الفلبين تدرس الانفصال الاستراتيجي مع الولايات المتحدة | مركز سمت للدراسات

الفلبين تدرس الانفصال الاستراتيجي مع الولايات المتحدة

التاريخ والوقت : الإثنين, 14 يناير 2019

ريتشارد جواد هيدارين

 

في خطوة مفاجئة أعلنت الفلبين عن إجراء مراجعة لمعاهدة الدفاع المشترك مع الولايات المتحدة المبرمة منذ عام 1951، والتي تشكل الأساس الوطيد بالنسبة للعلاقات الاستراتيجية بين “مانيلا” و”واشنطن”؛ وهو ما يعني أن تخفيض ذلك التحالف سيكون بمثابة “الهدية” لبكين؛ فالمراقب يجد أن وزير الدفاع “لورنزانا”، الذي شغل منصب الملحق العسكري للفلبين لدى واشنطن، يقود حاليًا جهودًا لإعادة النظر في واحد من أقدم التحالفات الاستراتيجية في آسيا.

وقد يكون لأمرٍ كهذا تأثيرات واسعة بالنسبة للأمن الإقليمي، بما في ذلك بحر الصين الجنوبي الذي يعاني من عدم استقرار شديد؛ إذ تتصارع الولايات المتحدة والصين على نحو متزايد من أجل السيطرة على المجرى المائي. وقد جاءت حركة “مانيلا” المفاجئة بعد فترة وجيزة من رحيل جماعة “بالانجيجا بيلز” التي استولت عليها القوات الأميركية كغنائم حرب منذ أكثر من قرن، وهي الخطوة التي يعتبرها البعض ذريعة للأعمال الوحشية التي ارتكبتها الولايات المتحدة أثناء استعمارها للفلبين.

وقد كان المراقبون يعتقدون أن العودة الرمزية، التي سعت إليها “مانيلا” لفترة طويلة، ستضع العلاقات على أساس أكثر صلابة بعد الانزلاق في قضايا مختلفة. فقد قام وزير الدفاع الأميركي “جيمس ماتيس” بخطوة الانطلاق في هذا المسار، أو هكذا بدا الأمر.

فقد اتخذ الرئيس “روردريغو دوتيرتي” نهجًا عدائيًا في الكثير من الأحيان تجاه الولايات المتحدة سعيًا وراء ما أسماه بـ”سياسة خارجية أكثر استقلالاً”. وفي الوقت نفسه، اقتربت حكومته من الصين اقتصاديًا واستراتيجيًا. لكن لم يتضح ما ترمي إليه الفلبين من وراء هذه الخطوة، لكن استعراض المعاهدة يعكس القدر المتنامي من الإحباط لدى “مانيلا” نتيجة للرفض الشديد لهذا التحالف الثنائي.

وبشكل محدد، لا يوجد في معاهدة الدفاع المشترك بين الجانبين ما ضمِن الدعم الأميركي غير المشروط، صراحة، في حالة حدوث صراع بين الفلبين ودولة أخرى في بحر الصين الجنوبي بما في ذلك الصين، وهو ما انتقد على إثره “لورنزانا”، الولايات المتحدة علنًا لكونها متناقضة بشأن تلك القضية.

إذ تنص إحدى مواد المعاهدة على أنه “يقرُّ كل طرف بأن أي هجوم مسلح في منطقة المحيط الهادي على أيٍّ من طرفَي المعاهدة سيشكل خطرًا على سلامته، ويعلن أنه سيعمل على مواجهة الأخطار المشتركة وفقًا لدستوره”. وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن هذا يعني الحاجة إلى الحصول على موافقة الكونغرس على أي تدخل عسكري كبير يتم القيام به نيابة عن الفلبين. لكن السؤال هنا يتعلق بالنطاق الجغرافي الدقيق لهذه المعاهدة؛ ففي ظل إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، أعلنت الولايات المتحدة أن تحالفها مع اليابان يغطي جزر سينكاكو/ دياويو المتنازع عليها في بحر الصين الشرقي، والتي تتنافس عليها كل من الصين وتايوان.

كذلك تقرُّ معاهدة الدفاع المشترك بين الولايات المتحدة واليابان بأن “نطاق القوات البرية والجوية والبحرية للولايات المتحدة يشمل اليابان وما حولها، كما يمكن استخدامها للمساهمة في حفظ الأمن والسلم الدوليين في الشرق الأقصى، وكذا أمن اليابان ضد أي حركات مسلحة”.

غير أن هذه الضمانات غير موجودة في معاهدة الدفاع المشترك بين الولايات المتحدة والفلبين، حتى على مستوى التصريحات الرسمية لواشنطن، التي تصدر في عبارات عامة تعبر عن “التزام صارم” بالدفاع عن الفلبين، كما في”الدفاع المحدد” الذي قطعته على نفسها تجاه اليابان. ففي عام 2014 حذَّر أوباما أثناء وجوده في “مانيلا” من الدخول في حرب من أجل “مجموعة من الصخور” عندما سُئِلَ عما إذا كانت الولايات المتحدة ستدافع عن الفلبين في حالة نزاعها مع الصين في بحر الصين الجنوبي. وقبل عامين رفضت واشنطن التدخل العسكري عندما دخلت الفلبين والصين في أزمة بحرية استمرت أكثر من شهر حول قضية جزيرة “سكاربورو شول” المتنازع عليها، والتي تسيطر عليها الصين حاليًا في انتهاك للقانون الدولي.

كذلك يرتبط الأمر بالمنطقة الاقتصادية الخالصة للفلبين، وهو ما قد يكون محوريًا لأي تحرك صيني عند إنشاء أي منطقة دفاع مشترك بهدف السيطرة الفعلية على بحر الصين الجنوبي. وكذلك لم تتحرك الولايات المتحدة لتطبيق قرار “محكمة التحكيم الدولية الدائمة” بلاهاي في يوليو 2016، وكان القرار لصالح الفلبين في مواجهة ادعاءات الصين بالسيطرة على بحر الصين الجنوبي، وهو القرار الذي أسهم بشكل قانوني في إعادة صياغة الخريطة الصينية المثيرة للجدل، التي تطالب بـ90% من الممر المائي. كما شكك البعض في توافق اتفاقية الدفاع المشترك بين الولايات المتحدة والفلبين مع الواقع الجيوسياسي الحالية منذ أن تمت صياغتها في بداية حقبة الحرب الباردة.

فأثناء التفاوض بشأن تلك المعاهدة، كانت هناك حرب مستعرة، لكن: هل الحرب لا تزال قائمة اليوم؟ هل الأمر لا يزال مرتبطًا بأمن الولايات المتحدة؟ ربَّما تكون الإجابة (لا)، كما قال “لورنزانا” في مؤتمر صحفي بأواخر ديسمبر الماضي. وحتى “لورنزانا” نفسه أثار مسألة احتمالات إلغاء المعاهدة تمامًا إذا رأى ذلك ضروريًا؛ إذ يقول “دعونا نرى، ونقترب من معاهدة الدفاع المشترك، والنظر إليها في ضوء ما يحدث بالمنطقة، ننظر في مصلحة بلادنا، وليس لمصلحة الآخرين”، مضيفًا أنه قد يتم إنهاء هذه الاتفاقية من طرف واحد.

لذا، فمن المرجح أن تجادل الأطراف من ذوي الميول الصينية في “مانيلا”، التي يدعمها خطاب “دوتيرتي” المناهض للغرب، بضرورة خفض درجة العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة من أجل دعم وتعضيد العلاقات مع بكين، والتي ظل يشوبها الحذر من التحالف الدفاعي بين الفلبين والولايات المتحدة.

بيْدَ أن عملية المراجعة التي أعلنتها “مانيلا” يمكن أن تكون بمثابة نقطة انطلاق لدفع أميركا لأن تكون أكثر استجابة لالتزاماتها بموجب المعاهدة تجاه الفلبين من خلال الارتقاء بمستوى التحالف لاستيعاب المخاطر والتكيف مع الواقع الجيوسياسي الجديد، الذي ينطوي على صعود الصين والتراجع النسبي لنفوذ أميركا في آسيا.

وفي ظل الإدارة الحالية لدونالد ترمب، سعت واشنطن إلى تبني لهجة أكثر طمأنة بشأن التزامات أميركا تجاه المنطقة. فخلال زيارته إلى “مانيلا” في أغسطس، قال “راندال سكريفر”، مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الأمن في آسيا والمحيط الهادئ ، إنه “يجب ألا يكون هناك أي سوء فهم أو عدم وضوح في التزامنا شكلاً ومضمونًا”.

وفي ديسمبر الماضي، كان السفير الأميركي لدى الفلبين “سونغ كيم”، أكثر اطمئنانًا، إذ قال لشبكة “سي إن إن” CNNالفلبينية، “أتوقع تمامًا أن نأتي للدفاع عن الفلبين إذا هاجمتها أي دولة أجنبية”.

ومع ذلك، لم يتطرق أيٌّ من تلك التصريحات إلى تفاصيل أي تدخل أميركي محتمل في حالة نشوب صراع كامل في بحر الصين الجنوبي، وهو السيناريو الذي يرجحه محللون أمنيون على نحو متزايد وسط إرهاصات الحرب بين الولايات المتحدة والصين حول الوصول إلى المجرى المائي. فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته محطة Social Weather Stationsفي ديسمبر الماضي، أن نحو (61٪) من الفلبينيين واثقون من أن واشنطن ستستجيب لمساعدة “مانيلا” في حالة نشوب نزاع مع دولة ثالثة.

وأخيرًا، ربَّما يشير ذلك إلى أن الشعب الفلبيني يؤيد الحفاظ على تحالفه الحالي، أو حتى تحسينه مع أميركا، رغم أنه ليس من الواضح أن هذا ما تهدف إليه الحكومة الحالية بقيادة “دوتيرتي” في ضوء إعلانها أخيرًا عن إخضاع المعاهدة للمراجعة.

 

المصدر: آسيا تايمز

النشرة البريدية

سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!

تابعونا على

تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر