لظهور سياسات التحالف في الهند، فقد أدى تراجع “نظام الكونجرس” كما دعا إليه “أوستن” إلى ظهور عدد من القضايا على السطح، كان من بين هذه القضايا إفساح المجال للأحزاب السياسية الأخرى، لتلعب أدوارها في السياسة الوطنية والمحلية على حد سواء
إن التطور الذي حدث في عام 1977 يمثل تتويجًا لما بدأ بالفعل عام 1967، ففي مرحلة ما بعد عام 1967 قرر حزب “درافيدا موننيترا كازاغام Dravida Munnetra Kazhagam”، مواصلة الحملة حول العلاقة بين المركز والدولة بطريقة مدروسة وعلمية، وفي مؤتمر “DMK” المُقام في تيروشي في فبراير 1970 كان شعار الحزب: “الحكم الذاتي للولايات؛ الفيدرالية في المركز” شعارًا شعبيًا سائدًا، وفي بيان الحزب الانتخابي لعام 1971، أعلن “كازاغام” أنه على الرغم من وصف دستور الهند بأنه فيدرالي لكن التوازن الحالي يميل أكثر نحو المركز، وبالتالي فالولايات غير قادرة على العمل بحرية في المجالات الإدارية والمالية، لأنها صلاحيات من الضروري أن تُمنح فقط للمركز من أجل الحفاظ على قوة الهند، كما يجب ترك جميع القوى الأخرى للولايات دون الإضرار بالمثل العليا للهند القوية، ويرى الحزب أنه من أجل تعزيز العلاقات الصحيحة والمثالية بين المركز والدولة، يجب أن يكون هناك المزيد من الصلاحيات للولايات.
الصدام بين المركز والولايات
في عهد “راجيف غاندي” أصبحت الاستراتيجيات التي تم تبنيها لمواجهة الأزمات التي نشأت في الولايات، ذات نتائج عكسية في العديد من القضايا في ظل حكومة غير تابعة لحزب المؤتمر، ففي البداية حاول المؤتمر اختراق الولايات الهندية لاستعادة تفوقه الانتخابي، لكن النتائج في انتخابات الجمعية في ما يصل إلى عشر ولايات لم تسجل نموًا مطردًا، وفي ماهاراشترا والبنجاب يمكن رؤية نفس الصورة تقريبًا.
وفي محاولة لتسوية هذه القضايا لا سيما في البنجاب، تم إبرام اتفاق سلام بين “راجيف غاندي” والزعيم الديني “هارتشاند سينغ لونغوال”، الذي فشل في إرضاء شعب البنجاب أو حتى الحكومة في المركز، وقد طلب “بيجو باتنايك” من أوريسا أيضًا استقلال الولايات في الشؤون المالية في نهاية عام 1973، وفي عام 1990 عندما أصبح رئيس وزراء ولاية أوريسا في مقابلة مع صحيفة “إنديان إكسبريس The Indian Express” في سبتمبر 1991، كرر باتنايك مطالبته واقترحه “إعادة هيكلة العلاقات بين المركز والدولةجذريًا”.
وفي الواقع فأن تبني واضعي الدستور شكلاً فيدراليًا للحكم، على أمل أن يعمل الاتحاد والولايات ضمن حدود الدستور بالتعاون في إدارة مشتركة، يجب ألا يصبح طموح الولايات أكثر من اللازم كما يجب ألا يكون الاتحاد قسريًا للغاية، لأن الفيدرالية بإمكانها أن تعمل فقط إذا كان الاتحاد مُتسامحًا مع الولايات والعكس صحيح، فالفيدرالية في الأساس هي أداة ذات إمكانيات كبيرة لدمج التأكيد السياسي للمصالح الإقليمية المتنوعة، وتوفير إطار عمل للتوفيق بين مطالب زيادة التمثيل والمشاركة في التنمية الوطنية، وبالتالي فإن القضية أكثر من مجرد نقل للسلطات من المركز إلى الولايات، وبعبارة أخرى إن الدستور يتجنب القالب المحكم للفيدرالية، الذي يمكن أن يكون وحدويًا وفيدراليًا وفقًا لمتطلبات الوقت والظروف.
حكومة الائتلاف والفيدرالية
تشكلت أول حكومة ائتلافية في عام 1989، وكانت بقيادة “الجبهة الوطنية” وتولى رئاستها “ف. تولى سينغ”، وقد ضمت أحزابًا إقليمية رئيسية مثل حزب “درافيدا موننيترا كازاغام”، الذي كان في مركز هذه الحكومة الائتلافية، ورغم أن هذه الحكومة لم تدم طويلًا، إلا أنها اتخذت خطوات حقيقية لتعزيز المبدأ الفيدرالي.
وقد تم تشكيل مجلس الدول واصبح الأحزاب الإقليمية في الحكومة الائتلافية في المركز عام 1990 سمة منتظمة وفي عام 1996 ومع تشكيل حكومة الجبهة المتحدة وبعدها في جميع الحكومات اللاحقة، وحتى الآن في حكومة التحالف التقدمي المتحد.
أخيرًا، إن الأحزاب اليسارية التي دعمت حكومة الجبهة الوطنية في عام 1989 وحكومة الجبهة المتحدة 1996-1998 وحكومة التحالف التقدمي المتحد الحالية، كلهم كانوا من المؤيدين الأقوياء للمبدأ الفيدرالي، وسيظهر الو٤تحليل طبيعة وأبعاد الحكومة الفيدرالية في الهند، أن شهدت الديناميات الداخلية للأحزاب السياسية في الهند تغيرات نوعية على المستويين الوطني والإقليمي.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: أوراسيا ريفيو Eurasia Review
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر