سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
كورنيليا ماير
تغرق آسيا الوسطى والقوقاز والبلقان، التي كانت نقطة ضعف الاتحاد السوفييتي سابقًا، في العداوات العرقية المعقدة التي تعود إلى قرون مضت وتندلع أحيانًا في صراع مفتوح. وقد رأينا ذلك في يوغوسلافيا السابقة في التسعينيات، ومؤخرًا في ناغورنو كاراباخ.
وتمثل تلك المنطقة مصدر قلق كبير لروسيا، التي تعتبر تلك المناطق ساحتها الخلفية وتريد ضمان استمرار نفوذها. فعلى سبيل المثال، بعد الانتخابات في بيلاروسيا التي يبدو أنها فازت بها المعارضة، اختارت موسكو دعم بقاء الرئيس “ألكسندر لوكاشينكو” في منصبه، وإن كان ذلك بفتور وربَّما مؤقت. كما ستجرى الانتخابات هذا الشهر في جورجيا التي ستراقبها روسيا عن كثب.
وفي غضون ذلك، تمثل الأحداث في ناغورنو كاراباخ الجغرافيا السياسية في أعلى مستوياتها. وقد تمَّ تعيين “مناطق” الاتحاد السوفييتي، أو المنطقة الإدارية، لأذربيجان أثناء تفكك الاتحاد السوفييتي، رغم أن سكانها من أصل أرميني. وقد اندلعت حربٌ دمويةٌ في عام 1994، أدت إلى نزوح مئات الآلاف من الأشخاص، وسيطرت أرمينيا على أجزاء من الإقليم. لكن كان هناك وقف هش لإطلاق النار، على الرغم من اندلاع مناوشات مختلفة بين أرمينيا وأذربيجان على مدى السنوات الخمس والعشرين التالية، واندلع القتال مرة أخرى في سبتمبر. وقد دعمت تركيا أذربيجان خلال 44 يومًا من النزاع المسلح الذي أسفر عن مقتل أكثر من 5000 شخص.
وبعد سلسلة من وقف إطلاق النار الذي تمَّ كسره مباشرة بعد اندلاعه، توصلت أرمينيا وأذربيجان وروسيا إلى اتفاق الأسبوع الماضي. تنسحب بموجبه القوات الأرمينية من المناطق المحتلة في المنطقة المتنازع عليها بحلول الأول من ديسمبر. وستقوم قوات حفظ السلام الروسية بإنشاء وتأمين ممر بري بين المنطقة المتنازع عليها وأرمينيا. وسيكون هناك ممر ثانٍ بين جيب ناكسيفان الأذربيجاني على الحدود مع تركيا، مما يسمح بالسفر إلى أذربيجان عبر الأراضي الأرمينية.
وبشكل عام، كانت الاتفاقية جيدة بالنسبة لأذربيجان وروسيا. فقد كانت المرة الأولى التي كانوا قادرين فيها على استعادة الأراضي التي هي، في نظرهم ووفقًا للقانون الدولي، ملكهم بحق، وهو ما دعم الاتفاق وعزز النفوذ الروسي. كما ستنشر موسكو حوالي 2000 جندي في المنطقة. وبالنسبة لتركيا، لم يكن الاتفاق كله سيئًا أيضًا، حيث إن حليفتها أذربيجان، وهي دولة تركية ومسلمة، حظيت بمكانة في المقدمة. كما سيتم وضع بعض القوات التركية في وضع مراقبة وقف إطلاق النار، الموجود على الأراضي الأذرية وليس ناغورنو كاراباخ، وهو ما يسمح لتركيا بحفظ ماء الوجه، بينما حقيقة الأمر أن روسيا هي صاحبة القرار.
ومن بين الخاسرين دول أوروبية لم تلعب دورًا في التوصل إلى الاتفاقية، على الرغم من أن مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا لعبت دورًا أساسيًا في الوصول إلى وقف إطلاق النار في الماضي.
على الجانب الآخر، فإن أكبر الخاسرين هم الأرمن في ناغورنو كاراباخ، الذين حُرِمُوا مما يعتبرونه منازلهم الحقيقية. فقد أصبحت مشاهد حرق الأرمن لمنازلهم قبل العودة إلى الوطن جزءًا من السرد الآن. كما يجب ألا ننسى التاريخ المشحون بين الأرمن وتركيا، والإبادة الجماعية عام 1914، التي تنكرها تركيا.
إن المشاهد المتناقضة في شوارع باكو ويريفان تحكي القصة بشكل أفضل من أي شيء آخر. فتكفي الإشارة إلى حالة البهجة التي شهدتها العاصمة الأذرية، مع خروج المتظاهرين الأرمن الى الشوارع للمطالبة باستقالة رئيس الوزراء “نيكول باشينيان”.
وقد تكون ناغورنو كاراباخ والقوقاز بعيدين عن غالبيتنا، لكن المنطقة على درجة عالية من الأهمية. فروسيا تريد ضمان وضعها وسط التحديات الاقتصادية الناجمة عن جائحة “كوفيد – 19” وانخفاض أسعار النفط، فضلاً عن التحديات الجيوسياسية التي يفرضها النفوذ المتزايد للصين من خلال “مبادرة الحزام والطريق”، والتأكيدات الأوروبية بضرورة العمل كوسطاء.
وفي النهاية، كانت روسيا هي صانع هذا الاتفاق وستعمل قواتها على تأمين السلام المحتمل في المنطقة. وهو ما يعدُّ إنجازًا جيوسياسيًا كبيرًا. ومع ذلك، يمكن لقوات الناتو في أفغانستان والعراق أن توضح لموسكو، أن وضع القوات على الأرض يبدو أسهل بكثير من سحبها بمجرد تورطها في المستنقع الجيوسياسي والطائفي الغامض في المنطقة. هنا يمكن الإشارة إلى المثل القديم القائل: “كن حذرًا مما تتمناه” وهو ما يظل صحيحًا إلى الأبد.
كما أنه ليس هناك ما هو سهل، بل إن كل شيء معقد في الفناء الخلفي للاتحاد السوفييتي السابق. ففي الوقت الحالي، حققنا هدنة غير مستقرة، تكلفتها باهظة بالنسبة للأرمن الذين يتعين عليهم العودة إلى الوطن، لكنهم يتوقعون اندلاع التوترات العرقية والدينية في المنطقة الأوسع من وقت لآخر. كما يمكن أن نتوقع أيضًا أن تحاول القوى الإقليمية مثل روسيا وتركيا، تأكيد قوتها أثناء إيجاد طريقة عمل.
أمَّا الولايات المتحدة والصين وأوروبا فإنها ستراقب الأحداث باهتمام شديد. حيث تقع منطقة القوقاز وآسيا الوسطى في مرتبة الجوار الثاني بالنسبة لها، كما أن لها أهمية جيوسياسية بالنسبة للولايات المتحدة.
إعداد: وحدة الترجمات بمركز سمت للدراسات
المصدر: أخبار العرب
سجل بريدك لتكن أول من يعلم عن تحديثاتنا!
تابعوا أحدث أخبارنا وخدماتنا عبر حسابنا بتويتر