سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تحليل/ سالم سولومون وكيسي فريشيت
منذ ستينيات القرن الماضي، دعَّمَت الصين الحركات المناهضة للاستعمار والفصل العنصري في جميع أنحاء القارة الإفريقية. فعندما ناضلت بلدان، مثل: الجزائر، والسودان، وجنوب إفريقيا، من أجل التحرر، قدّمت بكين مساعدة مالية ودعمًا لوجيستيًا. وبمرور الوقت، تحولت العلاقات الأيديولوجية إلى مصالح اقتصادية وأمنية واستراتيجية مشتركة، مما أدى إلى واحدة من أكثر الشراكات الدولية تعقيدًا وخصوصية في العالم.
واليوم، ينظر البعض للصين كقوة استعمارية جديدة حريصة على إغراق الدول الإفريقية في الديون، وتجريد مواردها وسيادتها. ويشير آخرون إلى حالات مثل جيبوتي، التي تمتلك الصين نحو80% من ديونها العامة، والتي تجاوزت بدورها 86% من الناتج المحلي الإجمالي، أو زامبيا التي تشير بعض التقارير إلى أن الإقراض غير المستدام سيؤدي قريبًا إلى استيلاء الصينيين على الشركات العامة لديها، مثل شركة الكهرباء ZESCO، مع أن الحكومة الزامبية دحضَت هذه المزاعم. وفي أغسطس الماضي أعرب 16 من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي عن قلقهم بشأن جهود الصين الرامية إلى “توظيف رأس المال” في إفريقيا وآسيا، وذلك في رسالة إلى وزير الخزانة الأميركي “ستيفن منوشين”، ووزير الخارجية “مايك بومبيو”.
في حين يرى آخرون، لا سيَّما الزعماء الأفارقة، الصين كشريك مرن مستعدين للمشاركة معه في إطار من التكافؤ، وهو ما لا يتم مع أي شخص آخر. فالقروض الصينية التي هي مُوَجَّهة بالأساس لمشاريع البنية التحتية، كما أنها جزء مهم من الروابط المالية الشاملة، قد جاءت تاريخيًا متزامنة مع أسعار فائدة أقل بكثير وشروط أكثر مرونة للسداد، مقارنة بكثير من تلك التي يقدّمها صندوق النقد الدولي وغيره من المقرضين متعددي الأطراف، الذين يدين لهم العديد من البلدان الإفريقية بمعظمها. وقد ساندت الديون العامة الناتجة عن الإقراض الصيني في مجالات البناء وإدارة المشاريع، الأفارقة في إنشاء الكثير من الجسور، والطرق والسكك الحديدية، والسدود، ومحطات الطاقة الكهرومائية، وهي أنواع من المشروعات الضخمة التي يمكن أن تؤدي إلى تنشيط التصنيع والاقتصادات لسنوات قادمة.
ورغم عقدين من التعاون الاقتصادي، والعلاقات التجارية والثقافية المتطورة، فإن الأخبار الأخيرة الصادرة عن منتدى التعاون الصيني – الإفريقي في بكين، الذي عقد أخيرًا، تشير إلى أن العلاقات الصينية الإفريقية لا يمكن توصيفها بأنها تتجاوز الحدود البسيطة؛ فربَّما تكون هناك سياسة شاملة لإفريقيا، لكن واقع الحال يشير إلى أن الصين تتشارك مع مجموعة متنوعة من العلاقات الثنائية، مع وجود مكاسب تعود على البلدان الإفريقية المدفوعة إلى حد بعيد بمدى نجاح قادتها في الدفاع عن المصالح الوطنية.
غير أن ثمة ما يدعو إلى القلق بشأن ما إذا كانت هذه المصالح تخدم الأفارقة بشكل جيد؛ حيث إن الصفقات الغامضة، والتقارير الواردة عن الفساد واسع النطاق، وسوء الإدارة، والشكوك حول جدوى المشروع، والاختلال التجاري الصارخ، تثير التساؤل حول كيفية إدارة القادة الأفارقة للفرص المتاحة أمامهم.
وبعد 20 عامًا من التوسُّع في التعاون، ظهرت الصين كأكبر شريك تجاري للأفارقة، فهي واحد من أكبر المستثمرين الأجانب المباشرين، وأكبر ممولي مشاريع البنية التحتية. فالبيانات الصادرة عن “مبادرة الصين إفريقيا للبحوث” في جامعة “جونز هوبكنز” تكشف عن مدى ما وصلت إليه هذه العلاقات. فقد بلغ حجم التجارة بين الصين وإفريقيا 128 مليار دولار في عام 2016، كما قدمت الصين أكثر من 140 مليار دولار في صورة منح لتمويل الديون في جميع أنحاء القارة، ووصل الاستثمار الأجنبي المباشر في إفريقيا إلى ما يقارب 35 مليار دولار في عام 2015. كما أن بكين وضعت حوافز للشركات الصينية في الأسواق الإفريقية. وتقدر شركة ماكينزيMcKinsey & Company ، وهي شركة استشارية عالمية، أن حوالي 10 آلاف شركة صينية تعمل في إفريقيا، ومعظمها مملوكة للقطاع الخاص، مما أدى إلى إيجاد مئات الآلاف من فرص العمل الجديدة في جميع أنحاء القارة.
وقامت الصين ببناء بعضٍ من أبرز المباني في إفريقيا، وقدمت عددًا من المنح في مجال البنية التحتية. ففي عام 2012، على سبيل المثال، قامت الصين بتمويل وبناء مقر الاتحاد الإفريقي الذي تبلغ تكلفته 200 مليون دولار في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا. وقدمت بكين – أيضًا – للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا منحة قدرها 31.6 مليون دولار بدون فوائد لبناء مقرها الجديد في نيجيريا. لكن لا تزال المساعدات الأميركية في مجال التنموية الرسمية والاستثمار الأجنبي المباشر تتفوق على الصين في إفريقيا، ولكن هذا – أيضًا – قد يتغير.
لكن الصين لا تستثمر بشكل متكافئ في القارة؛ فبناءً على تحليل للبيانات التي جمعتها “مبادرة أبحاث إفريقيا” في الصين، نجد أنه بين عامي 2000 و2017، لم تقدم الصين قروضًا لثمانية بلدان، لكنها قدمت قروضًا أقل من 200 مليون دولار إلى عشر دول أخرى. وفي غضون ذلك، كانت خمس دول فقط، هي: السودان، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وكينيا، وإثيوبيا، وأنجولا، قد حصلت على أكثر من نصف القروض. وبالمثل استأثرت 6 بلدان بتدفق الاستثمار الأجنبي المباشر في عام 2015، وشكلت دولتان فقط، وهما: أنغولا وجنوب إفريقيا، أكثر من نصف صادرات القارة التجارية للصين في عام 2016.
وغالبًا ما كانت هناك فجوة بين الوعود الصينية وما تقدمه من أموال بالفعل، فقد كان القاسم المشترك هو سعي الدول الإفريقية لإبرام الصفقات والتعاقدات، فقد حصلت غانا وزيمبابوي، على سبيل المثال، على أقل من 10% من الأموال التي تمَّ التعهد بها لهما، حسب ما أفادت وكالة “برايت سايمونز” هذا الشهر، وهو ما يرجع جزئيًا إلى الشروط التي تفرضها الصين، مثل شرط مشاركة حكومات الدول الإفريقية حتى في القروض الخاصة، لكنها مرتبطة أيضا بسوء إدارة الأموال.
أحد الأمثلة على ذلك، مشروع في مجال الصرف الصحي والمياه في هراري بزيمبابوي، فقد حصل المسؤولون على قرض بقيمة 144 مليون دولار من الصين لتطوير وتحديث نظام الأشغال العامة، مما يجعل المياه الصالحة للشرب أكثر أمانًا وأكثر توافرًا. لكن وسائل الإعلام المحلية ذكرت في مارس، أن الصين امتنعت عن صرف نصف القرض، وكشفت عن مراجعة جارية بشأن الخلل الواضح في الميزانية والمخاوف من رشاوى مرتبطة بالأموال التي أنفقت.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: Foreign Policy
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر